ماذا فعلنا في مواجهة التزييف العميق الخبيث

لندن- عندما علمت طالبة الهندسة تايلور كلاين من صديقتها أنها كانت في شريط فيديو إباحي، كانت تظن أن الأمر كان مجرد التباس. لكنها اكتشفت مقاطع لها على الإنترنت.
ومكّن الذكاء الاصطناعي التوليدي من إنشاء مقاطع الفيديو الواقعية، حيث ركّب منتج المقطع وجه كلاين على جسد امرأة أخرى. ولم تعتبر الشرطة التي اشتكت إليها الضحية العملية غير قانونية.
وتحدّثت الطالبة عن سعيها لتحقيق العدالة في فيلم جديد بعنوان “جسد آخر”. وقالت إنها شعرت بالرعب من فكرة وجود شخص اختار اعتماد وجهها.
ووافقت كلاين على رواية قصتها في الفيلم بشرط إبقاء هويتها مخفية. واعتمدت الاسم المستعار المذكور في هذا المقال. وذكرت خلال الفيلم الوثائقي أن الوجه الذي يمكن للمشاهدين رؤيته خلال الوثائقي ليس حقيقيا، بل هو تطبيق لنفس تقنية التزييف العميق.
ويستكشف الفيلم الوثائقي، الفائز بجوائز في مهرجانات سينمائية والذي من المقرر أن تعرضه البي بي سي خلال هذا الشهر، كيفية انتشار التزييف العميق المسيء دون رادع من القوانين أو اللوائح.
وقالت المخرجة المشاركة في الفيلم صوفي كومبتون “لم يعد هذا مناسبا. علينا أن نتحرك الآن”.
وأكّد النشطاء أن التقدم السريع في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وغياب التشريعات ساهما في ازدهار التزييف الإباحي العميق، وأن شركات التكنولوجيا الكبرى هي التي سهلته.
وسُلّط الضوء على العواقب المدمرة التي يسببها سوء استخدام التزييف العميق خلال العام الماضي، حين انتحرت مراهقة مصرية بعد ابتزازها على خلفية نشر صور مركّبة تحمل وجهها. وتركت رسالة قالت فيها “أمي، صدقيني من فضلك. لست الفتاة في تلك الصور”.
وأشار خبراء التكنولوجيا إلى أن إنتاج التزييف العميق يتضاعف كل ستة أشهر. وبينما يركز السياسيون ووسائل الإعلام على قدرة المحتوى المضلل على تعطيل الانتخابات وتعريض الديمقراطية للخطر، يبقى جلّ المحتوى المفبرك (حوالي 90 في المئة) إباحيا بوجوه نساء لم تصادق على هذه العملية.
وتعمل منظمة المساواة الآن الحقوقية غير الحكومية على تجميع دراسة عالمية للتشريعات التي يمكن أن تخدم هذه القضايا. ودعت البلدان إلى سن قوانين فعالة لمعالجة هذه التجاوزات المتواصلة.
وقالت النساء المستهدفات إن التشريع يجب أن يكون مرفقا بتدريب أفضل للشرطة وتحول أوّسع في المواقف الاجتماعية التي غالبا ما تتهم ضحايا الاعتداء الجنسي عبر الإنترنت بدلا من الجناة الحقيقيين.
الاستخدام الخبيث للتزييف العميق يدمّر حياة الكثيرات ويخلّف تداعيات اجتماعية خطيرة تشمل ردع النساء عن الانخراط في الحياة العامة، وإبعادهن عن المنصات عبر الإنترنت، ويخلق حالة من الإسكات الجماعي للنساء.
وقالت نويل مارتن، وهي باحثة قانونية أسترالية وواحدة من أولى النساء على مستوى العالم اللاتي تحدثن عن استهدافهن، إن الإباحية المزيفة غالبا ما تعتمد سلاحا ضد النساء عبر مستويات مختلفة مثل السياسة والصحافة لتخويفهن.
وشملت الأهداف البارزة التي طالتها الإباحية المزيفة العميقة نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس والسياسيتين ألكساندريا أوكاسيو كورتيز ولورين بوك والمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل والناشطة المناخية غريتا تونبرغ والممثلة البريطانية المشهورة والمدافعة عن حقوق المرأة إيما واتسون.
وأضافت مارتن “يؤدي التهديد بالإباحية العميقة إلى إبعاد النساء عن الحياة العامة، وقد يدفعهن ذلك إلى ما يسمى بالرقابة الذاتية”.
◙ التقدم السريع في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وغياب التشريعات ساهما في ازدهار التزييف الإباحي العميق، وأن شركات التكنولوجيا الكبرى هي التي سهلته
وأكّدت النساء المتضررات استحالة اكتشاف صانع مقاطع الفيديو أو إزالتها، مما يعني أن الضرر دائم.
