تغيير بوصلة العالم شعار عمالقة السعودية

تنطلق الجمعة فعاليات الموسم الجديد 2023 – 2024 من الدوري السعودي بصبغة أوروبية ووسط متابعة عالمية كبيرة. وتقام فعاليات البطولة هذا الموسم بمشاركة 18 فريقا بعدما اقتصر العدد الموسم الماضي على 16 فريقا عندما توج اتحاد جدة باللقب بعد منافسة قوية مع النصر. وتتسم المسابقة بصبغة غير مسبوقة بعدما دعم أكثر من فريق صفوفه بعدد من أبرز النجوم.
الرياض - تبدأ رحلة الدوري السعودي لكرة القدم الجمعة، بعد تغييره الجذري لسوق انتقالات لاعبي كرة القدم من خلال اجتذاب نجوم عالميين بصفقات باذخة، ووسط تحديات لإثبات أنفسهم وانتقادات متعلّقة بـ”الغسيل الرياضي”.
وأصبحت بطولة المملكة الخليجية مقصدا للاعبين من البطولات الأوروبية الكبرى لم يتوقعوا إنهاء مسيراتهم الزاخرة في الدولة المصنفة 54 عالميا بحسب الاتحاد الدولي (فيفا).
وتعاقد النصر مع أفضل لاعب في العالم خمس مرات البرتغالي كريستيانو رونالدو بصفقة مقدّرة بـ400 مليون يورو لموسمين ونصف في يناير، ثم لحق به زميله السابق في ريال مدريد الإسباني المهاجم الفرنسي كريم بنزيمة مع الاتحاد بطل الدوري، فيما انضم المهاجم السنغالي ساديو مانيه ولاعب الوسط الكرواتي مارسيلو بروزوفيتش إلى النصر.
وانضم الجناح الجزائري رياض محرز الفائز بدوري أبطال أوروبا الموسم الفائت والمهاجم البرازيلي روبرتو فيرمينو والحارس السنغالي إدوار مندي إلى أهلي جدة، والبرتغالي روبن نيفيش والصربي سيرغي ميلينكوفيتش سافيتش إلى الهلال والمدرب الإنجليزي ستيفن جيرارد ومواطنه جوردان هندرسون إلى الاتفاق، في خطة قالت وزارة الرياضة السعودية إنها تستهدف “الوصول بالدوري السعودي إلى قائمة أفضل 10 دوريات في العالم”.
عمليا، بدأ المشروع السعودي بتعاقد النصر مع رونالدو، فقد شكّل وجوده عامل إقناع للاعبين، وهو أساس المشروع
واستحوذ صندوق الاستثمارات العامة، أحد أكبر الصناديق السيادية في العالم بأصول تتجاوز 620 مليار دولار، على أندية الهلال والنصر والاتحاد والأهلي بنسبة 75 في المئة، فيما أشارت تقارير إلى أن الإنفاق الرياضي بلغ 6 مليارات دولار منذ 2021 أي أكثر من أربعة أضعاف الفترة بين 2014 و2021. لكن الاستثمار الذي يواكب خطة انفتاح اجتماعي واقتصادي طموحة انطلقت مع تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد في 2017، يثير انتقادات بأنه يهدف إلى حرف الانتباه عن سجل السعودية الضعيف في ملف حقوق الإنسان.
ويرى سايمون تشادويك الأستاذ المحاضر في الرياضة والاقتصاد الجيوسياسي في كلية سكيما للأعمال في باريس أنه “لطالما كان تصنيف الاستثمار السعودي في كرة القدم على أنه غسيل رياضي تبسيطًا مفرطًا لموقف أكثر تعقيدا وحساسية”. وشرح أن “الأمر يتعلق بشكل أساسي بالتطوّر الإستراتيجي والتنمية طويلة المدى لكرة القدم في السعودية”، مشيرا إلى “وجود عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية محلية تدعم الاستثمارات أيضا”. لكنّ دبلوماسيا غربيا في الرياض، فضّل عدم ذكر اسمه، قال إن الأمر لا يخلو من “ذكاء”. وأشار إلى أنّ “معظم العناوين باتت متعلقة باجتذاب اللاعبين الكبار لا بأحكام السجن الطويلة على النشطاء مثلما حدث الصيف الماضي”، في إشارة إلى أحكام سجن قاسية بحق ناشطات انتقدن سياسات الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبعد استثمارها مئات الملايين من الدولارات في رياضات الغولف، وسباقات فورمولا واحد، ومباريات الملاكمة وشراء نادي نيوكاسل الإنجليزي، تطلق السعودية بطولة كرة القدم بمشاركة 18 نادياً للمرة الأولى يحق لكل منها إشراك ثمانية لاعبين أجانب في المباراة. وقارن البعض ثورة تعاقداتها بموجة شراء الأندية الصينية لاعبين مميزين خلال العقد الماضي، وهو مشروع سخي انهار مع دخول سوق العقارات في الصين أزمة مالية خانقة.
