أبل أمام مفترق حاسم في ذكرى 40 عاما على إطلاق ماك

الشركة الأميركية العملاقة مجبرة على تحويل ماك إلى جهاز يعمل بالذكاء الاصطناعي خلال العام المقبل.
الثلاثاء 2024/01/23
التكيف مع زمن الذكاء الاصطناعي ضروري

رغم أن أبل تستثمر في الذكاء الاصطناعي التوليدي وتستخدم بالفعل الذكاء الاصطناعي في عدساتها ومعالجة الصور الحاسوبية وخدمتها للمساعدة الرقمية “سيري” والكثير من التطبيقات الأخرى، إلا أن الشركة الأميركية العملاقة مدعوة إلى عدم التأخر في السباق نحو الكمبيوتر “الذكي”. ومن المفترض أن يتحول ماك إلى جهاز يعمل بالذكاء الاصطناعي خلال العام المقبل، ومن المؤكد أنه سيندمج بسلاسة في “النظام البيئي” للشركة، وفق خبرائها.

سان فرانسيسكو (الولايات المتحدة)- بعد أربعين عاما على إطلاقه ثورة أجهزة الكمبيوتر الشخصية، يكتسب ماك شعبية تتجاوز محبي أبل، فيما تواجه الشركة الأميركية العملاقة تحديات للتكيف مع زمن الذكاء الاصطناعي تحت طائلة الدخول في طي النسيان.

فقد أطلقت أبل ماكينتوش في عام 1984، مع إعلان تلفزيوني محفور في الذاكرة صُوّر فيه الجهاز كأداة للتمرد ضد أنظمة سياسية تتحكم بالشعوب.

وقد نال الكمبيوتر الملقب بـ”ماك” إعجاب المستهلكين بفضل ميزات اعتُبرت ثورية في تلك الحقبة لناحية سهولة الاستخدام، مثل واجهته الرسومية والصور القابلة للنقر ووجود فأرة.

وقال مدير الأبحاث في مجموعة “فيوتشرم” أوليفييه بلانشار لوكالة فرانس برس إن “تأثير أجهزة ماك هائل”، مضيفا “لقد حاولت كل أجهزة الكمبيوتر المحمولة والشخصية تقليد ماك ونجاحه”.

بين لين: الذكاء الاصطناعي التوليدي حظي خلال هذا العام باهتمام كبير، باعتباره تكنولوجيا رائدة في مختلف قطاعات الاقتصاد
بين لين: الذكاء الاصطناعي التوليدي حظي خلال هذا العام باهتمام كبير، باعتباره تكنولوجيا رائدة في مختلف قطاعات الاقتصاد

أصبحت أجهزة ماك الكمبيوترات المفضلة، ليس فقط لمحبي أبل، ولكن أيضا للفنانين وصانعي الأفلام وغيرهم من المبدعين المحترفين.

ومع ذلك، فإن أجهزة الكمبيوتر التي تعمل بنظام التشغيل ويندوز (التابع لشركة مايكروسوفت) تهيمن على مكاتب الشركات بفضل تكلفتها الأدنى والاعتماد الواسع لأدواتها المكتبية أو ميزات الإنتاجية.

مع ذلك، حققت شركة أبل اختراقات في الشركات، مدفوعة بشكل خاص بمحبي أجهزة آي فون الذين يستخدمون هواتفهم الذكية في العمل ويفضلون أجهزة ماك على أجهزة الكمبيوتر الشخصية بسبب توافقها بدرجة أكبر مع منظومة أبل.

وقال داغ سبايسر من متحف تاريخ الكمبيوتر في سيليكون فالي، الذي ينظم معرضا بمناسبة هذه الذكرى “جزء كبير من الإعلانات والتسويق يرمي إلى جعل الناس يشعرون بأنهم مميزون عندما يشترون جهاز ماك”.

وأشار إلى أن الشركة ركزت “منذ أول إعلان تجاري (لجهاز ماك) سنة 1984” على فكرة “التمرد” و”محاربة النظام” للتسويق لمنتجها.

وفي الآونة الأخيرة، روجت شركة أبل للاستخدامات الاحترافية لخوذة “فيجن برو”، التي تتيح دمج الواقع المعزز والافتراضي في بيئة المستخدم الحقيقية، وذلك بفضل كاميرات وأجهزة استشعار.

وبحسب الخبراء، فإن الخوذة التي جرى تسويقها منذ الجمعة بسعر 3500 دولار، تستهدف الشركات أكثر من عامة الناس.

