مصير القاعدة ينتظر حماس.. خسارة واختباء في إيران

يتوقع مراقبون أن تلقى حركة حماس بعد حرب غزة نفس ما لقيه تنظيم القاعدة بعد هجمات 11 سبتمبر. ويشير المراقبون إلى أن أقصى ما يمكن أن تقدمه إيران لحماس استقبال قادتها الفارين إن تمكنوا من ذلك.
القاهرة - تلوح في الأفق، بعد أكثر من ثلاثة أشهر من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، نتيجة مشابهة لما جرى في أفغانستان منذ أكثر من عقدين، عندما انهار تنظيم القاعدة عقب تفسخ سلطة طالبان وقتل كبار قادته. وتوزع الفارون مع العديد من أفراد أسرة قائد التنظيم أسامة بن لادن بين باكستان وإيران، وبعدها فقد القاعدة قدرته على تنفيذ هجمات في الخارج.
وأوقع فهم قادة حماس والقاعدة البسيط للعلاقات الدولية في سوء تقدير عواقب أهم هجومين في تاريخ كليهما، حيث لم يتوقع بن لادن خوض الولايات المتحدة حربا ردا على تفجيرات سبتمبر 2001، ولم يتوقع يحيى السنوار، قائد حماس في غزة، بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، انخراط الولايات المتحدة في حرب غزة ومساندة إسرائيل عسكريا وماديا وسياسيا وإبطال فاعلية ما عُرف بوحدة الساحات.
وأسس بن لادن خطته على تصور وهمي مترقبًا خروج الأميركيين إلى الشوارع مطالبين حكومتهم بالانسحاب من الدول ذات الأغلبية المسلمة وراهن على انضمام الملايين من المسلمين لحركته حول العالم، وبنى السنوار وقادة حماس هجومهم على تصور مشابه، أقرب إلى الأمنيات من كونه خطة إستراتيجية محكمة.
وبدا الهجومان الأعنف ضد الولايات المتحدة وإسرائيل بهدف التخلص من النظام الدولي المعاصر القائم على دول قومية لتحل مكانه سلطة الأمة الإسلامية، عبر توجيه ضربة حاسمة لواشنطن (وفق تصور القاعدة) وإنهاء احتلال إسرائيل للأرض الفلسطينية التاريخية وفرض أمر واقع لقلب المعادلات (وفق تصور حماس)، وهوما ارتد على الحركتين، وتبين أن هجوم السابع من أكتوبر مثل هجوم الحادي عشر من سبتمبر باهظ الثمن.
تشابه المآلات
يرجع السبب الرئيسي في تشابه المآلات إلى أن العملين اعتمدا على رهانات فاشلة، فلم تنفجر حملة العنف الممنهج التي توقعها تنظيم القاعدة لتمكين الجهاديين من مواجهة الأنظمة الاستبدادية بلا دعم أميركي لها، ولم تؤازر فصائل محور المقاومة حماس في الوقت المناسب قبل أن تفيق إسرائيل من صدمة الهجوم المباغت.
ولا تنقضي أوجه التشابه مع السير بالأحداث في سياق المقارنات، حيث أثبتت شهادات قادة تنظيم القاعدة المنشقين اعتراض عديد من قادة الصف الأول على تنفيذ هجوم سبتمبر وتوقعوا ردة الفعل الأميركية الانتقامية. وكان لغلبة الجناح المتشدد في حماس، المحسوب على الجناح العسكري (كتائب عزالدين القسام)، الدور الأكبر في توثيق التحالف مع إيران والتجهز، بالتزامن مع الذكرى الأولى لمقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس بالحرس الثوري، للمواجهة الشاملة قبل ثلاث سنوات.
وإذا كانت معضلة قادة القاعدة تكمن في تحالفهم مع كيان ساذج سياسيًا إلى حد الدروشة سمح لهم بخداعه والتخطيط لمهاجمة دولة عظمى إنطلاقًا من أرضه، فأزمة حماس كانت في تحالفها مع دولة توظفها وفقًا لأجندتها للمساومة على نفوذها الإقليمي، ولديها خبرة كبيرة في اللعب بالأوراق والأدوات وفي الاندفاع والإحجام في التوقيتات التي تحقق مصالحها.
