تقنيات التعرف على الوجوه تثير قلقا في بريطانيا

تشجع الإمكانات العالية لتقنية التعرّف على الوجه الحكومة البريطانية على التوسع في استخدامها، إلا أنها تصطدم بعدة مخاوف أعرب عنها بعض نواب البرلمان البريطاني في رسالة طالبوا من خلالها باتخاذ تدابير لمنع إساءة استخدام هذا النوع من التكنولوجيا.
لندن - تعتزم الحكومة البريطانية التوسّع في اعتماد تقنية التعرّف على الوجه ونشرها في المملكة المتحدة، نظرا إلى كونها أثبتت فاعليتها، لكنّ هذا التوجّه يثير المخاوف، ويجعل بعض الجهات تتهم السلطات بالانزلاق نحو فرض مراقبة جماعية.
ويمكن تطوير تكنولوجيا التعرف على الوجه باستخراج الملايين من الصور من حسابات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، ورخص قيادة السيارات، دون موافقة أصحابها؛ وبعد ذلك يقوم البرنامج الإلكتروني بتحليل صور الوجه التي التقطتها كاميرات الدوائر التلفزيونية المغلقة أو غيرها من أنظمة المراقبة بالفيديو بحثا عن أيّ تطابق محتمل بين هذه الصور والصورة المستخرجة المحفوظة في قاعدة البيانات.
فتقنية التعرف على الوجوه تعمل من خلال التقاط الصور وفهرستها، ثم مسح قواعد البيانات للملايين من الصور التي تظهر فيها وجوه الأشخاص، لتحديد أوجه التشابه.
وقد وُضعت كاميرا اختبارية في أحد أيام ديسمبر الماضي قرب محطة كرويدون، في جنوب لندن، مكّنت بفضل الذكاء الاصطناعي من القبض على عشرة مشتبه بهم، خصوصا في حالات تهديد بالقتل، أو احتيال مصرفي، أو سرقة، أو حيازة قوس ونشاب.
المخاوف تتركز بشكل خاص على غياب الرقابة على الطريقة التي تُعدّ بها الشرطة قوائم المراقبة الخاصة بها
وقد استُخدمت تقنية التعرف على الوجه بشكل خاص خلال سباق الجائزة الكبرى البريطاني للفورمولا 1 أو تتويج تشارلز الثالث ملكا في مايو الماضي.
كما شوهدت في 21 ديسمبر الماضي شاحنة شرطة مزودة بكاميرات التعرف على الوجه متوقفة خارج ملعب سيلهرست بارك بلندن قبل مباراة كريستال بالاس ضد برايتون أند هوف ألبيون ضمن الدوري الإنجليزي الممتاز.
وتُعتبر هذه التقنية “أولوية قصوى”، وفق ما أعلن وزير الدولة للشرطة كريس فيليب في أكتوبر الماضي، مسلطا الضوء على “الإمكانات العالية” لهذه التكنولوجيا.
وأضاف فيليب أن انتشارها “أدى إلى توقيفات كانت قد تبدو مستحيلة من دون هذه التقنية، ولم تكن هناك أيّ إنذارات كاذبة”.
وقد أثارت هذه الرغبة فضيحة لدى بعض النواب من جميع الجهات، إذ طالب هؤلاء الجهة المنظمة للقطاع باتخاذ تدابير لمنع إساءة استخدام هذه التقنية.
وكتبوا في رسالة “يتضمن التعرف على الوجه معالجة جماعية للبيانات البيومترية الحساسة من أعداد هائلة من الأشخاص، غالبا من دون علمهم”، معتبرين أن ذلك “خطر جسيم على حقوق أفراد العامة”.
نتائج كاذبة

ويقول هؤلاء النواب إن نتائج كاذبة أدت إلى أكثر من 65 تدخلاً للشرطة من دون وجه حق، بما في ذلك اعتقال تلميذ يبلغ 14 عاما يرتدي الزي العسكري. وبعد أن أحاطت به الشرطة، تم أخذ بصمات أصابعه قبل إطلاق سراحه.
وسلّط البرلمانيون الضوء أيضا على المخاطر المرتبطة باستخدام هذه التكنولوجيا في الأماكن الخاصة، قائلين إنه يمكن لذلك أن يثني البعض عن القيام بمشتريات أساسية، مثل الطعام، أو حتى قد يعرّض لتدخلات تطفلية أو مواجهات مع رجال الأمن.
وفي العام الماضي، دافع مالك سلسلة متاجر “سبورتس دايركت” عن استخدام تقنية التعرف على الوجه، مشددا على أنها أدت إلى انخفاض معدلات السرقة والعنف ضد الموظفين.
بطاقات هوية متحركة

