النيجر ونيجيريا تستعينان بالقاهرة لمحاربة داعش والقاعدة

التجربة المصرية غنية بالدروس لمنع تغول الإرهابيين في غرب أفريقيا
الاثنين 2023/07/24
هل ينجح استنساخ التجربة العربية في القضاء على الإرهاب

أثبتت التجارب في شمال أفريقيا وجنوبها أن المقاربات السلمية لا تنجح ما دامت جماعات التمرد المسلحة تشعر بالقوة وتسيطر على جزء من الأرض، وأن الحل الحقيقي يبدأ من نقطة الاستفادة من التجارب الناجحة لإنهاء نفوذ هذه الجماعات وهيمنتها.

باتت هناك رغبة متبادلة بين دول أفريقية -بعضها نجح في صد خطر التنظيمات الإرهابية والبعض الآخر يكابد لكبحه- في خلق صيغة تعاون يستفيد بموجبها كل طرف في عملية نقل الخبرات والمعدات وتأمين القدر الذي يحقق النجاح وحرمان الإرهابيين من التمركز في دول القارة.

وتلقت دولة النيجر قبل أيام أسلحة ثقيلة ومدرعات من مصر لاستخدامها في محاربة الجماعات التكفيرية، كما لجأت دول أخرى في الساحل الغربي وجنوب الصحراء الكبرى إلى قوة مضافة لمواجهة الإرهابيين، مُستعينة بدول في شمال القارة حققت انتصارات مهمة على جماعات متمردة.

واستعادت النيجر، التي تُعد إحدى أفقر دول أفريقيا، التجربة المصرية بخبراتها ونجاحاتها وما حققته من انتصارات على تنظيمي داعش والقاعدة لتطويق حركات التمرد المسلحة المتحالفة مع هذين التنظيمين بعد ما حققاه من تمدد وتوسع كبيرين مؤخرًا داخل عمق جارتيها مالي وبوركينا فاسو.

وجاء التعاون المصري مع النيجر في شكل تدريب قوات خاصة بالجيش النيجري ضمن سياق أمني صعب ومعقد وفقًا لتصريحات وزير الدفاع القاسوم إنداتو، حيث لا يقتصر الخطر على ما تواجهه بلاده ممثلًا في جماعات مرتبطة بداعش والقاعدة، بل يشمل كذلك ما تواجهه على حدودها من عصابات مسلحة، وجماعات جهادية مثل بوكو حرام وداعش.

ويعود اتجاه النيجر إلى التعاون مع مصر في مكافحة إرهاب داعش والقاعدة المتعاظم بالمنطقة إلى الإخفاقات الكبيرة التي أصابت تجارب التدخل الغربي والأميركي، وعجز التحالفات البديلة -ممثلة في مجموعة فاغنر الروسية- عن إحداث فارق في كبح جماح التمرد التكفيري.

مركز الثقل الجديد

الدول العربية في شمال أفريقيا تمكنت بعد سنوات من إنهاك التنظيمات الإرهابية وتفكيك أواصرها وقطع صلاتها الخارجية
الدول العربية في شمال أفريقيا تمكنت بعد سنوات من إنهاك التنظيمات الإرهابية وتفكيك أواصرها وقطع صلاتها الخارجية

حدثت مراوحة على مستوى النشاط الإرهابي بين شمال أفريقيا وجنوب الصحراء، وبعد أن كانت مصر وليبيا وتونس على وجه الخصوص بؤرة للتعبئة الجهادية على نطاق واسع عقب اندلاع ثورات الربيع العربي، انتقل زخم وثقل الحركة الجهادية إلى دول جنوب القارة.

وهناك معطيات قالت إن الخلافة الدينية التي سعت جماعات السلفية الجهادية لتأسيسها في مصر ودول شمال أفريقيا انتقلت بعد أن مُنيت بالهزيمة والفشل هناك بين عامي 2013 – 2018 إلى غرب أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى مستندة إلى نموذج تمرد طالبان في أفغانستان.

وبلغ النشاط الإرهابي ذروته في الشمال الأفريقي بين العامين 2011 و2017 بجهود تنظيمات موالية للقاعدة، مثل أنصار بيت المقدس في مصر، والقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بالجزائر، وأنصار الشريعة وكتيبة عقبة ابن نافع في تونس، علاوة على مجموعات مختلفة موالية لداعش، ثم بدأ كل ذلك يتم تقليصه منذ العام 2018.