المعلمة البريطانية روبي التي طلبت إخفاء اسمها الكامل قالت “سيكون الفيديو موجودا دائما. هذا ما يدركه الضحايا تماما. قد يظهر مرة أخرى حتى لو أمكنك إزالته بطريقة ما”.
وأضافت “لم يتجاوز الكثير من المتضررين الذين أعرفهم هذا الأمر أبدا. ومحوا وجودهم من الإنترنت تماما. أعرف نساء تركن وظائفهن. انتقل بعضهن إلى مناطق أخرى. إن التأثير حقيقي”.
يوجد أكثر من 3 آلاف موقع مخصص للتزييف العميق الإباحي وفقا لحملة “صورتي خياري” التي شاركت كومبتون في تأسيسها بهدف بعث فرع رقمي تابع لحراك “أنا أيضا” والضغط لتمرير التشريعات الضرورية.
وقالت كومبتون إن الترويج لهذا المحتوى يرتفع على أساس كونه من أصناف الإباحية، حيث أسس كثيرون أعمالهم التجارية عليه. وشملت بعض الحالات ابتزاز الضحايا مقابل إزالة المحتوى الذي يمسّهم. وأكّدت كومبتون صعوبة تحديد المتورطين هنا لاعتمادهم تقنيات، كالشبكات الخاصة الافتراضية، في تواصلهم مع المتضررين.
وتنظم بعض المواقع المحتوى حسب المواقع الجغرافية التي تعيش فيها النساء المستهدفات، أو حتى حسب جامعاتهن.
وقالت الطالبة الأميركية كلاين إن الناشر أرفق اسمها واسم مدينتها وكليتها مع الفيديو، مما ضاعف قلقها.
وأرعبها العدد الكبير من التعليقات والتهديدات المهينة المنشورة أسفل مقاطع الفيديو، وتخشى أن يحاول الرجال العنيفون تعقبها. وتخشى أن تظهر مقاطع الفيديو إذا بحث أصحاب المؤسسات التي ترغب في العمل فيها عن اسمها قبل توظيفهم لها.
ولم تقدّم الشرطة المساعدة لكلاين. وتحولت إلى محققة تبحث في متاهة من المواقع والمنتديات المشبوهة.
في النهاية، حددت منشئ التزييف العميق. وكان صديقا سابقا اكتشفت أنه استهدف العديد من الطلاب الآخرين وأحد شخصيات يوتيوب البارزة، المعروف باسم غيبي.
رغم ذلك، لم تستطع الشرطة توجيه الاتهام إلى الجاني الذي اعتمد التزييف العميق، لكن غيبي يعمل مع محاميه لرفع دعوى مدنية. وترى كومبتون أن هذا قد يساعد على تغيير الوضع الراهن.
قالت منظمة “المساواة الآن” إن قوانين التزييف العميق غائبة في جل البلدان.
وتشمل الدول الرائدة على طريق التغيير أستراليا وجنوب أفريقيا وبريطانيا، التي أقرت مؤخرا قانون السلامة على الإنترنت الذي طال انتظاره.
وقالت أماندا مانيامي، وهي خبيرة الحقوق الرقمية في المساواة الآن، إن قوانين الخصوصية وقوانين التشهير وقوانين المعلومات المضللة قد توفر الحماية في بعض البلدان. وأشارت إلى أن هذا لم يُختبر في المحكمة بعد.
ومع احتمال مشاركة مقاطع الفيديو ملايين المرات عبر المنصات والولايات القضائية المختلفة، ترى مانيامي إن التشريعات تتطلب استجابة دولية قوية ومنسقة.
ودعا النشطاء إلى محاسبة شركات التكنولوجيا الكبرى.
وقالت كومبتون إن محركات البحث ومقدمي خدمات الإنترنت وأنظمة الدفع كانوا متواطئين في تسهيل إنشاء هذه المواد الإباحية وانتشارها.
وأضافت: “تنشط مواقع التزييف العميق بصفتها أعمالا تجارية وتخلق انطباعا خاطئا بأنها من أصناف الإباحية. إنها اعتداء”.
ودعت محركات البحث إلى إلغاء تصنيف المواد الإباحية المزيفة وعدم إدراجها. وطُلب من مزودي خدمة الشبكات حظر المواقع، بنفس الطريقة التي أخفت بها المحتوى المسيء للأطفال.
وقال متحدث باسم غوغل إن الشركة تعمل على توسيع الحماية وتسهيل تقدّم المتضررين بطلب إزالة المواد الإباحية التي تشملهم من نتائج البحث. ويعتمد المحرك اليوم أنظمة لاكتشاف إعادة التحميل بهدف القضاء على النسخ المنشورة.
لكن كومبتون قالت إن إقناع الشركات بالتحرك يبقى صعبا، بينما لا يوجد تشريع قائم. وتابعت “يجب تجريم هذه الممارسات لإبراز أن المجتمع لا يتفق معها ولجعل شركات التكنولوجيا تدرك أن عليها التصرف”.