ما بين أميركا وإسرائيل

ما تعمل عليه السياسة الأميركية هو تهذيب وترويض اندفاع اليمين الإسرائيلي كي لا يتسبب في تحويل الصراع داخل فلسطين إلى صراع إقليمي يمكن أن يخرج عن السيطرة.
الاثنين 2023/10/23
الأصداء في القاهرة

تغطي السحب الكثيفة التي تأتي بها رياح الدعم والتأييد الكبيرين من جانب الولايات المتحدة لإسرائيل حقيقة الاختلاف بين إستراتيجية الولايات المتحدة في هذه المنطقة والإستراتيجية التي يعمل عليها تيار اليمين الحاكم في إسرائيل.

إدراك ذلك الاختلاف مهم في وضع أي سياسة عربية في مواجهة المرحلة الخطيرة الراهنة.

بالنسبة إلى اليمين الإسرائيلي فإستراتيجيته شبه المعلنة هي تصفية القضية الفلسطينية عبر محورين منفصلين: دمج إسرائيل في المنطقة وبناء علاقات طبيعية مع الدول العربية من ناحية، وإجراء تغييرات ديموغرافية في الضفة وقطاع غزة تنهي أي احتمال لكيان فلسطيني ضمن فلسطين التاريخية وتعيد التوازن الذي فقد لصالح غالبية يهودية مقابل أقلية عربية قابلة للاندماج والذوبان بالمجتمع الإسرائيلي بصورة كاملة.

◙ السياسة الرسمية الأميركية ومن ورائها الاتحاد الأوروبي مازالت تتبنى حل الدولتين بما يتعارض على طول الخط مع نهج اليمين الحاكم في إسرائيل

ويبدو اليمين الإسرائيلي متعجلا في الوصول إلى الهدف السابق طالما أن الظروف الدولية والإقليمية لا تعيق السير إلى الأمام مثلما كان الحال عليه حتى السابع من تشرين الأول/أكتوبر الحالي.

أما الولايات المتحدة فإستراتيجيتها للمنطقة جزء من إستراتيجية عالمية تشمل المواجهة مع الصين وروسيا والحد من التمدد الإيراني، والإبقاء على الهيمنة السياسية على أوروبا، والتحكم بإمدادات الطاقة، وإدارة الصراعات المحلية بحيث لا تخرج عن نطاق مصلحة الهيمنة الأميركية العالمية.

السؤال هنا: إلى أي حد يمكن للإستراتيجية الأميركية في المنطقة تقبل واحتواء الإستراتيجية الإسرائيلية؟ وأين يمكن أن تتعارض الإستراتيجيتان؟

ما يهم الإستراتيجية الأميركية هو بقاء درجة من الاستقرار في المنطقة، إذ لا مانع من وجود صراعات محدودة، بل يمكن أن يكون وجودها مفيدا إذا أمكن إدارة تلك الصراعات لاستهلاك طاقة شعوب المنطقة وإبقائها بعيدة عن الخروج عن نطاق الهيمنة.

تلعب إسرائيل دورا مركزيا كوكيل عن القوة الأميركية حيثما يقتضي الموقف، لكن يمكن ملاحظة تآكل ذلك الدور بسبب صعود قوى إقليمية أخرى كتركيا وإيران والسعودية.

العائق الرئيسي أمام تمدد القوة الإسرائيلية إضافة إلى صعود القوى الإقليمية الأخرى هو بقاء القضية الفلسطينية وتفجر الصراع العربي – الإسرائيلي داخل فلسطين التاريخية بصورة خاصة وخارجها بدرجة أقل حزب الله وإسرائيل.

◙ يمكن فهم التأييد المطلق لإسرائيل حاليا كمحاولة لرأب الصدع الذي أصاب هيبة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وشكل انتكاسة لا يمكن الانتقاص من حجمها وتأثيرها

ما تعمل عليه السياسة الأميركية هو تهذيب وترويض اندفاعة اليمين الإسرائيلي كي لا يتسبب في تحويل الصراع داخل فلسطين إلى صراع إقليمي يمكن أن يخرج عن السيطرة.

في المواجهة الحالية ليس مستبعدا وجود توافق إسرائيلي – أميركي على تهجير الفلسطينيين من غزة، لكن ذلك يرتبط بمدى تقبل الأطراف العربية للتهجير وموافقتها على تمويل إعادة إسكان سكان غزة في سيناء وفق ما أصبح معلنا من المشروع.

وبالطبع فهو يرتبط بسير معركة غزة وكيفية الانتهاء منها واحتواء ردود الأفعال المتعددة هنا وهناك.

أين إذن حدود الاتفاق /الاختلاف بين الإستراتيجية الأميركية والإسرائيلية؟

ربما يمكن العثور عليها في احتواء الصدام بين القوة الإسرائيلية والقوة الإيرانية بحيث لا يتحول إلى صراع مفتوح ومتفجر، أيضا في إبقاء بعض الخيوط بيد السياسة الأميركية من خلال علاقة مع بقية الدول الإقليمية والعربية، فالولايات المتحدة لا تقبل في نهاية المطاف دورا أقل من أن تكون لها اليد العليا في المنطقة وتلك مهمة لا يمكن أن تسند لإسرائيل وحدها.

يمكن فهم التأييد المطلق لإسرائيل حاليا كمحاولة لرأب الصدع الذي أصاب هيبة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وشكل انتكاسة لا يمكن الانتقاص من حجمها وتأثيرها، بالتالي فهو لا يعني بالضرورة تأييد إستراتيجية اليمين الإسرائيلي، وفي المدى الأبعد ربما يتم استخدام الفشل العسكري الإسرائيلي كما الدعم الأميركي للضغط على الحكومة الإسرائيلية لتجميد خططها الاستيطانية وسلوكها العدواني تجاه الفلسطينيين في الضفة والقطاع، لاسيما إذا ترافق مع استعادة المعارضة الإسرائيلية المبادرة وإسقاط حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة.

◙ يبدو اليمين الإسرائيلي متعجلا في الوصول إلى الهدف السابق طالما أن الظروف الدولية والإقليمية لا تعيق السير إلى الأمام

ومن المناسب هنا التذكير أن السياسة الرسمية الأميركية ومن ورائها الاتحاد الأوروبي مازالت تتبنى حل الدولتين بما يتعارض على طول الخط مع نهج اليمين الحاكم في إسرائيل.

لعل ما هو مطلوب من أي سياسة عربية تتصف بشيء من بعد النظر أن لا تتسبب في حشد كل الغرب وراء الولايات المتحدة في حين يتم دفع الولايات المتحدة لتلتحم مع الإستراتيجية الإسرائيلية. وعلى النقيض من ذلك فمن الضروري التركيز على ما يفصل بين الإستراتيجية الأميركية والإسرائيلية.

ويعني ذلك وجود دبلوماسية مرنة تجمع بين استخدام أدوات الضغط المتاحة على الغرب، وإبقاء الباب مفتوحا أمام التراجع عن سياسة الدعم الأعمى والمطلق لحكومة إسرائيل اليمينية.

بغير ذلك سيجد الموقف العربي الضعيف أصلا نفسه محشورا في الزاوية، ويكون لدى إسرائيل أفضل وقت لتضع إستراتيجيتها موضع التنفيذ لتصبح بحرفيتها جزءا من الإستراتيجية الأميركية لمرحلة قادمة.

8