وتمكنت الدول العربية في الشمال الأفريقي بعد سنوات من المواجهات الميدانية من إنهاك هذه التشكيلات وتفكيك أواصرها وقطع صلاتها الخارجية وغلق منافذ دعمها ماليا وتسليحيّا، وبدأ مستوى العنف في الانخفاض بشكل متفاوت بفضل الجهود المتضافرة لمكافحة الإرهاب.

ومع حلول العام 2019 لم يعد المواطنون في ساحات دول شمال أفريقيا يشعرون بالتهديد الإرهابي الكبير الذي شكل مصدر خطر على حياتهم وممتلكاتهم ودور عبادتهم قبل سنوات، وبدأت تظهر معالم التراجع.

وبعد إضعاف قدرات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بدول شمال أفريقيا التي كان متمركزا فيها، نقل نشاطه وتمركزاته الرئيسية إلى مالي ودول الساحل والصحراء عبر فروعه المتصلة به هناك، مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين.

تعديل المخطط الإرهابي

النيجر بين طرفي كماشة بعد تدهور الوضع الأمني
النيجر بين طرفي كماشة بعد تدهور الوضع الأمني

كان المخطط الرئيسي لتنظيم داعش متمثلًا في تأسيس خلافة في ليبيا وجرى حشد الدعم من الحركة الجهادية العالمية واستدعاء المقاتلين الليبيين والتونسيين من سوريا، وصولًا إلى تمكن التنظيم من السيطرة على رقعة من الأراضي في شمال ووسط البلاد لمدة عامين.

وتحولت الخطة الآن باتجاه الجنوب لإقامة خلافة ممتدة في دول الساحل والصحراء ودول غرب أفريقيا، بجهود تشكيلات على صلة بتنظيم داعش المركزي، مثل ولاية غرب أفريقيا وولاية داعش في الصحراء الكبرى.

وبعد انسحاب فرنسا والولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي من غالبية أنحاء القارة، أصبحت الجماعات الإرهابية أكثر جرأة واطمأنت لتحول الاهتمام إلى الإستراتيجية العسكرية الغربية والأميركية بعيدًا عن الإرهاب، باتجاه المنافسة الإستراتيجية مع المحور الشرقي ممثلًا في روسيا والصين.

الخلافة الدينية التي سعت جماعات السلفية الجهادية لتأسيسها في مصر ودول شمال أفريقيا انتقلت إلى غرب أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى مستندة إلى نموذج تمرد طالبان في أفغانستان

ونتيجة انسحاب القوات الفرنسية من دول منطقة الساحل الأفريقي عززت الجماعات الإرهابية تمركزها في تيلابيري الواقعة بمنطقة المثلث الحدودي المضطربة بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، وهناك يسيطر فرع داعش في الصحراء الكبرى فعليًا على مساحات واسعة، وباتت عناصر التنظيم النشطة على بعد مئة كيلومتر عن عاصمة النيجر نيامي.

ولجأ رئيس النيجر محمد بازوم في مارس العام الماضي إلى التنسيق والتعاون مع نيجيريا لملء الفراغ الذي تركه الانسحاب الغربي، ساعيًا لاستنساخ تجربة قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات في منطقة بحيرة تشاد ولتكرار النجاحات التي أحرزتها أبوجا في مواجهة تنظيم بوكو حرام ونقلها إلى منطقة الساحل.

وحققت خطة استنساخ قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات بمنطقة تشاد -وتتضمن قوات من النيجر وتشاد والكاميرون ونيجيريا- بعض النجاح على الجبهة الغربية للنيجر، إذ تخوض مواجهات مكثفة ضد تنظيم بوكو حرام.

وحالت تطورات المشهد دون تحقيق التفوق المأمول أو على الأقل امتلاك أوراق سياسة العصا والجزرة لمساومة الجهاديين وتخييرهم بين الحرب والسلام بشروط الدولة.

نيجيريا التي تعد القوة الفاعلة الرئيسية في قوة المهام المشتركة، والتي لاذت بها النيجر، رغم أنها قتلت العديد من قادة بوكو حرام وأرغمت العديد من المتمردين على الاستسلام، إلا أنها لم تستطع استعادة المساحات الشاسعة في شمال شرق البلاد من سيطرة التنظيم الإرهابي، خاصة ولاية بورنو، وهو ما مكنه من مواصلة شن هجمات عبر الحدود إلى النيجر وتشاد والكاميرون، بل وصلت هجماته مؤخرًا إلى وسط وجنوب نيجيريا.

