داعش بانتظار سقوط حماس وطالبان

دخول عناصر جيش الإسلام ولواء التوحيد على خط عملية طوفان الأقصى حرف الهجوم عن مساره وزاد عدد الضحايا والرهائن وأخرجه عن أسلوب حماس.
الخميس 2023/12/07
داعش يستعد لتولي زمام المبادرة

القاهرة - بعد أن سقطت أجنحة تيار الإسلام السياسي التي اتخذت المسار الانتخابي للوصول إلى السلطة، بقي نموذجان رئيسيان في كل من فلسطين وأفغانستان يزاوجان بين السياسة والعسكرة، بينما يقف لهما تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بالمرصاد، انتظارا لجني ثمار سقوطهما.

وباتت إحدى الروايات الأكثر تماسكًا والأقرب إلى المنطق لأحداث السابع من أكتوبر الماضي تلك المتعلقة بدخول عناصر فرع داعش فلسطين (جيش الإسلام ولواء التوحيد) على خط عملية طوفان الأقصى دون تنسيق مع كتائب عزالدين القسّام، الجناح العسكري لحماس، ما حرف الهجوم عن مساره وزاد عدد الضحايا والرهائن وأخرجه عن أسلوب حماس.

وحلّ الحديث عن وضع داعش بصمته على الهجوم العديد من الألغاز خاصة المتعلقة ببعض التجاوزات التي حدثت ضد المدنيين، وأجاب عن التساؤل الرئيسي الخاص بجدوى استفزاز حماس لإسرائيل عبر تنفيذ عملية بهذا الحجم، وجرها إلى حرب شاملة قد تقضي على مستقبلها السياسي.

ولا يتسق هجوم طوفان الأقصى وما واكبه وتبعه من خطاب مع ما سبقه من تمهيد لوراثة السلطة الفلسطينية، وبعد أن كانت حماس تطمح في مد سلطتها إلى الضفة الغربية بات استمرارها في حكم غزة مشكوكا فيه بقوة.

وأدى خروج الأمر عن السيطرة وتحول الرد الانتقامي الإسرائيلي إلى حرب إبادة وتصميم على تدمير قطاع غزة وليس حماس فقط إلى إحجام حلفاء الحركة عن المشاركة ونفيهم العلم المسبق بالعملية.

وليس هناك من هو أكثر استفادة من إفساد خطط حماس السياسية وتخريب هيمنتها على المشهد الفلسطيني بأكمله وتطلعات مد نفوذها إلى الضفة الغربية أكثر من تنظيم داعش الذي انتهز الفرصة وبالغ في دموية الهجوم على مستوطنات غلاف غزة ليقضي على مستقبل حماس السياسي ويجرها إلى مواجهة شاملة مع إسرائيل.

وانتظرت تل أبيب ذريعة كظهور داعش وتنفيذ ما يشبه هجمات الحادي عشر من سبتمبر لتشطب الحق والشريك الفلسطيني الذي كانت حماس تتجهز لتلعب دوره، واستكمال خطط التهجير والنزوح.

البديل العقائدي

داعش في فلسطين يعيد التعريف بنفسه من منطلق أنه البديل لحماس في النضال المسلح ضد الاحتلال

يتحدى داعش في الوقت الحالي كيانين إسلاميين رئيسيين بهدف إزاحتهما، الأول حماس الفلسطينية، وهي الجناح الوحيد من أجنحة التنظيم الدولي للإخوان المتبقي في السلطة التي حكمت دون منافس داخلي منذ استيلائها على السلطة في قطاع غزة عام 2007، وحركة طالبان التي هيمنت على السلطة في كابول بالقوة واتفاق مخادع مع واشنطن.

وقدم داعش نفسه في الساحتين (فلسطين وأفغانستان) بشكل مختلف ليس من منطلق كونه دولة خلافة تمثل الحكم الشرعي الصحيح للمسلمين في العالم كما كان في الماضي، إنما من منطلق كونه البديل العقائدي الأكثر مصداقية ونقاءً في الكفاح ضد القوى الاستعمارية الغربية وإسرائيل.