لم يلجأ قادة حماس أخيرًا إلى عتاب إيران وحزب الله على خذلانهما، وبعد أن فهموا أصول اللعبة زاحموا الإيرانيين واللبنانيين بعد بدء تل أبيب في تصفية القيادات في الحديث رأسًا للأميركيين، حيث خاطب إسماعيل هنية وأسامة حمدان وزير الخارجية الأميركي خلال زيارته للمنطقة وطالباه بالضغط لوقف الحرب على غزة. وأصبحت النتائج التي حققها الجيش الإسرائيلي في حربه ضد فصائل ما يُعرف بمحور المقاومة مجال تباه له، في ظل عجز مزدوج لحزب الله وحماس عن إحداث تغييرات ذات وزن حقيقي على الأرض.
وأبدت طهران وحزب الله، عبر حديث قيادات في الحرس الثوري، وحسن نصرالله، عن الصبر الإستراتيجي والتصرف بمنطق وعقلانية وعن التركيز على تحرير الأرض اللبنانية عقب تنفيذ بعض الاغتيالات قبولهما للتعايش مع هزيمة لحماس، بعد أن تم اتخاذ ما يلزم من إجراءات وقائية على بعض الجبهات من خلال كل من القوة الإسرائيلية والقوة الأميركية، حيث وضح التنسيق والتعاون عالي المستوى بينهما.
وعكس إعلان إسرائيل على لسان المتحدث باسم جيشها دانيال هاغاري أنها أكملت تفكيك بنية حماس العسكرية في شمال غزة بعد ثلاثة أشهر من الحرب، وأنها قتلت نحو ثمانية آلاف مسلح في أعقاب اغتيالها لقادة ميدانيين لحماس وحزب الله وفيلق القدس، والتصميم على المضي في تحقيق أهدافها دون خشية من ردود أطراف تم ردعها.
ولن يكون صعبًا على إسرائيل في المرحلة المقبلة من الحرب التي تشمل وسط وجنوب القطاع الوصول إلى يحيى السنوار ومحمد الضيف ومروان عيسى وغيرهم من القادة الذين ما زالوا يعيشون في غزة، بعدما نجحت في اغتيال أهم قادة فيلق القدس وكتائب القسام وحزب الله، كاشفة عجز جبهات المحور عن الرد المماثل.
وتُحاكي إسرائيل سيناريو عملية السور الواقي في الضفة الغربية ضد فصائل فتح وغيرها من الفصائل الفلسطينية في الضفة عام 2002، عندما هدمت البنية التحتية للسلطة والبنية العسكرية للفصائل مبقية لنفسها حرية الدخول للمدن الفلسطينية لتنفيذ عمليات عسكرية دقيقة.
وخلافًا لعملية السور الواقي التي أبقت السلطة منزوعة السلاح كواجهة سياسية، تصمم إسرائيل في عملية السيوف الحديدية على إنهاء سلطة حماس والقضاء على قدراتها لتكريس واقع سياسي وعسكري جديد. ولا تملك إيران حيال حركة حماس سوى توفير ملاذ آمن لقادة الحركة ممن يتمكن منهم من الهرب على غرار سيناريو قادة القاعدة بعد ضرب وغزو أفغانستان، حيث تتوخى عدم التعرض لضربات أميركية انتقامية واسعة النطاق، وألا يلحق بحليفها الرئيسي في لبنان ما لحق بحماس في غزة.
واكتفى حزب الله بحماية نفسه وأعاد القرار 1701 الذي أوقف حرب عام تموز 2006 إلى الطاولة، ما يعني اقتصار تحركاته العسكرية داخل نطاق الشريط الحدودي والخط الأزرق على هدف التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود البرية مع إسرائيل.
