حوافز لجذب السياحة التعليمية في مصر مع استمرار تجاهل تحسين جودة التعليم

في سياق التصدي لأزمة شح العملة الصعبة، أطلقت الحكومة المصرية خطة لجذب الطلاب الأجانب للدراسة في الجامعات المصرية. ولئن قدمت حوافز قد تكون غير مهمة لكثير من الأجانب إلا أنها أغفلت جانبا مهما يتعلق بجودة التعليم.
القاهرة - قدمت مصر مجموعة من الحوافز الثقافية والخدمية والتعليمية للطلاب الوافدين الذين تتضاعف أعدادهم مع زيادة أعداد المهاجرين العرب على أراضيها، خاصة عقب اندلاع الحرب في السودان، ما دفع الحكومة إلى تقديم حوافز شكلية جذابة، لكن استمرار تجاهل العامل الأهم المرتبط بتحسين صورة الشهادات الجامعية المصرية يقلل من أهمية الإجراءات.
وأطلقت وزارة التعليم العالي المصرية، الاثنين، إستراتيجية جذب “السياحة التعليمية”، وأعلنت عن نيتها منح الطلاب الدارسين في الجامعات والمعاهد تأشيرة تعليمية بالتعاون مع وزارة الخارجية لتسهيل دخول الوافدين، ويحصل عليها الطالب طوال مدة دراسته مع منحه “فيزا كارد” تتضمن الاستفادة من الخدمات بأسعار مخفضة.
وتضمنت الحوافز التي أعلنتها الحكومة المصرية بالتعاون مع القطاع الخاص الحصول على تخفيضات في أسعار بطاقات الطيران للطلاب الوافدين وأسرهم بنسبة 25 في المئة، والنسبة نفسها للطيران الداخلي، وتوفير منح دراسية كاملة وجزئية في أكاديمية الفنون، مع منح الطلاب الوافدين خصماً بنسبة 50 في المئة في جميع مراكز الفنون والإبداع، وعلى بطاقات دار الأوبرا والمسارح في جميع المحافظات.
ومنحت وزارة النقل المصرية بطاقة اشتراك بناءً على التأشيرة التعليمية التي تفيد بدراستهم في الجامعات المصرية تحوي خصماً بنسبة 50 في المئة في كل وسائل المواصلات التابعة للوزارة، وقطارات هيئة السكك الحديد ومترو الأنفاق.
وتهدف القاهرة من وراء هذه الإجراءات إلى مضاعفة أعداد الطلاب الأجانب الدارسين بالجامعات، وترى أن العائد من وراء مبادراتها التي أطلقتها منذ أربع سنوات وحملت عنوان “ادرس في مصر” وتدشين منصة لتسجيل الطلاب عليها لم يكن كافيًا لجذب المستهدف من الطلاب في ظل معلومات أشارت إلى وجود 70 ألف طالب وافد فقط.
ورغم تزايد أعداد الوافدين في العامين الماضيين، إلا أن التوسع في عمليات الإتاحة مع زيادة أعداد الجامعات الأهلية والخاصة وزيادة نسبة الطلاب الوافدين بين الطلاب الملتحقين بالجامعات لتصبح 25 في المئة من إجمالي الطلاب بدلاً من 5 في المئة فقط، لم تحقق الهدف الذي يصل إلى 500 ألف طالب إذا جرى الالتزام بنسبة ربع أعداد الطلاب الملتحقين بالجامعات.
وتضمنت مبادرة الحكومة المصرية تقديم تخفيض في قيمة رسوم الانتقال لطلاب الأردن والعراق بنسبة 50 في المئة من خلال بعض شركات الملاحة، كذلك الوضع بالنسبة إلى الطلاب السعوديين وأسرهم من خلال النقل البحري عبر شركة القاهرة للعبارات.
ويتفق العديد من خبراء التعليم على أن تصدير مصطلح “السياحة التعليمية” يشي بأن الحكومة تتعامل مع الطلاب الوافدين من منطلق اقتصادي، بحيث تضمن الحصول على عوائد مالية بالدولار تساعدها على حل مشكلات توفير العملة الصعبة.
ولا يحقق اقتصار المبادرة على الجوانب المادية دون تسليط الضوء على الحوافز التعليمية وتحسين صورة الشهادات الجامعية الهدف من عملية التسويق لما تقدمه من حوافز، والتي لا تشكل عوامل جذب قوية في ظل مشكلات أكبر يعانيها الطلاب الوافدون، فهؤلاء قد لا يعتمدون مثلاً على وسائل النقل العامة، وأن الجوانب الترفيهية الأخرى تأتي في مرحلة متراجعة مقارنة باهتماماتهم التعليمية.
