الآثار المصرية تقع في أخطاء بسبب سباق الاكتشافات والترميمات

ترميم هرم "منكاورع" يثير تساؤلات حول العوائد الثقافية والاقتصادية.
الثلاثاء 2024/02/06
سلسلة من عمليات الترميم طالت الهرم

أثار موضوع إعادة كساء هرم "منكاورع" (منقرع ) جدلا في الأوساط المصرية المعنية بالسياحة والآثار والتي وصفت خطوة الحكومة بالمرتبكة، ما جعل الأخيرة تعلن عن تشكيل لجنة للبت في الموقف النهائي من المشروع قبل البدء فيه. ويرى خبراء الآثار أن هناك خطورة من تغيير الأحمال على جسم الهرم، مشيرين إلى أن هناك معايير للترميم الدقيق يجب الالتزام بها.

القاهرة - كشفت نقاشات حول خطوات الحكومة المصرية نحو إعادة كساء وترميم وتغليف الهرم الأصغر “منكاورع” بالجيزة (جنوب غرب القاهرة) عن وجود ارتباك في ما تتخذه وزارة السياحة والآثار من خطوات، واضطرت الأخيرة للإعلان عن تشكيل لجنة للبت في الموقف النهائي من المشروع قبل البدء فيه، بعد سلسلة من عمليات الترميم والاكتشافات تم الترويج لها كوسيلة لتحقيق عوائد اقتصادية.

وأكد قرار رئيس المجلس الأعلى للآثار مصطفى وزيري بتشكيل لجنة علمية عالمية من الخبراء بعد أن واجه مشروع ترميم هرم “منكاورع” انتقادات، حيث أن بعض عمليات التحديث والتطوير للأماكن الأثرية من الممكن أن تنتج عنها أخطاء، وقد يترتب عنها تدمير الأثر وخروجه من قائمة التراث، ما يشكل خسارة فادحة للتاريخ والسياحة الأثرية التي تجذب ما يقرب من 10 في المئة ممن يأتون إلى مصر للتعرف على معالمها.

ووصف وزيري مشروع ترميم “منكاورع” بأنه “مشروع القرن وهدية مصر إلى العالم”، وأن الهرم الأصغر “منكاورع” تعرض لزلزال أدى لتناثر الكتل الحجرية، ويجري العمل على خطة لتطويره، وتم الكشف عن الأرضية الأصلية للمنطقة، وحتى عام 2017 تم عمل حفائر لرسم الكتل الحجرية مع بعثة يابانية.

ويعدّ الهرم الأصغر، والمعروف في مصر باسم “منقرع”، رابع ملوك الأسرة الرابعة في مصر، وموجود في منطقة أهرامات الجيزة الشهيرة بجوار هرَمي خوفو وخفرع.

انتقادات

السياحة الأثرية تجذب 10 في المئة من الزوار
السياحة الأثرية تجذب 10 في المئة من الزوار

وركزت ردود رئيس المجلس الأعلى للآثار على الانتقادات التي وجهت للحكومة المصرية على التأكيد على أن الجانب الياباني المشارك في عملية الترميم يتحمل التكلفة، بعد أن اهتمت الانتقادات بالجدوى من صرف الملايين من الدولارات على عملية الترميم، ولم تقدم وزارة الآثار السبب الحقيقي وراء الترميم، واكتفت بالإشارة إلى أنها تسعى نحو إعادة الشكل الجمالي للهرم.

ويتفق خبراء الآثار على أن عمليات الترميم والاكتشافات التي جرت في السنوات الماضية مهمة للغاية من جهة الجذب السياحي والمهتمين بشؤون المصريات والآثار، ما ساهم في خلق حالة من النقاش الدولي حول الآثار القديمة وتحققت ذروة ذلك عند افتتاح متحف الحضارة منذ ثلاث سنوات.

ونجحت الحكومة في جذب الأنظار إلى المتحف المصري الكبير، لكن إعلان مواعيد مختلفة لافتتاحه رسميا دون التزام بها طرح أسئلة حول الأسباب التي قادت إلى ذلك، وما إذا كان الأمر يرتبط بعدم الانتهاء من عمليات ترميم الآثار من عدمه.

مصطفى وزيري: مشروع الترميم مشروع القرن وهدية مصر إلى العالم
مصطفى وزيري: مشروع الترميم مشروع القرن وهدية مصر إلى العالم

وقال مدير موقع المدينة الذهبية بالأقصر (جنوب) عفيفي رحيم إنه وفقًا لاتفاقية “فيينا” المعنية بمجالات حماية الآثار وكشفها، فإن هناك معايير للترميم الدقيق أو ترميم الطوب اللين أو الترميم المعماري ولا يمكن الخروج عن المواثيق التي تحدد آليات الترميم وفقًا لكل حالة على حدة، بالتالي فإن الاتجاه نحو تجديد هرم “منكاورع” لا بد أن يراعي المواثيق، وتكون هناك شفافية نحو التعرف على قواعد التجديد والترميم.

