موازنة العراق انتصرت لجزر القُمُر وخذلت "حسنة أم اللبن"

آخر صيحة من صيحات بنود الموازنة تضمنت إطفاء الديون وتسوية القروض لجميع السياسيين وزعامات السلطة والمسؤولين الذين اقترضوا من مصارف العراق مبالغ تقدر بأكثر من 100 مليار دولار.
السبت 2023/06/17
بلد تحت سياط الجهل والنهب والسرقة

يحتاج العراقيون إلى مفكر مثل غاندي أو ساخر مثل برناردشو أو حتى تنبؤات “حسنة أم اللبن” التي اعتدنا سماع انتقادها للسلطة وهي تبيع الحليب في إحدى أسواق بغداد الشعبية، ليُجيبنا أحدهم عن  سؤاليْن محيريْن للعقول وهما ماذا يحدث للعراقيين؟ وأين وصل بهم الزمن؟ دموعهم التي ذرفوها عند سماع أخبار الموازنة لا تُعرف إن كانت للحزن أم للاستهزاء.

في كل يوم يستيقظون صباحاً على حكاية من حكايات زمنهم الذي استحوذت فيه مجموعة من الغرباء على مفاتيح السلطة لتتحكم وتحكم بلداً تجاوز عمره أكثر من ستة آلاف عام تحت سياط الجهل والنهب والسرقة.

العراق سقط صريعاً في عشرينيته التي جثمت على صدور أولاده بعد احتلال بلدهم عام 2003؛ موازنات انفجارية وثروات هائلة مهدورة لا يرى منها المواطن سوى الأرقام والأصفار التي تتزايد مع ارتفاع أسعار النفط عالمياً دون أن ترى حياته ومستقبله ذلك الأمل المنشود والخير الموعود.

دعونا نسأل حسنة أم اللبن لماذا حكوماتنا السابقة واللاحقة تُنذرنا بالويل والثبور وتكبيل أجيال العراقيين بقروض يدفع أثمانها جيلً بعد جيل في محاكاة الاقتراض المستمر بحجة توفير لقمة الخبز ورواتب القطاع العام، ويستمر الاقتراض حتى بعد أن يرتفع سعر برميل النفط (الملعون) لتضاف إليه ضرائب تُستقطع من أرزاق المواطنين وتنهك حياتهم المنهكة أصلاً؟

أضخم موازنة في تاريخ العراق وضعت ضمن التزاماتها بمُساعدة الصومال وجزر القُمُر وفلسطين والجامعة العربية واستغفلت المواطن وخنقته بضرائبها وقروضها

آخر نكتة تضاف إلى النكات غير المضحكة في العراق وجعلت المواطن يضرب كفاً بكف هي تخصيص الملايين من الدولارات لبلدان مثل الصومال وجزر القُمُر وفلسطين، ربما كان بالإمكان إيجاد التبرير للأخيرة في مساعدتها على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، ولكن من هي جزر القُمُر ليتم وضع حصة لها في الموازنة العراقية لمساعدتها؟ أكثر من ثمانية وثلاثين مليار دينار هي قيمة الهبات التي ستُقدّم إلى تلك الدول في بلد ينام العاطلون فيه على أرصفة الشوارع بانتظار من يرأف على مستقبلهم بوظيفة.

بلد لا يزال يعاني من انقطاع الكهرباء وانعدام الماء الصالح للشرب، وطن مدارسه مازالت من الطين وتشهد انهيارات سقوفها كلما لاحت الغيوم بأمطار الشتاء، كم نتمنى أن نستيقظ صباحاً ونجد نفطنا وقد تحول إلى ماء تغتسل به الوجوه بدل العطش الذي نعيشه من جراء جفاف نهري دجلة والفرات، كم تمنينا أن يصبح نفطنا ماءً نتوضأ به أو يروينا بدل لعنة الزمن التي رافقتنا من جراء أكذوبة “نفطنا لنا”.

أضخم موازنة في تاريخ العراق وضعت ضمن التزاماتها بمُساعدة الصومال وجزر القُمُر وفلسطين والجامعة العربية واستغفلت المواطن وخنقته بضرائبها وقروضها.

آخر صيحة من صيحات بنود الموازنة تضمنت إطفاء الديون وتسوية القروض لجميع السياسيين وزعامات السلطة والمسؤولين الذين اقترضوا من مصارف العراق مبالغ تقدر بأكثر من 100 مليار دولار منذ عام 2003 إلى غاية 2023، ليخرج إقرار الموازنة إلى النور بتسوية تلك الديون التي هي ملك الشعب وإطفائها ولتذهب أدراج الرياح كل تلك الديون المفروضة معلنة تصفيرها.

يتبجّحون ويتصارخون حول جريمة سرقة القرن التي خسر العراق فيها ما يقارب المليارين ونصف المليار دولار، فماذا نسمي هذه السرقات التي نسمع عنها ونشاهدها، ليت حسنة أم اللبن تُخبرنا؟

للتوضيح “حسنة أم اللبن” هو الاسم الحركي لامرأة عراقية غاية في الشرف والعِفّة تناضل من خلال عملها في هذا الزمن الرديء من أجل إعانة أطفالها اليتامى في بلد تسلّط عليه حفنة من الأوغاد.

9