وقالت كارولينا ميلانيسي من شركة “كرييتيف ستراتيجيز” إن “أبل تتطلع إلى الحصول على حصة سوقية في الأعمال التجارية”.

وأضافت “من الواضح أنهم يريدون استقطاب الشركات من خلال فيجن برو، وهم ينشئون رابطا بين فيجن برو وماك”.

وقد ضعفت السوق العالمية لأجهزة الكمبيوتر الشخصية مع انتشار استخدام الهواتف الذكية في الحياة اليومية وغياب أي تطورات تكنولوجية كبيرة.

كارولينا ميلانيسي: أبل تتطلع إلى الحصول على حصة سوقية في الأعمال التجارية
كارولينا ميلانيسي: أبل تتطلع إلى الحصول على حصة سوقية في الأعمال التجارية

ولكن شهدت هذه السوق انتعاشا وفق المحللين مع اللجوء المتزايد إلى العمل عن بُعد، وأيضا الاهتمام الملحوظ بالآلات القادرة على إدارة الجيل الجديد من الذكاء الاصطناعي.

وأشار بلانشار إلى أن “الذكاء الاصطناعي نوع من التطور الذي نادرا ما يحدث في سوق أجهزة الكمبيوتر الشخصية”.

وأضاف “أجهزة الكمبيوتر الشخصية على وشك أن تصبح أكثر قوة وأسهل في الاستخدام، ما يضع إمكانات الذكاء الاصطناعي التوليدي التي شهدناها في مجال الحوسبة السحابية (على الخوادم) مباشرة بيد المستخدم”.

ولفت بلانشار إلى أن ميزات الذكاء الاصطناعي التوليدي ستعطي انطباعا بوجود فريق من المساعدين المحترفين على الكمبيوتر.

وقال إن البيانات المستخدمة في الذكاء الاصطناعي ستبقى على الأجهزة، محليا، ما سيساعد على حمايتها وتقليل تكاليف الحوسبة السحابية.

وحرصا على الحفاظ على صورتها كشركة تحدد اتجاهات التكنولوجيا بدلا من اتباعها، عادة ما يكتفي مسؤولو شركة أبل بذكر الذكاء الاصطناعي التوليدي على مضض.

لكن بحسب المحللة، فإن المجموعة التي تتخذ مقرا في كاليفورنيا بدأت في تصميم شرائح الكمبيوتر المتخصصة الخاصة بها.

وأضافت ميلانيسي “عدم حديثنا عن الذكاء الاصطناعي التوليدي لا يجعلنا نعتقد أنها لا تستثمر في هذا المجال”.

وتستخدم أبل بالفعل الذكاء الاصطناعي في عدساتها ومعالجة الصور الحاسوبية وخدمتها للمساعدة الرقمية “سيري” والكثير من التطبيقات الأخرى.

وحتى لو بدت العلامة التجارية متأخرة في السباق نحو الكمبيوتر “الذكي”، فعند وصول جهاز ماك يعمل بالذكاء الاصطناعي، فمن المؤكد أنه سيندمج بسلاسة في “النظام البيئي” لشركة أبل، وهي مجموعة الأجهزة والخدمات التي تسمح لها بالحفاظ على مستخدميها في عالمها، وتحقيق أرباح كبيرة منها.

وقال بلانشار “إذا لم يتحول ماك إلى جهاز يعمل بالذكاء الاصطناعي خلال العام المقبل، فإن أبل ستواجه تساؤلات”، مضيفا “الذكاء الاصطناعي موجود في كل شيء، ولا مفر منه بالنسبة لأبل”.

ومنذ بداية يونيو الماضي، تخلت شركة أبل عن استعمال معالجات إنتل في كمبيوتراتها المحمولة وبدأ عصر التحول الكامل إلى معالجات أبل مع إطلاق جهاز ماك برو الجديد، وخاصة أن الكثير من المراقبين لم يتوقعوا تزويد جهاز ماك برو بالتقنيات المتطورة.

وأطلقت الشركة الأميركية مؤخرا اثنين من الموديلات الجديدة ضمن فئة الموديلات العادية وليست من فئة الأجهزة فائقة الأداء، وهما موديل ماك بوك آير 2023، الذي يعتبر أول كمبيوتر محمول من أبل مزود بشاشة قياس 15 بوصة ومخصص لتلبية احتياجات المبتدئين، وكذلك الكمبيوتر المكتبي ماك ستوديو، والذي يمكن إدراجه ضمن موديلات الفئة الفاخرة اعتمادا على نوعية التجهيزات التقنية.