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن الأزمة الأكبر في مسألة الهرم الأصغر أن وزارة الآثار قالت إن الهدف جمالي ويهدف إلى إعادة صورته الأولى دون توضيح الأخطار التي يمكن أن تقود إليها عملية الترميم، ما جعل الهرم مهدداً بالخروج من قائمة التراث حال جرى إدخال تعديلات جوهرية في شكله الخارجي، خاصة أن بعض الآثار المصرية خرجت في السابق من التراث الثقافي لهذا السبب.

ولفت إلى أنه في حال كان الهدف من التجديد أو الترميم تقوية الهرم فذلك في حاجة إلى سبل شديدة التطور باستخدام مواد بعينها بما يحقق الهدف المنشود، إما إذا كان الهدف هو ضرورة إنشائية للحفاظ على ثبات الهرم ففي هذه الحالة يمكن الاستعانة بكتل الجرانيت التي كانت موجودة، ومن ثم تغيير شكله الخارجي بلا اعتداء على التراث، وأن من يحدد ذلك هيئة الهندسة المعمارية وخبراء الأثار.

وتابع قائلاً “قد تكون هناك خطورة من تغيير الأحمال على جسم الهرم ويؤدي ذلك إلى مشكلة كبيرة، لأن الهرم مثل الإنسان الذي يكبر في العمر ويتكيف مع البيئة المحيطة به، وحال حدوث انهيار داخلي في جسم المبني يتأقلم مع البيئة، وعند إضافة أحمال جديدة وبنسب غير متساوية تحدث شروخ داخلية تصعب رؤيتها إلا مع سقوط الأثر”

وذكر أن البلوكات الجرانيتية للكساء الخارجي لهرم “منكاورع” بلغت حوالي 16 بلوكًا لم يتبق منها سوى 7 فقط، وستتم دراستها وترميمها وتوثيقها وإعادة تركيبها بهدف رؤية هرم الملك “منكاورع” لأول مرة بالكساء الخارجي له كما بناه المصري القديم. ويتفق العديد من خبراء الآثار على أن أزمة مشاريع الترميم في مصر تعتمد على رؤية فردية لأحد الأثريين الذين يتواجدون في مناطق عملهم، ويرون أن الآثار في حاجة إلى الترميم، ومن المفترض أن يؤخذ القرار بشكل جماعي عبر لجان متخصصة من وزارة الآثار والجامعات المصرية والمعماريين، خاصة إذا ارتبط الأمر بالأهرامات التي هي في حاجة إلى حذر بالغ في التعامل معها، ولا يجب التدخل فيها إلا في حال كانت هناك خطورة إنشائية تستدعي تدخلا معمارياً لبناء أساسات جديدة تحافظ عليها.

أعمال صيانة

الزلزال أدى إلى تناثر الكتل الحجرية للهرم
الزلزال أدى إلى تناثر الكتل الحجرية للهرم

وافتتحت وزارة الآثار المصرية تمثال أبوالهول الشهير في منطقة الأهرامات بالجيزة منذ حوالي عشر سنوات، وفي ذلك الوقت شهد هرم “منكاورع” أعمال صيانة داخله، ونظمت الحكومة احتفالا في المنطقة الأثرية، وجرى ترميم أبوالهول بعد ظهور شروخ وانفصالات في بعض كتل الأحجار بالجانب الشمالي، وكانت مستخدمة في أعمال الترميم التي خضع لها التمثال في ثمانينات القرن الماضي، لكن لم توضح وزارة الآثار تفاصيل عملية ترميم هرم “منكاورع”.

وأكد مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية حسين عبدالبصير أن عملية كساء هرم “منكاورع” من الموضوعات الجدلية في علم المصريات، ولا يوجد توافق على أن الهرم كان مغطى بالأحجار الجرانيتية، بالتالي فإعادة الكساء تهدف إلى إعادة الهرم إلى شكله القديم، وأن هذا الفريق فريق من العلماء بينهم الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، فيما هناك فريق آخر يرى أن الهرم لم يقع كساؤه بأحجار، وأن البلوكات الموجودة بجواره خاصة بالمعبد الجنائزي.