ويصب التوصل إلى الاتفاق الذي يتيح لحزب الله حفظ ماء وجهه بالداخل اللبناني في مصلحة الولايات المتحدة التي ضغطت كي لا تتوسع الحرب على الجبهة اللبنانية، وحدت حليفتها من فاعلية حماس كشريك لحزب الله، ما يعني فرض الاستقرار وضمان عدم تهديد أمن إسرائيل مستقبلًا.
خذلان
برهن زعيم حزب الله حسن نصرالله الذي قال خلال التجهيز لخطة وحدة الساحات أن إسرائيل سوف تنهار قبل الاحتفال بعامها الثمانين، على أنه اعتاد اللعب بالشعارات وليس الأفعال ويهدد كثيرًا ولا يفعل سوى القليل. وتسببت رعونة قادة حماس وتواضع خبراتهم بشأن العلاقات الدولية بجانب مكر حزب الله وعدم ارتقائه لمستوى الحدث، فضلًا عن شوفينية إيران واعتناقها مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، في انتكاسة تاريخية لمحور المقاومة.
وتخاذل حزب الله عن الانخراط فعليًا في المعركة لردع إسرائيل وليس الاكتفاء بإلهائها، ما تسبب في مقتل الآلاف من حركة حماس وقادتها الميدانيين وآلاف من الفلسطينيين العزل، وجلب مأساة غير مسبوقة لسكان قطاع غزة، في الوقت الذي تدل رسائل حزب الله للرأي العام العالمي ولمن يهمهم الأمر من الأطراف الدولية والإقليمية وللفلسطينيين على أن هذا الواقع مقبول للغاية.
ولن تستمر صورة إيران بعد الحرب كتلك التي رسمتها قبلها كونها قوة إقليمية نافذة وبلد يقود العالم الإسلامي وينصر القضية الفلسطينية ويحمي المقدسات، حيث وضح أن ما تقوله خلاف ما تفعله، ما يعني أنها ماضية باتجاه تقليص نفوذها وفقدان مصداقيتها بين الخصوم والحلفاء.
◙ إيران لا تملك حيال حركة حماس سوى توفير ملاذ آمن لقادة الحركة ممن يتمكن منهم من الهرب خارج غزة
وغيرت حماس توجهات العالم بهجوم السابع من أكتوبر كما غيره القاعدة بهجوم الحادي عشر من سبتمبر، لكن ليس كما كانت ترغب، حيث تسببت في خسائر بشرية تزيد على المئة ألف بين قتلى ومصابين ومفقودين ومعوقين ومعتقلين، وبات أكثر من مليوني فلسطيني في العراء مع قطع الكهرباء والماء والطعام والدواء والوقود عنهم، فضلًا عن تدمير معظم عمران مدن القطاع وبناها التحتية.
وما سببته حماس لغزة هو من جنس ما سببه تنظيم القاعدة لأفغانستان، لأنها لم تفهم قواعد اللعبة الدولية، وخضعت لتوظيف مزدوج بين إيران وإسرائيل، حيث استفاد كل طرف منها في التوقيت الذي يناسبه، فإسرائيل استخدمتها لربط الفلسطينيين بالعنف وتبرير انتهاكاتها وجرائمها، وإيران وظفتها لتأكيد أن أذرعها ترابط على مرمى بصر من إسرائيل.
وظن القيادي الراحل في حماس صالح العاروري وهو يجند مئات الفلسطينيين ويدربهم في جنوب لبنان لاستخدام جبهة أخرى ضد إسرائيل حال حدوث تصعيد في غزة، أن الحزب وطهران هما من فعلا العكس، ووظفا الحركة لخلق جبهة قريبة من إسرائيل يجري تسخينها عندما تتزايد الضغوط الدولية والإقليمية على إيران.
وتبدو المحصلة النهائية بائسة فيما يخص الحركات المسلحة السنية على اختلاف مواقعها وأدوارها، حيث تحول تنظيم القاعدة الذي يقيم عدد كبير من قادته في إيران منذ هروبهم من أفغانستان إلى أداة مضافة تنفذ المشاريع العدائية التوسعية لطهران، فيما يترقب قادة حماس مصيرهم، إما قتل أو أسر أو تستقبلهم إيران وتضعهم بجوار أشقائهم القاعديين.