في السابق كان يتعين على المستخدم، الذي يبحث عن كمبيوتر محمول بشاشة كبيرة، شراء جهاز ماك بوك برو، الذي يتوافر بتكلفة باهظة، ولكن الآن يمكنه الاعتماد على الموديل الجديد ماك بوك آير 15 بوصة، وبتكلفة أقل بكثير من ماك بوك برو.

وعلى الرغم من أن الموديلات الاحترافية “برو” من أبل توفر للمستخدم المزيد من الأداء الفائق والشاشات الأفضل والسماعات المتطورة، فإن جهاز ماك بوك آير يزخر بتجهيزات تقنية كافية لتلبية الأغراض العادية للمستخدم في المنزل والدراسة.

ومؤخرا قررت أبل اللحاق بهدوء بركب الذكاء الاصطناعي من خلال صناعة روبوت دردشة يطلق عليه بعض المهندسين “أبل جي.بي.تي”.

وتعمل شركة أبل بهدوء على أدوات ذكاء اصطناعي من شأنها تحدي تلك الخاصة بـ”أوبن أي.آي” وغوغل، وغيرهما.

ورغم أن أبل تمزج خاصيات الذكاء الاصطناعي في منتجاتها منذ سنوات، فهي الآن تحاول اللحاق بـ”تشات جي.بي.تي” و”بارد” و”بينغ أي.آي” التابع لمايكروسوفت، في سوق الأدوات التوليدية المثيرة للاهتمام، والتي يمكنها كتابة مقالات، وتصميم صور، وحتى مقاطع فيديو استنادا على أوامر نصية.

ويبدو أن الشركات الرائدة في تكنولوجيات البناء والسفر والبيع بالتجزئة والرعاية الصحية وإنتاج الطاقة، قد أقرت بأهمية الذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاجية وتعديل سلوك المستهلكين. إلا أن هذه الشركات في الوقت نفسه تواجه صعوبة في تحمل المصاريف الباهظة لهذه التكنولوجيا، ونقاط الضعف التي لا تزال ترافقها.

◙ الكمبيوتر الملقب بـماك نال إعجاب المستهلكين بفضل ميزات اعتبرت ثورية في تلك الحقبة لناحية سهولة الاستخدام، مثل واجهته الرسومية
الكمبيوتر الملقب بـماك نال إعجاب المستهلكين بفضل ميزات اعتبرت ثورية في تلك الحقبة لناحية سهولة الاستخدام، مثل واجهته الرسومية

تقول الكاتبة بيل لين في تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، إن الذكاء الاصطناعي التوليدي حظي خلال هذا العام باهتمام كبير، باعتباره تكنولوجيا رائدة في مختلف قطاعات الاقتصاد تعدنا برفع الإنتاجية إلى مستويات قياسية، وذلك من خلال القيام بالعديد من الوظائف وتحسين أساليب العمل.

ولكن بسبب الكلفة المرتفعة للذكاء الاصطناعي، والحاجة المستمرة إلى المهندسين المتخصصين في هذا المجال، إلى جانب المخاطر القانونية ومعضلة احترام البيانات الشخصية، فإن التقدم الذي أُحرز في هذا المجال لا يزال محدودا، في ظل الحذر الذي طغى على سلوك العديد من المؤسسات التي تجرب هذه الحلول الجديدة.

ولكن رغم هذا التردد فإنه لا يوجد أي شك في أن الذكاء الاصطناعي التوليدي سوف يغير المشهد بالكامل في مجال التكنولوجيات الاقتصادية. وقد شرعت بعض الشركات في تضمين الذكاء الاصطناعي في عملياتها لكتابة الأكواد والبرمجة، وإنشاء المحتوى التسويقي، وتوفير خدمة الدعم للعملاء.

وبنهاية العام 2023، أنفقت مختلف الشركات حول العالم 19.4 مليار دولار على الذكاء الاصطناعي التوليدي، وسيقفز هذا المبلغ الذي يشمل برمجيات الذكاء الاصطناعي التوليدي وما يرافقها من تجهيزات وخدمات أخرى، إلى 151.1 مليار دولار بحلول العام 2027، أي بنسبة نمو سنوي تبلغ 86.1 في المئة على مدى أربع سنوات.

15