تحدث يا أبا مازن ليراك الشعب الفلسطيني

زمن الخلافات والانقسامات الفصائلية مضى، فالقضية تحتاج إلى قيادة قادرة على قراءة المعطيات واستشراف التوقعات، والتداعيات التي سوف تتمخض عنها حرب غزة تحتاج إلى رؤية تستثمر ما جرى لتصويب المسارات.
الاثنين 2023/10/16
تكلم ولو كنت على سرير المرض

لا يزال الشعب الفلسطيني ينتظر سماع صوت رئيس السلطة الوطنية محمود عباس (أبومازن) ليشد من أزره ويعزز موقفه السياسي مباشرة، فقد تكلم مسؤولون كبار ومتحدثون رسميون وعبروا عن تعاطفهم مع محنة الشعب الفلسطيني في غزة.

تظل لإطلالة أبي مازن معان سياسية كبيرة لما يجب أن تتضمنه من مواقف تكشف عن آليات محددة للتعامل مع ما يجري بحق الفلسطينيين من تخطيط ممنهج من جانب إسرائيل ودعم واسع من قوى غربية يهدف إلى تصفية جزء معتبر في القضية التي سعى جاهدا لوضعها على الجدول الدولي، وانتهت إلى صورة غامضة يراها العالم الآن.

تحدث يا أبا مازن بلا مواربة ليراك ويسمعك الشعب الفلسطيني، فقد مضى زمن الخلافات والانقسامات الفصائلية والتفكير في الحسابات الحركية، فالقضية تحتاج إلى قيادة قوية قادرة على قراءة المعطيات واستشراف التوقعات بصورة دقيقة، فالتداعيات التي سوف تتمخض عنها حرب غزة تحتاج إلى رؤية تستثمر ما جرى لتصويب مسارات القضية الفلسطينية ووضعها على جدول أعمال القوى الكبرى.

◙ اِعقلها يا أبا مازن ولا تخف فقد عانيت شخصيا من تبعات الاحتلال، ومع كل ما أظهرته من براءة وحُسن نية وتعاون لم يرحمك قادة إسرائيل، حاولوا وضع كل المسؤولية على كاهلك

مع كل الظلام الذي يحيط بها حاليا، أكدت الحرب صواب المنهج الذي تبنته حركة فتح في عهد الرئيس الراحل ياسر عرفات وحاولت استكماله أنت من بعده، غير أن انحرافات عديدة شابت سلطتك وقيادتك هزت أقدام حركة فتح في الشارع الفلسطيني، وتحديات كبيرة مررت بها أحسنت التصرف في بعضها ولم تحسن في غالبيتها.

تخطّ أصوات المدافع والصواريخ والطائرات والقبض على الخناجر، كل هذا لا يعني أن دورك السياسي انتهى، قد تصبح الحرب على غزة منحة لتعيد ضبط سلطتك التي تآكلت معظم هياكلها ولم يتبق منها سوى حفنة من الطامعين في وراثتك.

تكلم يا أبا مازن وأعد الحياة إلى منهجك السياسي، لا سلام في إسرائيل دون عودة الأرض إلى أصحابها، ولا استقرار لمواطنيها في غياب حل الدولتين، قلها فلا أحد يطلب منك إدانة فريق أو نصرة آخر، لا وقت للعتاب والخصام والفصال، تحدث بلا مواربة وترجل كيفما تشاء، فالسلطة المنهارة مفسدة مطلقة للشعب الفلسطيني.

قُل للمجتمع الدولي، والقوى الغربية فيه، إن نفاقكم لن يفيد إسرائيل ولن يعيد الأمن والاستقرار للمنطقة، لأن وأد العملية السياسية وترك سلطتك في مهب الريح أحد أهم المحطات التي قادت إلى هذا المأزق، أعد على مسامعهم رؤيتك للحل وسط هستيريا القتل، ربما تجد عاقلا يستجيب لك، حذرهم من عواقب جرائم ترتكب بلا حسيب أو رقيب، ذكّرهم بتحركك نحو المحكمة الجنائية الدولية، والذي تعطل بلا سابق إنذار.

 يفتقد الفلسطينيون صوتا سياسيا هادئا، فمع كل الخلافات حولك وعليك ومعك لم يشكك كثيرون في إخلاصك، ولا تجعل الطغمة المحيطة بك تختطف قرارك أو تتاجر في سلطتك، فات الكثير من العمر ولم يتبق سوى قليل يمكن أن يكون شاهدا لك لا عليك. أعد الأمور إلى نصابها وتجاوز العقبات التي وضعها البعض من معاونيك وتسببت في تشويه صورتك السياسية، حيث يؤدي صمتك المتواصل إلى وضعك في مربع لا يريده أحد لك. مربع ربما يدخلك التاريخ من أبوابه الضيقة.