وعندما كانت حركة حماس تعيد التعريف بنفسها وتعطي انطباعات لمن يهمه الأمر بأنها تغيرت وتسعى لتزيلها قوى أوروبية من قائمة المنظمات الإرهابية، تمهيدًا للاعتراف بها وتحل محل السلطة الفلسطينية، كان داعش في فلسطين يعيد التعريف بنفسه من منطلق أنه البديل لحماس في النضال المسلح ضد الاحتلال.

وحرصت حماس في بدايات العام الماضي على كسب ود القوى الغربية ومنعت جناحها العسكري من تنفيذ عمليات ضد إسرائيل وضبطت أداءها وخطابها كما لو كانت حركة سياسية معتدلة يدفعها طموحها في أن تبسط سلطتها على غزة والضفة الغربية، وأن تكون البديل المعترف به دوليًا وإقليميًا عن حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية.

وبعد دخول حماس ما يشبه الهدنة الطويلة مع تل أبيب عقب مواجهات عام 2021 تلقت إشارات من الجانب الأوروبي بإمكانية الاعتراف بها كطرف سياسي رئيسي وقبولها كجزء من التسوية الشاملة في الشرق الأوسط.

ومضت حماس في هذا الاتجاه وأيدت إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ورفضت المشاركة في المواجهتين العسكريتين الأخيرتين بين حركة الجهاد الإسلامي وإسرائيل، وجمعتها تفاهمات ضمنية مع تل أبيب تحت عنوان “الهدوء مقابل الاقتصاد”.

وعُدّ استعداد حماس للمنافسة في الانتخابات مقدمة للعمل وفقًا لاستحقاقات أوسلو وأنها تخطط لتحقق بالسياسة ما لم تحققه بالسلاح، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تحولات محورية في المشهد تميل لصالحها، ما جعل أطرافًا عديدة تتوجس من مآلات هذا النهج، من ضمنها تنظيم داعش.

وإذا شاركت حركة حماس في إصلاح النظام الفلسطيني وتحولات المرحلة الراهنة يمكن أن تنافس في معركة خلافة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبومازن) ووقتها سوف تكون بسلاحها وخبراتها الميدانية أقدر من السلطة على كبح الحركات المسلحة وخلايا السلفية الجهادية وداعش.

تقويض مركز القوة

تل أبيب انتظرت ذريعة كظهور داعش وتنفيذ ما يشبه هجمات الحادي عشر من سبتمبر لتشطب الحق والشريك الفلسطيني الذي كانت حماس تتجهز لتلعب دوره

داعش الذي خشي أن تصبح حماس في فلسطين قوة مثل طالبان في أفغانستان نفذ أكثر عملياته نوعية ضد أهداف إسرائيلية عندما قتل جنديين وأصاب عشرة آخرين بمدينة الخضيرة في حيفا، فضلًا عن قتل أربعة مدنيين إسرائيليين في عمليات طعن ودهس.

ولم يتهاون داعش حيال فرضية امتداد نفوذ حماس لتسيطر على المشهد الفلسطيني بكامله بدلًا من السيطرة على غزة فقط، وهو ما يجعلها أقوى وقادرة على تقويضه وتهميشه من مركز قوة.

وعززت روايات داعش بشأن نهوضه بالمواجهة المسلحة ضد إسرائيل ما كشفه قائد الأركان الإسرائيلي السابق غادي أيزنكوت في حوار مع صحيفة “معاريف” في ما يتعلق بإسهام الجيش الإسرائيلي بالتعاون مع الأجهزة الأميركية في القضاء على المئات من عناصر داعش النشطة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، خاصة في إدلب شمال غرب سوريا.

ولم يكتف داعش بالترويج لنفسه عقب تنفيذه عمليات ضد أهداف إسرائيلية كونه البديل لحماس التي نعتها بالمتخاذلة والمرتدة التي توالي إيران الشيعية، إنما غمز قادتها الذين غادروا غزة وكونوا إمبراطوريات مالية في كل من ماليزيا وقطر وتركيا وبعض دول أميركا اللاتينية، تاركين شباب غزة يطحنهم الفقر وتذلهم البطالة.

