صورة عراقية من زمن محتوى هابط

هو زمن العبثية السياسية والفوضى بإكسيرها العلقم الذي جعل الشعب يدفع ثمنها قرابين تتلوها قرابين مجانا أو بالدفع المسبق بعد أن أصبحوا مجرد كائنات هائمة في حسابات السلطة.
الأربعاء 2023/07/19
صورة مشوهة بألوان الشرف السياسي

أصبحنا نميل إلى توصيف الصورة التي رسمتها لنا أنامل الكاوبوي الأميركي بعد احتلال العراق بأن الشرف السياسي بات متعدداً كألوان الصورة، يُباع في السوق، يشتريه سماسرة وتُجّار وأوغاد يجمعهم هدف واحد.

تعلمنا منهم الحكمة التي تقول “لكل زمان رجاله وللسياسة في عراقنا الحديث رجالها”، وفي الوطن رجال كذبوا ما صدقوا، عبثوا ما أصلحوا، استسلموا لرومانوسكي ما رفضوا، يتوسلون المصائب لبلدهم، تقودهم سياسة الانتقام وكأنهم يطلبونه ثأراً قديماً، تغريهم السلطة إلى حد فقدان البصر والبصيرة، لا يستطيعون مقاومة أنفسهم الأمّارة بالسوء، فكيف تريدون منهم أن يقاوموا المحتل ربيب خيراتهم وملذاتهم؟ طموح مفرط إلى السلطة يُسكِر مُدمنهم، لا مثيل له إلا في نظامنا السياسي التائه، حروبهم المستعرة من أجل السلطة والنفوذ لا نعلم كيف ومتى ستنتهي؟

هو الشبّق السلطوي الذي ما إن يتجرّعه الداخل إلى عالمهم لن يغادره حتى لو أدى ذلك إلى أن يضحي بصاحبته وبنيه وقبيلته التي تؤويه، خصوصاً عندما ينغمسون في متاهات الامتيازات والمنافع. ولنعترف بأن للسلطة نشوة تعبث بالعقول وتفقد البصيرة عندما يكون ممتهنها يجمع بين المكر والخداع وفنون التضليل، ويبرع في الترويج لسلعة سياسية “بايرة” في بيئة سياسية فاسدة.

في الوطن أصبحت المبادئ السياسية والأخلاق تُساق في موكب جنائزي إلى مثواها الأخير، وسط ترانيم اغتيال الفضيلة والحق والعدالة وشعارات بلهاء لا تغني ولا تسمن على مسامع الحاضرين يحيط بهم سكون مُطبِق، تعزف فيه ألحان النصر للفساد والفاسدين الذين يتلقون التهاني والتبريكات.

◙ هو زمن مأزوم يحمل الكثير من الشعارات والأقاويل وسخافات ما بعدها سخافات، وعود وآمال سرعان ما تتبخر لكنها برامج يتم تحديثها عند كل مناسبة وفق سيناريوهات مخطط لها يكون ضحيتها المواطن

لعبة السياسة بينهم أصبحت تختزل مصالح العباد، تحولت إلى بطون لا تشبع، وعيون لا تدمع، وقلوب لا تجزع تتحيّن أي فرصة للانقضاض على ما تبقّى من أنقاض ليكون شعارهم استباحة أي شيء وكل شيء دون خوف من ضمير أو قانون، حتى تلوّنت السياسة بكل أنواع المكر والخداع وتحولت إلى مفهوم أدى بالعراقيين إلى السير بحياتهم إلى عالم المجهول، ويزداد الأمر فوضى وإرباكاً كلما اقتربت مواعيد الانتخابات. تطفو على السطح تحالفات وتكتلات مشوهة أو مشبوهة بوجهين لعملة واحدة، لا تعدو كونها طبخة سياسية وقتية عبارة عن خليط هجين يحمل غرائبيات وعجائبيات شخوصهم.

المسرح السياسي العراقي هو من نوع المحتوى الهابط بممثليه وقصصه ولا يخرج عن مسرح المهرجين الذين يسعون إلى إضحاك المشاهدين بأي وسيلة، لكن المفارقة أن شدة التفاهة وانحطاط خيوط الحبكة الدرامية وسوء الخطاب السياسي يجعل المشاهد في النهاية لا يجد ما يضحك عليه سوى على نفسه التي قبلت بمشاهدة هذا المحتوى الهابط من الدراما السياسية.

هو زمن العبثية السياسية والفوضى بإكسيرها العلقم الذي جعل أفراد الشعب يدفعون ثمنها قرابين تتلوها قرابين مجاناً أو بالدفع المسبق بعد أن أصبحوا مجرد كائنات هائمة في حسابات السلطة.

هو زمن مأزوم يحمل الكثير من الشعارات والأقاويل وسخافات ما بعدها سخافات، وعود وآمال سرعان ما تتبخر لكنها برامج يتم تحديثها عند كل مناسبة وفق سيناريوهات مخطط لها يكون ضحيتها المواطن البسيط المغلوب على أمره.

إنها الصورة المشوهة بألوان الشرف السياسي المتعدد الجنسيات الذي أوجدته لنا راعية الديمقراطية والتي يتقزز الناظر إليها.

9