البيانات.. استعمار جديد يلوح في الأفق

دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تفتح أسواقها دون حذر أمام عمالقة التكنولوجيا، ودون اتخاذ خطوات فعلية لحماية بيانات مواطنيها.
الجمعة 2023/12/01
ليست التكنولوجيا هي الغاية بل البيانات

لندن- هل انتهى عصر الاستعمار حقا، هذا ما تحاول الدول الغربية إقناعنا به، وقد يكون صحيحا خلال فترة زمنية محددة، عسكريا على الأقل. ولكن في حقيقة الأمر لم تخرج الدول التي استعمرت أفريقيا والشرق الأوسط من المنطقة إلا بعد أن تأكد من أن هذه الدول ستبقى تحت هيمنتها الاقتصادية.

اليوم هناك ما يوحي بأن هذه الدول تفقد أهميتها الاقتصادية بتأثير من ثورة المعلومات وثورة الذكاء الاصطناعي، ومن خلفها كميات هائلة من البيانات. فهل الأمر حقا على ما يبدو عليه، أم أن هناك استعمارا بمحتوى جديد يلوح في الأفق؟

من يسيطر على البيانات يتحكم بالعالم. هذا الكلام وإن بدا مبالغا فيه إلا أنه حقيقة واقعة. ليست التكنولوجيا هي الغاية هنا، بل البيانات التي هي نفط الذكاء الاصطناعي.

إذا كانت هناك أسباب تبرر للدول الأفريقية مخاوفها، فإن هناك أضعاف هذه الأسباب لتدفع دول الشرق الأوسط إلى الخشية من عودة الاستعمار إلى المنطقة عن طريق الذكاء الاصطناعي.

700

ألف مطور في القارة الأفريقية وفق تقرير غوغل الأخير لنظم المطورين في أفريقيا

رغم ذلك، تندفع دول الشرق الأوسط مأخوذة بالأهمية المتنامية لاقتصاد الذكاء الاصطناعي إلى فتح أسواقها دون حذر أمام عمالقة التكنولوجيا، ودون اتخاذ خطوات فعلية لحماية الثروة القادمة المعلومات.

لا يكفي أن نبني مدنا ذكية، ولا يكفي أن تحل في طرقاتنا خلال خمس أو عشر سنوات سيارات ذاتية القيادة مكان السيارات التقليدية.

ما يجب التركيز عليه هو نفط المستقبل، البيانات، وكيف يمكن أن نمتلك أكبر قدر منها من جهة، وكيف نحمي بيانات مواطنينا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من جهة أخرى.

وتجدر الإشارة إلى تجارب رائدة تقودها دول أفريقية في هذا المجال، في طليعتها جنوب أفريقيا حيث تقود بيلونومي مويلوا مختبر أبحاث الذكاء الاصطناعي ليلابا أي.آي. ويعني اسمه “موطن” بلغتي سوتو وتسوانا في جنوب أفريقيا. ويعكس هذا هدفه المتمثل في بناء خوارزميات صممها الأفارقة للأفارقة.

التجربة تندرج ضمن مجموعة من الشركات الناشئة الأفريقية التي تهدف إلى تقديم بديل لأنظمة الذكاء الاصطناعي التي تطورها الشركات الغربية مثل أوبن أي.آي وغوغل حيث تتزايد مخاوف “الاستعمار الرقمي” مع جمع الشركات الكبرى لبيانات الأشخاص واستخدامها.

وقالت مويلوا، مشيرة إلى حملات المعلومات المضللة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، “يمكن لهم أن يأخذوا بياناتنا بنفس الطريقة التي افتكوا بها مواردنا المادية ويعالجوها قبل بيعها لنا… أو استخدامها لتطوير تقنيات قادرة على استغلالنا بشكل أكبر”.

وفي حين لا تقتصر المخاوف من استعمار بيانات فريدة عن أفريقيا، يقول باحثو التكنولوجيا إن لوائح الذكاء الاصطناعي الضعيفة في جميع أنحاء القارة تزيد من المخاطر.

وقالت غودليفير أوموجيشا، الشريكة المؤسسة لجامعة بوستيما للذكاء الاصطناعي والأبحاث في أوغندا، إن “تحديات أفريقيا الخاصة تتطلب تطوير حلول ذكاء اصطناعي مصممة لتلبية الاحتياجات المحلية”.

◙ لا يكفي أن نبني مدنا ذكية، ولا يكفي أن تحل في طرقاتنا خلال خمس أو عشر سنوات سيارات ذاتية القيادة مكان السيارات التقليدية

وقالت أوموجيشا إن “عدم تأسيس مبادرات محلية للذكاء الاصطناعي لتلبية الاحتياجات الأفريقية يشمل العديد من المخاطر بما في ذلك الاستغلال المحتمل للبيانات الأفريقية دون فوائد عادلة”.

وتنتشر مشاريع مماثلة عبر القارة، حيث تواجه تحديات متعددة رواد الذكاء الاصطناعي المحليين رغم الارتفاع في مبادرات الذكاء الاصطناعي (وجد تقرير اليونسكو 112 تطبيقا ومنظمة في تسعة بلدان أفريقية).

وحدد تقرير غوغل الأخير لنظم المطورين البيئية في أفريقيا وجود ما يقدر بنحو 700 ألف مطور في القارة.

ويقارن هذا بمليون شخص في مدينة بنغالور الهندية وحدها، وفقا لمنظمة سكاريلا التنموية الهادفة إلى تطوير البرمجيات الهندية.

لكن بيلونومي مويلوا ترى أن هذه القيود يمكن أن تؤدي أيضا إلى الابتكار بدافع الضرورة. وقالت “نرى أن القيد هو الدافع. تأتي معظم التكنولوجيا التي تتطور في القارة من قاعدة الحاجة، وليس من قاعدة الترفيه أو الأنا… يحاول الناس حل مشكلة، وهذه أسباب قوية جدا”.

وإذا كانت الدول الأفريقية تلجأ إلى تطوير التكنولوجيا من قاعدة الحاجة، فإن دول الشرق الأوسط مطلوب منها أن تلجأ إلى تطوير التكنولوجيا خوفا من الوقوع ضحية استعمار رقمي يلوح في الأفق.

12