الأكثر صلابة
إلا أن محمد مندور الصحافي الرياضي في موقع “سبورتس داتا” الفرنسيّ يراهن على “صلابة” التجربة السعودية، لأن بطولتها “أصلا أقوى دوري في الشرق الأوسط من حيث الجودة الفنية والتعاقدات والتحكيم والمتابعة والنقل التلفزيوني والرعاية”. ويؤكّد عضو مجلس إدارة الدوري السعودي البريطاني بيتر هاتون أن “الميزانيات موجودة لتمتد لسنوات عدة، كما تعلمون، ولا أرى أن ذلك يتباطأ”.
ولعقود شكّل الخليج موطناً لتقاعد لاعبين كبار، خصوصاً في قطر والإمارات، حيث تقلّ التنافسية ومعها الضغوط الرياضية وتزداد فرص العقود المغرية ماليا. لكنّ لاعب الهلال البرتغالي نيفيش القادم من ولفرهامبتون الإنجليزي، قال “لسنا هنا للتقاعد”.
وأكد مدير تحرير صحيفة “الرياضية” مقبل الزبني أن السعودية ترغب في “تغيير بوصلة كرة القدم التنافسية العالمية إلى الشرق الأوسط والمنطقة العربية”.
وأشار إلى أن الهدف هو أن تكون “الكرة السعودية موجودة ومنافسة في المحافل الدولية” كبطولة كأس العالم حيث تأهلت السعودية مرّة وحيدة إلى الدور الثاني من ست مشاركات. وتثير هذه الرغبة السعودية مخاوف كبار المدربين في أوروبا، فقال الإسباني بيب غوارديولا مدرب مانشستر سيتي الإنجليزي بطل أوروبا إن الدوري السعودي “غيّر السوق تماما”، متوقعا انتقال “المزيد والمزيد” من اللاعبين. كما أعرب الألماني يورغن كلوب مدرب ليفربول الإنجليزي عن قلقه من الإغلاق المتأخر لنافذة الانتقالات الصيفية في السعودية، مقراً أنّ تأثيرها بات “ضخماً”، مناشداً السلطات الكروية لإيجاد حل له.
عامل إقناع
عمليا، بدأ المشروع السعودي بتعاقد النصر مع رونالدو، فقد “شكّل وجوده عامل إقناع للاعبين، وهو أساس المشروع. وأسرته معه تبدو سعيدة ما غيّر الصورة الذهنية للسعودية في أعين اللاعبين”، بحسب أمير عبدالحليم المحلل المصري في قناة “الرياضية” السعودية.
لكنّه يضيف “هناك تحدّ على كافة المستويات (…) أولاً تطوير البنى التحتية للأندية ثم تعيين مدراء رياضيين واحترام عقود ومستحقات اللاعبين”، مشيرا إلى فرض عقوبات على أندية سعودية من قبل الاتحاد الدولي. ورياضيا، لا يبدو مألوفا امتلاك جهة واحدة لأربعة أندية متنافسة في مسابقة واحدة، بحسب الخبير مندور، قائلا “غريب أن تستحوذ جهة واحدة على أربعة أندية متنافسة في دوري واحد، لكن ذلك يصنع تنافسا قويا بينها يخدم قوّة الدوري في النهاية”. وأوضح “الأمر يخلق ‘الأربعة الكبار’ على طراز ‘الستة الكبار’ في الدوري الإنجليزي ما يزيد من حماوة مواجهاتهم”.
ويمثل حجم المتابعة الدولية والفوز ببطولة عالمية تحديات أخرى أمام الإنفاق الرياضي السعودي. وفيما تفاخر هاتون أنّ توقيع النصر مع رونالدو أدى إلى اهتمام جارف من الإعلام الدولي في أكثر من 170 بلدا، يرى المحاضر تشادويك أنّ هناك “فرقا بين المشاهدة وأن تصبح معجبًا متفاعلًا”.
وتساءل “هل سنرى السياح الصينيين متجهين إلى الرياض؟ أم سنرى سائحين من ألمانيا يتوجهون معًا لمشاهدة كرة القدم في السعودية؟”. وتابع “أعتقد في النهاية، هذا هو الاختبار الحقيقي. هذا هو مقياس مدى تفاعل مشجعي كرة القدم على مستوى العالم”.