الانتخابات المحلية في العراق والتحولات السياسية القادمة

أجريت انتخابات مجالس المحافظات في العراق بعد مضي أكثر من 10 سنوات على إجراء آخر انتخابات محلية وسط أجواء مستقرة وآمنة إذ لم تسجل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أيّ خروقات انتخابية تصل إلى الدرجة الحمراء ويمكن أن ترقى إلى مستوى الطعن بها أو إلغاء مراكز اقتراع .
إن إجراء هذه الانتخابات ينظر له على أنه اختبار للديمقراطية في البلاد، إذ تعد الحلقة الأساسية للانتخابات البرلمانية القادمة والتي من المقرر إجراؤها بداية عام 2025، حيث ستحدد توازن القوى السياسية خلال المدة القادمة. وتأتي هذه الانتخابات على إثر الاستقرار السياسي والأمني بعد سنوات من الحرب على العصابات الإرهابية وتحول التركيز إلى الخدمات العامة ومعالجة معدلات البطالة ومحاربة الفساد المتفشي في مؤسسات الدولة كافة.
الانتخابات المحلية ينظر لها على أنها اختبار لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني الذي تولى السلطة بعد انغلاق سياسي دام أكثر من ثمانية شهور، فإعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أن نسبة إقبال الناخبين بلغت 41 في المئة من نسبة من تحق لهم المشاركة أي نحو 6.6 مليون ناخب من أصل أكثر من 16 مليونا، والتي أظهرت نتائجها فوز الائتلاف الشيعي الحاكم في البلاد وحصوله على أكبر كتلة من الأصوات في أغلب المحافظات الجنوبية، بالمقابل حصول ثلاث قوائم مدعومة من قبل محافظات (البصرة وكربلاء وواسط) على أعلى الأصوات، يعتبر مؤشرا على التغير السريع على الخارطة السياسية المقبلة في عموم البلاد.
◙ إذا اكتملت الانتخابات بنجاح وبدأت الحكومات المحلية في انتخاب المحافظين وتقديم الخدمات فإنها الخطوة الأولى نحو استعادة بعض الثقة
أفرزت هذه الانتخابات قناعة بأن الشعب العراقي لا يزال يحتفظ بالثقة بالنظام السياسي، ويعتقد أنها فرصة مهمة للتغيير، وهي إحدى وسائل الديمقراطية التي ستساعد على تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي للفرد العراقي. بالمقابل هناك من يرى أن مجالس المحافظات ما هي إلا حلقة أخرى من حلقات الفساد وسرقة المال العام وسيطرة المتنفذين على المشاريع والاستثمارات في عموم المحافظات، وأن إجراء هذه الانتخابات واختيار أعضاء المجالس ستكلف الدولة المليارات من الرواتب والمخصصات والنثريات الزائدة عن الحاجة.
إضافة إلى أن مجالس المحافظات تشكل بؤر الفساد والمحسوبية، وقد تم حلها في أواخر عام 2019 بعد احتجاجات حاشدة مناهضة للحكومة قبل إعادة تشكيل وإجراء الانتخابات الأخيرة، ما دفع البعض إلى عدم المشاركة في هذه الانتخابات، بالإضافة إلى عدم مشاركة التيار الصدري، ما يجعل قوى الإطار التنسيقي الكتلة الأكبر في المحافظات العراقية بعد سيطرتها على أغلب المقاعد فيها.
سيكون تأثير انتخابات مجالس المحافظات مهمّا في تحديد النظام السياسي في كل محافظة، وهذه مسألة مهمة لبناء التحالفات قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة، كما أنها حاسمة للسماح بتطبيق المحاصصة. وستكون المنافسة شرسة في المحافظات الغنية بالموارد مثل البصرة وكركوك، لذلك إذا أجريت انتخابات مجالس المحافظات بنجاح فمن شأنها أن تقوي فترة الاستقرار النسبي في العراق وتمنح حكومة السوداني الثقة لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة أو استكمال ولايته بالكامل.
وإذا اكتملت الانتخابات بنجاح وبدأت الحكومات المحلية في انتخاب المحافظين وتقديم الخدمات فإنها الخطوة الأولى نحو استعادة بعض الثقة، كما أنه سوف ينظر إلى مجالس المحافظات على أنها ناجحة. وخلاف ذلك، سيتم اعتبار الانتخابات المحلية غير ضرورية وأداة لتمكين الفساد والتي ستؤثر مستقبلا على شرعية الدولة العراقية ككل وتهدد النظام السياسي.