حسين عبدالبصير: عملية كساء هرم {منكاورع} من الموضوعات الجدلية
حسين عبدالبصير: عملية كساء هرم "منكاورع" من الموضوعات الجدلية

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن رؤية مجلس الآثار كانت تهدف ليكون العام الأول للترميم بهدف الدراسة على أن تصبح عملية التنفيذ خلال عامين آخرين، وهو أمر إيجابي يضمن عدم اتخاذ قرارات فردية، لكن على الناحية الأخرى فإن “منكاورع” أحد أنواع العمارة الجنائزية التي تخص العالم الآخر، ومعروف عنها أنه يتم تركها بعلامتها الطبيعية مع تعريف الزوّار والسائحين بطبيعة الأحجار الأصلية مع تعريفهم الفارق بين الأحجار الجديدة عند عملية الترميم وبين القديمة الأصلية. وتبقى مهمة اللجنة التي شكلتها وزارة الآثار حديثًا إثبات ما إذا كانت تلك الحجارة جزء من البناء الخارجي الخاص بالهرم، لكنها سقطت بفعل عوامل الزمن والتعرية، أم أنها موجودة بالداخل دون أن يتم استخدامها في عملية البناء.

وأوضح عالم المصريات حسين عبدالبصير أن عملية الترميم تستهدف تحقيق هدف اقتصادي لأنه يجذب السياحة والمهتمين بالآثار في وقت يقتصر فيه تمويل وزارة السياحة والآثار على الدخل الذاتي، إلى جانب هدف آخر أكثر أهمية يربط بالحفاظ على الآثار والتاريخ القديم ليس للمصريين فحسب، لكن للبشرية جمعاء وهو ما يجعل البعد الاقتصادي غير حاضر في الكثير من مشروعات الترميم.

ونفذت مصر العديد من المشروعات القومية المرتبطة بالقطاع الأثري والسياسي أبرزها المتحف المصري الكبير الذي بلغت تكلفته الإجمالية بنحو 1.8 مليار دولار، ويضم 100 ألف قطعة أثرية من العصور الفرعونية واليونانية والرومانية وبه أكبر مركز لترميم الآثار بالشرق الأوسط، فضلا عن متحف العاصمة الإدارية الجديدة (متحف العواصم) جرى افتتاحه في مارس 2021.

ومتحف شرم الشيخ القومي الذي جرى افتتاحه في أكتوبر 2020 يُعتبر أول متحف للآثار المصرية بمحافظة جنوب سيناء، ويضم نحو 5.2 آلاف قطعة أثرية، إضافة إلى تطوير المتحف المصري بوسط القاهرة، وجاء المتحف في المركز العاشر ضمن أفضل 60 متحفًا عام 2022.

عفيفي رحيم: لا يمكن الخروج عن المواثيق التي تحدد آليات الترميم
عفيفي رحيم: لا يمكن الخروج عن المواثيق التي تحدد آليات الترميم

وتوسعت مصر بحسب دراسة نشرها المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية في عملية الاكتشافات الأثرية العديدة منها الكشف عن مقبرة ملكية بمنطقة الوديان الغربية بالبر الغربي بالأقصر، وتم اكتشاف 5 مقابر فرعونية أثرية منقوشة عمرها 4000 عام من عصري الدولة القديمة، وترميم متاحف ومعابد وكنائس من بينها متحف المجوهرات الملكية بالإسكندرية ومعبد الرامسيوم وترميم الجامع الأزهر.

واعتبر الباحث في التاريخ الإسلامي عمر النعماني أن أكثر ما يشغل المهتمين بالتراث ويثير مخاوفهم هو وجود ترميمات لا تتماشى مع روح الآثار وسياقها التاريخي، وهو ما حدث من قبل عند تطوير عدد من المساجد الأثرية بينها مسجد الحسين والسيدة نفيسة (بوسط القاهرة)، ولم يكن مطلوبا تحويلها إلى منتجعات فندقية لكن كان من المفترض الحفاظ على روح الأثر، لأن الأضرحة لها معالم روحية قبل المعمارية.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن عملية الترميم تتم بواسطة لجان متخصصة، كما أن مصر تمتلك خبراء في مجالات الترميم، يقومون بأدوارهم في الاطلاع على طبيعة الأثر قبل ترميمه، لكن الأزمة في أن بعض الأثريين لديهم رؤى مغايرة لما عليه الآثار والمناطق المرتبطة بالتراث الإسلامي ما يؤثر على الصورة البصرية. ودار نقاش مؤخرًا حول مسجد أبوالعباس المرسي الذي يعود تاريخه إلى القرن الخامس عشر في مدينة الإسكندرية، ثاني أكبر مسجد في مصر، وقررت السلطة المحلية بالمحافظة التحقيق مع المقاول المسؤول عن التجديد وإعادة طلاء الأسقف المزخرفة والمنحوتة والملونة لأكبر مسجد في المدينة باللون الأبيض، وتحاول لجنة أثرية إعادة السقف إلى وضعه الأصلي، ومتابعة أعمال الترميم بعد عرض الرسومات التنفيذية.

وتمتلك مصر 2160 موقعًا أثريًا، منهم 136 موقعًا مفتوحًا للزيارة، و6 مواقع منها مسجلة على قائمة التراث العالمي لليونسكو، وتحتل المركز التاسع من بين أكثر من 17 مقصدًا سياحيًا شهرًة وإقبالًا من المسافرين حول العالم.

15