الطائرات المسيّرة غيّرت مسار الحروب الحديثة

واشنطن - عندما تقترب طائرة مسيّرة تصبح فرصة التعامل معها محدودة. ويوضح ستيفان كراشانسكي أنه “ربما توجد فسحة من الوقت تتراوح ما بين 30 ثانية إلى ثلاث دقائق، لكي يتم القضاء عليها”، والاختيارات المتاحة هي: القتل الشديد الذي يعني إسقاط المسيّرة، أو القتل الناعم بمعنى التشويش على أجهزة التحكم بالطائرة دون طيار، بطريقة تجعلها تنحرف عن مسارها، أو تبقى مجمّدة في السماء.
ويتم شن المئات أو الآلاف من هجمات الطائرات المسيّرة كل يوم في الحرب الأوكرانية، وهو معدل يتجاوز بكثير ما يفترضه معظم الناس، وفقا لما يقوله كراشانسكي (32 عاما)، رئيس فرع بالنمسا لشركة آرونيا الألمانية للتكنولوجيا المتقدمة، التي تدير واحدا من مواقع الاختبارات القليلة في العالم للطائرات المسيّرة المستخدمة في أغراض الدفاع، بمطار كوتنجبرون بالقرب من فيينا.
وبضيف إنه من بين المعدات التكنولوجية المستخدمة في الموقع، صارٍ لتحديد الاتجاه طوله 28 مترا، وهوائيات أخرى بإمكانها رصد المسيّرات، على مسافة تصل إلى 80 كيلومترا وفقا لحجمها. ويمكن رصد أي شيء في الهواء تنبعث منه إشارة، حسبما يقول مدير الموقع الذي يعمل أيضا كضابط احتياط في الجيش النمساوي، ويؤكد أن أنظمة آرونيا تُستخدم بنجاح في مختلف أنحاء العالم.
ومن بين الزبائن الذين يزورون مرارا منشأة التدريب هذه ذات التقنيات المتقدمة، أطقم عسكرية من جيوش جميع دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إلى جانب رجال شرطة وفنيين من محطات الطاقة النووية وتوليد الكهرباء. ويقول كراشانسكي إن "الاهتمام هائل"، ويبدو أن الجميع يدركون خطورة الطائرات المسيّرة التجارية، التي يسهل تحويلها إلى حربية، بحيث يمكنها إلحاق ضرر بالغ بالبنية التحتية في أوقات الحرب وفي غيرها من الأوقات.
وفي أوكرانيا التي تدافع عن نفسها ضد الغزو الروسي الشامل، منذ فبراير 2022، يرى الخبراء أن استخدام الطائرات المسيّرة قد غير بشكل جوهري مسار الحرب. ويوضح الكولونيل ماركوس ريزنر، المتخصص في أوكرانيا بالقوات المسلحة النمساوية، قائلا “لم يعد بمقدور كل من أوكرانيا وروسيا نشر تشكيلات كبيرة من القوات لشن هجمات، لأن الطائرات المسيّرة للعدو ترصدها في الحال، ومن هنا أصبح ميدان المعركة يتسم بالشفافية، وهو السبب في أن هذه الحرب أصبحت حرب استنزاف بائسة".
وبالتالي تحاول أوكرانيا أن تحقق مكاسب على الأرض، عن طريق دفع مجموعات قتالية صغيرة تتكون من بضع دبابات ونحو 24 جنديا. وينقل ريزنر عن خبراء عسكريين أن كييف تخسر كل شهر نحو عشرة آلاف طائرة مسيّرة، في إشارة إلى العدد الهائل من الطائرات دون طيار المستخدمة.
وفي الوقت نفسه يقول كراشانسكي إن الأمر يجعل صد الطائرات المسيّرة الروسية أكثر أهمية، كما أنه من المهم للغاية بالنسبة إلى الدفاع الجوي كفالة القدرة التقنية على مراقبة جميع الموجات الكهرومغناطيسية، في عرض نطاق ترددي واسع لرصد أيّ تغيرات طارئة. ولدى شركة آرونيا عشرات السنين من الخبرة في هذا المجال، وفي هذا الصدد يشير كراشانسكي إلى أن "وحدات الشرطة الخاصة استخدمت أنظمة الشركة لتحديد ما إذا كان المجرمون يتواصلون عن طريق موجات اللاسلكي، قبل الشروع في ارتكاب جرائمهم".
ويقول إن التحكم في الطائرات المسيّرة أضاف بعدا جديدا تماما إلى هذا المجال، وتعتمد الآن مطارات مثل هيثرو بلندن وسنغافورة على أنظمة الدفاع التي تنتجها الشركة، كما شاركت آرونيا في جهود التأمين أثناء انعقاد قمة مجموعة العشرين في بالي عام 2020. ويضيف كراشانسكي أنه يتم استخدام ما بين 30 إلى 40 نوعا من الطائرات المسيّرة في أوكرانيا، واصفا أزيزها بأنه "صوت الحرب الذي غالبا ما يحطم الروح المعنوية للجنود". ويوضح أنه "عادة ما ترافق الطائرة المسيرة التي تحمل متفجرات مسيّرة أخرى توجهها إلى الهدف".
◙ أوكرانيا يتوقع أن تواجه موجة أخرى من هجمات الطائرات الروسية المسيّرة خلال الشتاء تستهدف بنيتها التحتية الحيوية
ويقول إن الجنود يجلسون أحيانا فوق دبابة، أو داخل الخنادق أثناء فترات تبدو هادئة من الاشتباكات، غير أن الجنود الآن أصبحوا معرضين على الدوام للقتل بسبب إسقاط المسيّرات قذيفة أو أكثر فوق رؤوسهم مباشرة. وعلى العكس من الطائرات المسيّرة إيرانية الصنع وكبيرة الحجم فإن الطريقة الوحيدة للتصدي للمسيّرات الصغيرة هي التشويش على إشاراتها اللاسلكية، لأن إسقاطها عن طريق المدفعية المضادة للطائرات لا جدوى منه تماما في الغالب، لأن هذه الطريقة تحتاج إلى كميات كبيرة من الذخيرة لإصابة هدف صغير للغاية. غير أن الجيش الروسي جيد في الإجراءات الإلكترونية المضادة.
وهو يتوقع أن تواجه أوكرانيا موجة أخرى من هجمات الطائرات الروسية المسيّرة خلال الشتاء تستهدف بنيتها التحتية الحيوية، ويقول إن "أوكرانيا في حاجة بصورة عاجلة إلى تعزيز دفاعاتها الجوية على كل من المدى العالي والمتوسط، لحماية نفسها خلال فصل الشتاء". ويكشف كراشانسكي عن أن لعبة القط والفأر بين هجمات الطائرات المسيرة ووسائل إخفائها رصدها والحماية منها تكون لها عواقب أخرى لا يتحدث أحد عنها دائما.
ويقول إنه لم يتم في الواقع استهداف كل هدف مدني، مثل المباني السكنية والمستشفيات، التي أصيبت من جراء قصف المسيّرات في أوكرانيا من جانب الجيش الروسي. ويضيف "في بعض الحالات، ربما تكون القوات المدافعة -في سعيها لحماية هدف عسكري - قد حولت مسار الطائرات المسيّرة إلى مكان آخر".