ورحبّت سلمي نور وهي وليّة أمر طالبة سودانية تدرس في كلية الهندسة بجامعة القاهرة بالحوافز التي أقرتها الحكومة أخيراً، لكنها طالبت بإيجاد حلول للأزمات التي يعاني منها الطلاب السودانيون الوافدون، فابنتها لم تتمكن من الالتحاق بامتحان الدور الثاني مع مطالبة القاهرة بالحصول على تأشيرة دخول إلى البلاد، على الرغم من أنها جاءت بوثيقة زيارة لها في المملكة العربية السعودية.
وقالت في تصريح لـ”العرب” إن القاهرة اشترطت أن تكون لدى الطلاب إقامة في الدولة العربية التي يتواجدون فيها أو العودة إلى السودان للحصول على تأشيرة دخول وهو أمر صعب تحقيقه في ظل أوضاع الحرب الراهنة، كما أن الحصول على إقامة في السعودية مثلاً أمر مكلف للغاية ويكون رب الأسرة بحاجة إلى استخراج بطاقات إقامة لكافة أفراد الأسرة.
وأوضحت أن الجامعات المصرية قبلة للطلاب السودانيين منذ عام 2018 بسبب عدم الاستقرار التعليمي في السودان وسط إغلاقات متتالية للمدارس والجامعات مع اندلاع الثورة على نظام الرئيس السابق عمر البشير، عكس القاهرة التي تتمتع باستقرار تعليمي، كما أن الكلفة مناسبة لغالبية السودانيين مقارنة بما يتم دفعه في الجامعات السودانية، والتقارب في العادات والتقاليد يسهم في زيادة الإقبال على مصر.
وفقا لإحصائيات وزارة التعليم يدخل إلى مصر ما يقرب من 430 مليون دولار سنويا من الطلاب الوافدين
ولفتت إلى أن القاهرة اتخذت هذا العام إجراءات قد تحد من إقبال الطلاب السودانيين بعد أن زادت رسوم التسجيل التي تدفع لأول مرة بالجامعات أو المعاهد من 150 إلى ألفي دولار، ما شكل إحباطا كبيرا للكثير من السودانيين الذين يفكرون في البحث عن وجهات أخرى مع عدم وجود تسهيلات في الدخول كما كان الوضع سابقا، معتبرة أن ما يدفع البعض للبقاء في مصر هو جودة التعليم والتطوير المستمر في المقررات الدراسية.
وتبقى جودة التعليم المصري عنصر جذب لعدد من الجاليات العربية وتشكل عاملا مهما في تنشيط “السياحة التعليمية” وفق رؤية الحكومة، لأن وزارة التعليم العالي الكويتية مثلاً أصدرت قراراً بتحديد التخصصات والجامعات المعتمدة للدراسة في الجامعات المصرية، وتصدر من وقت لآخر نشرات مماثلة بتحديد تخصصات بعينها بعد ما جرى إثارته من قبل بشأن وجود عمليات تزوير في الشهادات العلمية.
وسوّق وزير التعليم العالي السابق خالد عبدالغفار لخطته نحو جذب الطلاب الوافدين بعد أن أطلق مبادرة “ادرس في مصر” بأن القاهرة يمكنها المنافسة للحصول على عدد من الطلاب بنحو 7 ملايين طالب حول العالم يبحثون عن الدراسة في جامعات أجنبية، لافتا إلى أن هؤلاء ينفقون 200 مليار دولار بشكل سنوي كمصاريف تعليمية.
ويدفع الطالب الوافد الذي يدرس في كليات الطب المصرية رسوما سنوية تقدر بنحو 7 آلاف دولار، ويدفع نحو 3 آلاف دولار في الكليات النظرية.
ووفقا لإحصائيات وزارة التعليم يدخل إلى مصر ما يقرب من 430 مليون دولار سنويا من الطلاب الوافدين.
ولدى مصر 28 جامعة حكومية و20 جامعة خاصة و7 جامعات دولية و7 جامعات أهلية و6 جامعات تكنولوجية و173 معهدا عاليا و46 معهدا تكنولوجيا، فضلا عن 170 أكاديمية ومعهدا عاليا خاصا.
وقال الخبير التربوي محمد كمال إن السياحة التعليمية من أبرز عوامل الإنعاش الاقتصادي بالنسبة إلى العديد من الدول التي تجذب أعدادا هائلة من الطلاب سنويًا وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا، ويتم النظر إلى الطلاب الوافدين على أنهم يحققون عوائد مادية وأخرى ترتبط بالأمن القومي على المدى البعيد ما يخدم تطور التعليم عبر جذب النوابغ والعقول الفذة من الخارج وتقديم منح دراسية لهم والاستفادة من خبراتهم.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن مصر حددت وجهتها بإطلاق مصطلح السياحة التعليمية بأنها تسعى للحصول على مردودات مادية، وليس لديها أهداف سياسية مباشرة، على الرغم من فتحها باب تقديم المنح للطلاب المتفوقين في الدول الأفريقية وبعض الدول الآسيوية، لكن التركيز على الجانب المادي لا بد أن يصاحبه التعرف على أعداد الطلاب المصريين الذين يلجأون إلى التعليم في الجامعات الأجنبية.