◙ واجه الغرب يا أبا مازن بشرعية القرارات الدولية التي تم تجاهلها. أعد على مسامعهم مواقف بعضهم المتشدقة بالعدالة والنزاهة والحياد

إذا أردت دخوله من أبوابه الواسعة عليك أن تخرج سريعا لشعبك وتتحدث إليه من أي مكان، تجاوز الغطرسة التي ظهرت عليها القيادة الإسرائيلية. اكشف حقائق ما جرى لكسر جسم قضية الشعب الفلسطيني في أوقات متباينة. حاول أن تبقى واقفا على قدميك حتى تسلّم الراية لمن يستطيع قيادة المرحلة المقبلة.

استفد مما حدث أو استثمر فيه، هناك من يريدون سماع صوت فلسطيني عاقل يدلهم على الطريق الصحيح، يرشدهم إلى الأمل المنتظر لتجاوز الليالي الحالكة. أكد لهم أن روح القضية لن تموت طالما أن هناك تكاتفا. أعلن عليهم أن زمن الفصائل والمصالح والتحالفات الضيقة لن يعود. أخبرهم أن ما حصل لن يفضي إلى تصفية قضيتهم الأبدية، بل يمكن أن يعيدها إلى الحياة.

لم يعد هناك مجال للمزايدات أو تصفية الحسابات أو قذف بالكلمات والرصاص. خطابك حاليا ستكون له مردودات إيجابية على مستويات مختلفة، أبرزها أن يشعر الفلسطيني أن قيادته السياسية موحدة، لن تهدأ حتى تجد من يعيد الاعتبار له. لا تستسلم لما حدث أو تعتقد أن زمن السلام انتهى، فالنور يخرج من جوف الظلام. استفد من دروس التاريخ وعبره. كم من القادة حولوا الحرب إلى مقدمة للسلام.

لا تختبئ وراء غرض. لا تعبأ بمن قيدوك طويلا. لا تُعر اهتماما لمن استفادوا من سلطتك وحصروك في خندق لا تدري ماذا يدور أو يُدبر خارجه. انهض ولو كنت على سرير المرض. ارفع صوتك واستفد من حنكتك. ذكّر العالم بكلماتك الصارمة التي أطلقتها من على منبر الأمم المتحدة وغيرها من المنابر الإقليمية والدولية، المتعلقة بضرورة وجود دولة فلسطينية انطلاقا من مبدأ الأرض مقابل السلام.

◙ تظل لإطلالة أبي مازن معان سياسية كبيرة لما يجب أن تتضمنه من مواقف تكشف عن آليات محددة للتعامل مع ما يجري بحق الفلسطينيين من تخطيط ممنهج من جانب إسرائيل

ذكّرهم أن تجاهل هذه الصيغة وضرب الحائط بها والإخلال بالتوازنات والبديهيات كانت من بين الأسباب الرئيسية التي أدت إلى نتيجة تمثل مطبّا للعالم الذي عبّرت قوى عدة فيه عن ازدواجية فاضحة، قد يخجل منها أصحابها عندما تسكت المدافع وتهدأ السخونة العسكرية وتتوقف المظلومية الجوفاء واستدعاء هولوكوست غريب.

واجه الغرب يا أبا مازن بشرعية القرارات الدولية التي تم تجاهلها. أعد على مسامعهم مواقف بعضهم المتشدقة بالعدالة والنزاهة والحياد والموضوعية ورفض العنصرية واحترام حقوق الإنسان. انقل لهم صورا من المحرقة الجارية في طوفان غزة لعلهم يدركون أن دعمهم للباطل يمكن أن يرتد إلى صدورهم.

قدّم لهم مشاهد من الغضب العربي والدولي. خبرهم أن النيران الخامدة يمكن أن تشتعل في ثيابهم من داخل دولهم البعيدة. أبلغهم أن فلسطين ليست غزة وحدها، فالوطن ممتد بعمق الضفة الغربية قبل وبعد الاحتلال، وأن القدس تسكن في وجدان كل مسلم ومسيحي في العالم، ربما تجد من ينتبه ويتعظ.

اِعقلها يا أبا مازن ولا تخف فقد عانيت شخصيا من تبعات الاحتلال، ومع كل ما أظهرته من براءة وحُسن نية وتعاون لم يرحمك قادة إسرائيل، حاولوا وضع كل المسؤولية على كاهلك، وخلق فتنة بينك وبين شعبك. نجوت وتعثرت وسقطت فيها، لكنك لا تزال رمزا. هناك من اختلفت معهم لم يتعمدوا التشكيك في ولائك لوطنك. انتهز الفرصة وتحدث بكل جرأة ولا تخجل أو تخف أو تخشى من أحد، كي يراك الشعب الفلسطيني ثابتا. هذه لحظات مفصلية لتوضيح الحقيقة قبل فوات الأوان.

 

اقرأ أيضا:

       • الخطة الوحيدة في المنطقة هي خطة إيرانية

       • هل تنجح قطر في تحقيق اختراق يدفع إلى التهدئة؟

       • عملية طوفان الأقصى وما بعدها

8