استفادة من التجربة المصرية

Thumbnail

صارت النيجر بين طرفي كماشة خاصة بعد تدهور الوضع الأمني في الجهة المقابلة بالمثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو واستعادة الجهاديين الثقة والقوة وهيمنتهم على غالبية مساحات الجارتين (مالي وبوركينا فاسو) وإمعانهم في قتل المدنيين وإجبار الآلاف على النزوح، خاصة من مناطق تيسيت وتالاتاي وأنسونغو وميناكا، بهدف الاستيلاء على الممتلكات والهيمنة على القرى والبلدات الحدودية.

واقتنعت غالبية دول أفريقيا، خاصة التي تسيطر فيها الجماعات الإرهابية على مساحات كبيرة من أراضيها، بأنها في حاجة ماسة إلى التعاون الوثيق مع دول شمال القارة، لاسيما مصر التي عانت من نفس المُعضلة في السابق ونجحت خلال سنوات في طرد التنظيمات الإرهابية الموالية للقاعدة وداعش من مناطق تمركزها ونفوذها بسيناء شرق البلاد.

ولم يقتصر دور مصر على مساعدة النيجر وحدها، حيث وضحت الجهود المصرية في دعم قدرات نيجيريا لمكافحة الإرهاب والتطرف في ولاية بورنو شمال شرق البلاد، بالتزامن مع تسلمها الرئاسة المشتركة للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب بمشاركة الاتحاد الأوربي في مايو الماضي.

ونظم مركز القاهرة الدولي لتسوية النزاعات وحفظ وبناء السلام برنامجًا تدريبيًا العام الماضي بهدف تعزيز قدرات نيجيريا في مجال مكافحة الإرهاب، وذلك في إطار برنامج المركز للوقاية من التشدد والتطرف المؤدي إلى الإرهاب ولنزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج.

مع حلول العام 2019 لم يعد المواطنون في ساحات دول شمال أفريقيا يشعرون بالتهديد الإرهابي الكبير الذي شكل مصدر خطر على حياتهم وممتلكاتهم

ومن خلال الحرص على نقل الخبرات المصرية التي سبقت في التعاطي مع حالة إرهابية مماثلة والتعاون الأمني والعسكري والدعم التسليحي وتدريب المقاتلين، من الأرجح أن يكون هناك رهان على التعاون مع القاهرة التي نجحت في السابق في السيطرة تماما على أراض تمركز فيها إرهابيون داخل سيناء في شمال شرق مصر، وصولًا إلى الإعلان عن خلو البلاد من الإرهاب.

ونجحت السلطات الأمنية بمصر في التعامل مع جماعات تعتمد على نفس الأساليب حاليًا في دول الساحل والصحراء من خلال تقويض بناء تنظيمات تشكلت بصورة أساسية من البدو المهمشين والسلفيين الجهاديين الذين فروا إلى سيناء قادمين من محافظات مصرية أخرى، أو ممّن انتقلوا من قطاع غزة وسوريا إليها بطرق غير مشروعة عبر الحدود.

ولا تمتلك كل من النيجر ونيجيريا رفاهية ترك الجماعات الإرهابية المتمردة الموالية لداعش والقاعدة تسيطر على مساحات واسعة في المثلث الحدودي الذي يُطلق عليه اسم “مثلث الموت” بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر أو في شمال نيجيريا.

وإذا لم تستطع نيجيريا والنيجر تحقيق الإنجاز المصري المتمثل في استعادة الأرض التي تمت السيطرة عليها من قبل الإرهابيين ستُترك مساحات شاسعة من ولاية بورنو والمناطق الحدودية للدولتين دون دفاع، ما يمنح الإرهابيين مستوى عاليا من القدرة على الحركة والمناورة.

وما لم تنجح الدولتان، بالتعاون الوثيق مع قوى خارجية جادة ومخلصة، في نشر قواتهما وجنودهما لمحاربة التنظيمات الإرهابية المتمردة بشمال شرق نيجيريا ومثلث الموت ستبقى المناطق النائية والعديد من البؤر الإستراتيجية تحت سيطرة هذه التنظيمات.

ويعني هذا امتلاك تلك الجماعات المتمردة الحرية والقدرة على إقامة نقاط تفتيش لجمع الضرائب وفرض الإتاوات والإشراف على المحاكم الشرعية ودوريات الحسبة وتدريب المقاتلين والتوسع في إنشاء مجتمعات يحكمها الإرهابيون بحكم الأمر الواقع.

ومع مرور الوقت سوف يميل ميزان القوى لصالح الجماعات الإرهابية المتمردة بالنظر إلى امتلاك الوقت والأرض والأدوات التي تمكن من تطوير القدرات القتالية والتلقين الأيديولوجي والتجنيد والاستفادة من الملاذات الآمنة التي تسمح بالتخطيط لعمليات التوسع.

7