وكسب تنظيم داعش أرضا على حساب حماس التي ترنحت بين السياسة والعسكرة، وبين الهوية النضالية من منطلق كونها حركة مقاومة مسلحة وبين الحركة السياسية السلطوية، إلى درجة انضمام عناصر وقيادات وازنة من قلب كتائب القسام إلى خلايا داعش.

وتم الكشف عن هوية أحد مقاتلي التنظيم الذين لقوا مصرعهم بسيناء في مارس من العام الماضي، وتبين أن اسمه مصعب مطاوع وهو ابن شقيقة يحيى السنوار، الذي كان “كوماندوز” بحريا في كتائب القسام، وانضم إلى قائمة المنشقين عن حماس والمنضوين تحت لواء داعش.

ووضعت تحركات داعش على الأرض ودعاياته عبر منصاته الإعلامية حركة حماس في موقف حرج، حيث انقسمت إلى شقين بين من يريد من قادتها استكمال النهج البراغماتي وتقديم المزيد من التنازلات وإحكام ضبط الأداء والخطاب للحصول على مزايا سياسية، وبين من يخشى مواصلة هذا الطريق ويطالب بتدارك عواقب أنشطة داعش الذي يمضي قدمًا في احتلال مكانة الحركة الجماهيرية.

وتناقضت ردود الأفعال والبيانات الصادرة عن قادة حماس في الداخل والخارج، حيث أثنى بعضها على عمليات داعش وعدّها جزءًا من نضال المقاومة ضد الاحتلال، فيما حرص آخرون على المراوغة والاستمرار في الترويج للحركة كلاعب سياسي جدير بأداء دور في التهدئة والتسوية.

مزايدات متبادلة

تم الكشف عن هوية أحد مقاتلي التنظيم الذين لقوا مصرعهم بسيناء في مارس من العام الماضي، وتبين أن اسمه مصعب مطاوع وهو ابن شقيقة يحيى السنوار

لم يرق منذ البداية طموح حماس السياسي لإسرائيل التي تحرص على تكريس الوضع القائم وألا تنهض جبهة مواصلة مسار الدبلوماسية والتسوية وتنتزع حق إقامة دولة، لذا حرضت تل أبيب بعض القوى مثل بريطانيا فأصدرت قرارًا بحظر حماس وتصنيفها إرهابية.

وحقق داعش من خلال ممارسة نفس اللعبة نجاحات كبيرة في أفغانستان، حيث استطاع تشكيل وتطوير فرع من أقوى فروعه بالعالم وهو (ولاية خراسان) من خلال التركيز على دعاية مفادها تخاذل طالبان وقبولها بإبرام اتفاقية سلام مع الولايات المتحدة والتخلي عن السلاح والجهاد في سبيل الإسلام.

وفيما تحاول طالبان جاهدة تكريس سلطتها عبر عروض بناء الدولة وتنفيذ مشاريع في مجال المياه والسدود، يتهمها داعش بأنها لا تمثل قيم الإسلام ولا تعبر عن عقيدته النضالية وأنها تفتقر إلى الرؤية الجهادية العالمية.

وتعتمد دعاية داعش خراسان على تشويه صورة طالبان من منطلق كونها تتعاون مع “أعداء الإسلام والمسلمين” مثل الصين وروسيا وأنها تمول نفسها من خلال عمليات تهريب المخدرات.

وعلى عادة فصائل تيار الإسلام السياسي، حيث يزايد المتشدد على المعتدل، ويزايد على كليهما الأكثر تشددًا، جاء تسلسل صعودها وتصدرها المشهد من مشاركة إسلاميين في السلطة عبر المسار الانتخابي، إلى هيمنة فصائل بقوة السلاح مثل نماذج طالبان وحماس وهيئة تحرير الشام، وصولًا إلى مباشرة داعش تنفيذ خطط إزاحة هذه النماذج بحجة تهاونها في الثوابت وتخليها عن الجهاد المقدس.

وإذا كانت فصائل الإسلام السياسي المسلحة، مثل حماس وطالبان، تغلبت بسلاحها على المعضلة التي عانت منها الأحزاب الإسلامية غير المسلحة المتمثلة في غضب الجماهير والثورات فقد جاءها من قلب الحالة الإسلامية تنظيم أكثر تشددًا يسعى لتقويضها وإزاحتها والحلول محلها.

6