من جانب المدافعين عن الحقوق المدنية، يرى مارك جونسون من منظمة “بيغ براذر ووتش” أن التعرف على الوجه “أداة أورويلية (مستوحاة من عالم روايات جورج أورويل) للمراقبة الجماعية التي تحولنا جميعا إلى بطاقات هوية متحركة”.
ويقول المعارضون إن هذه التقنية تترك الكثير من السلطة بلا أيّ رادع في أيدي الشرطة، التي منحها القانون أخيرا صلاحيات متزايدة لإجراء اعتقالات أثناء الاحتجاجات.
وتتركز المخاوف بشكل خاص على غياب الرقابة على الطريقة التي تُعدّ بها الشرطة قوائم المراقبة الخاصة بها، والتي تضمّ، بحسب منتقدي تقنية التعرف على وجوه المتظاهرين، أشخاصا يعانون من مشكلات نفسية، من دون أن يُشتبه في ارتكابهم أدنى مخالفة.
وتتطلب هذه الأدوات “إشرافا قانونيا وفنيا لاستخدامها بطريقة مسؤولة وأخلاقية”، وفق ما تقول ناشطة لوكالة فرانس برس طلبت عدم الكشف عن هويتها، مضيفة “أنا قلقة من أن الشرطة لا تملك الموارد والقدرة على القيام بذلك الآن”.
وتؤكد قوات الأمن أنها تحذف بيانات أيّ شخص غير مدرج في قائمة المراقبة على الفور وبشكل تلقائي.
وتشدّد وزارة الداخلية على أن القانون الحالي يحكم بشكل صارم استخدام هذه التكنولوجيا.
وفي يونيو الماضي، دعا البرلمان الأوروبي إلى فرض حظر على أنظمة التعرف التلقائي على الوجه في الأماكن العامة.
وفي المملكة المتحدة، يريد أعضاء البرلمان الذين يعارضون هذه التقنيات الذهاب إلى أبعد من ذلك.
وقال النائب المحافظ ديفيد ديفيس “لم تحصل ميزة التعرف على الوجه على موافقة صريحة من البرلمان على الإطلاق”، معتبرا أنها “أداة للمراقبة الجماعية” التي “ليس لها مكان” في المملكة المتحدة.
يشار إلى أن تقنيات التعرف على الوجوه تلقى عدم قبول في عدة دول بالإضافة إلى بريطانيا، ففي العام 2021، وحدت عدة منظمات مدنية من بينها منظمة العفو الدولية جهودها في إطار حملة تحت شعار “احظروا تكنولوجيا التعرّف على الوجوه” من أجل وضع التشريعات التي تحظر على أجهزة تنفيذ القانون استخدام تكنولوجيا التعرف على الوجه في عمليات المراقبة الجماعية في المدينة، وتشمل هذه المنظمات منظمة “الذكاء الاصطناعي من أجل الناس”، و”مشروع الإشراف على تكنولوجيا المراقبة”، و”مشروع الدفاع عن المهاجرين”، و”اتحاد الحريات المدنية في نيويورك”، ومكتب المحامي العام بمدينة نيويورك، والتحالف المعني بالخصوصية في نيويورك، بالإضافة إلى عضو مجلس الشيوخ عن الولاية براد هوليمان، وأستوديوهات رادا.
ولم تتسبب المخاوف بشأن الخصوصية في توقف انتشار تقنية التعرف على الوجوه، حيث يرى فيها بعض الخبراء سلاحا ذا حدين، فهي من ناحية يمكن أن تساعد في مكافحة الجريمة بالعثور السريع على المشتبه بهم، لكن من ناحية أخرى يمكن إساءة استخدام هذا النوع من التكنولوجيا، لذا فهي تحتاج إلى الاستفادة منها للوائح منظمة.