وقد تكون مصر غير قادرة على تحقيق استفادة من السياحة التعليمية إذا كانت أعداد الطلاب الدارسين في الخارج أكثر من الوافدين إليها، وفي هذ الحالة يبقى تشجيع الطلاب على البقاء للدراسة في الداخل أفضل من تقديم منح وحوافز لجذب طلاب من الخارج، لأن الضغط على العملة المحلية يبقى حاضراً إذا كانت أعداد الطلاب الساعين للدراسة في الخارج أكبر.
وأشار كمال وهو أستاذ مساعد بجامعة القاهرة، إلى أن وزارة التعليم العالي عليها إجراء دراسات لمنافسيها في السوق على مستوى الجامعات العربية والأجنبية الجاذبة للطلاب، والمنافسة مع الجامعات الغربية صعبة ويمكن التركيز على ما تحققه الجامعات المغربية والأردنية الأكثر جذبا للطلاب الأجانب في المنطقة العربية.
وأكد أن المنافسة من الناحية العلمية والبحثية لا تزال في صالح الجامعات المصرية، وإن كانت بعض الجامعات العربية تتقدم في التصنيفات الدولية، لكن هناك إدراكا من جانب الطلاب الوافدين بالتقدم الحاصل على مستوى بعض التخصصات الدراسية في مصر، ولا يكفي ذلك وحده لجذب السياحة التعليمية إذا لم تتوافر المعلومات الكاملة عن عناصر الجذب وعوامل الطرد بالنسبة إلى الطلاب.
وتواجه وزارة التعليم العالي في مصر انتقادات لعدم توفير قاعدة بيانات تتضمن أعداد الطلاب الوافدين والساعين للحصول على فرص تعليمية في الخارج، في ظل مطالب بأن يكون الحديث عن السياحة التعليمية مصحوبًا بوجود قواعد للالتحاق بالجامعات المصرية الحكومية والخاصة محددة على الجميع وسط شكاوى طلاب مصريين من أن بعض الطلاب من جنسيات عربية يدفعون مصروفات مماثلة لهم.
جودة التعليم المصري تبقى عنصر جذب لعدد من الجاليات العربية وتشكل عاملا مهما في تنشيط “السياحة التعليمية” وفق رؤية الحكومة
وتجد القاهرة نفسها أمام مأزق آخر، لأن وجود أعدادا كبيرة من الطلاب الوافدين في الجامعات الحكومية بالكليات العملية، والطبية تحديداً، يكون على حساب الطلاب المصريين الذين يواجهون مشكلات في إيجاد مقاعد لهم ويلجأون إلى دفع مصروفات مرتفعة في جامعات أهلية وخاصة، وحال لم تطبق اشتراطات المصروفات الدراسية على الجميع فإن الحكومة قد تجد نفسها أنها تدعم الطلاب الوافدين ولا تستفيد منهم.
وحسب مصادر مطلعة بوزارة التعليم العالي تحدثت لـ”العرب”، فإن الاتفاقات التعليمية السابقة بين مصر والسودان التي تقضي بأن يدفع الطلاب السودانيون بالجامعات المصرية 10 في المئة من الرسوم الجامعية ما زالت سارية ويتم العمل بها في الجامعات الحكومية فقط، لكن وفقًا لأعداد محددة من الطلاب مع تزايد أعداد الطلاب السودانيين الوافدين خلال العامين الماضيين.
وأوضح أستاذ المناهج وطرق التدريس بكلية التربية جامعة عين شمس بالقاهرة محسن فراج لـ”العرب” أن الجامعات المصرية لديها إمكانيات تجعلها قادرة على جذب أكبر عدد من الطلاب الوافدين، خاصة أن التعليم الجامعي المصري كان نواة لتأسيس الكثير من الجامعات في الدول العربية.
وتحفظ على إطلاق مصطلح “السياحة التعليمة”، لافتا إلى أنه كان على وزارة التعليم العالي العمل أولا على تحسين السمعة الأكاديمية للكليات والجامعات المصرية، على أن تكون العوامل السياحية تابعة وليست أساسا لجذب الطلاب، وأن الجهد المبذول لتطوير بعض التخصصات الأكاديمية بحاجة إلى تطوير مماثل لرفع كفاءة الأجيال الصاعدة من أعضاء هيئة التدريس وغيرها من العوامل التي تجعل الجامعات المصرية على رأس صدارة الجامعات العربية.
وفي هذه الحالة، فإن الجذب السياحي قد يتحقق مع ضرورة الأخذ في الاعتبار تقديم حوافز ترفيهية وخدمية. وأوجد التوسع في بناء الجامعات الأهلية والخاصة أماكن متاحة للطلاب، ومهما تزايدت أعداد الوافدين فالجامعات المصرية قادرة على استيعابهم.