ما الذي يمنع صفقة "وفاء الأحرار 2"

أي تعثر لصفقة تبادل الأسرى سينهي أمل الآلاف من الفلسطينيين الذين يأملون بتحرك المياه الراكدة بعد 12 سنة من صفقة "وفاء الأحرار" والتي استفاد فيها يحيى السنوار نفسه من الإفراج.
السبت 2023/05/27
بحاجة لإعادة تقدير الموقف

خلال الاحتفال السنوي بذكرى تأسيس حركة حماس في ديسمبر من السنة الماضية، أمهل يحيى السنوار قائد حركة حماس دولة الاحتلال موعدا محددا لإتمام صفقة تبادل الأسرى، مهددا بإغلاق الملف نهائيا في حال لم تستجب هذه الأخيرة للعرض المقدم بشروط من قبل حركة حماس.

وبعد مرور خمسة أشهر على تلك الدعوة المشروطة والمرفوقة بالتهديد نقرأ في موقع عربي مؤخرا أن السنوار قد رفض عرضا وصف بـ”السخي” يتضمن الإفراج عن فلسطينيين محكومين بالمؤبد، كانوا قد شاركوا في قتل إسرائيليين في عمليات تنسب إلى المقاومة، بالإضافة إلى نساء وأطفال وأسرى من الداخل الإسرائيلي، فهل نفذ السنوار تهديده ووعيده بإغلاق الملف أم أن للحركة الأسيرة والقيادات الأخرى في الحركة موقفا آخر سيصل إلى إقناع السنوار بضرورة إعادة تقدير الموقف بغية عدم تفويت الفرصة لتبادل أسرى سيكون في مصلحة الحركة الأسيرة بالدرجة الأولى قبل أن يكون في مصلحة جنود الاحتلال الأربعة الموجودين في غزة؟ وهل السنوار على حق برفضه التجاوب مع محاولة جس النبض الإسرائيلية التي تفتقد للمصداقية؟

حسب المسؤول العربي المطلع الذي نقلت على لسانه تفاصيل تلك المبادرة الإسرائيلية، فإن قيادات من حركة حماس قد تجاوبت مع المقترح الأخير من باب تخفيف معاناة الأسرى الفلسطينيين، لكن كان للسنوار رأي مخالف دون أن يتم تحديد سبب رفض المبادرة. وللإشارة فإن المقترح الإسرائيلي الأخير يأتي في شكل رد متأخر على المبادرة الإنسانية التي أطلقها السنوار نفسه في أبريل عام 2020، وقد يعزى ذلك ربما إلى عدم الرغبة في تكرار نفس الخطأ الذي وقعت فيه الحركة في الصفقة السابقة، حيث أقدمت إسرائيل على اعتقال جديد للأسرى المحررين في صفقة شاليط، أو أن الصفقة الجديدة لا تحمل ضمانات جدية بالإمكان البناء عليها وبالتالي فإنه من الأصح أن يبقى الملف مجمدا إلى إشعار آخر.

المسؤولية الأخلاقية تملي على قيادات حركة حماس أن تبقي الباب دائما مفتوحا أمام أي مبادرة وأن تدرسها بإمعان بدل أن توافق قرارات السنوار الارتجالية

تبدي حماس اليوم نوعا من العقلانية في سياساتها بعد أن أصبحت أولوية المكاسب تسبق أولوية التصعيد، وقد تكشف هذه الإستراتيجية عن فهم وإقرار بالواقع الذي تعيشه غزة والذي يتطلب الحصول على مكتسبات تخفف من وطأة الوضع. في نفس الوقت تجد حكومة الاحتلال نفسها أمام تحديات أمنية جديدة لا تأتي فقط من غزة وإنما من قلب الضفة، مع بزوغ تنظيمي “كتيبة جنين” و”عرين الأسود” في جنين ونابلس، فضلا عن الضغوطات والانتقادات المتتالية لسياسة بنيامين نتنياهو الأمنية الفاشلة من قلب حكومته ومن المتعاطفين مع عائلات الأسرى والذين يحملونه المسؤولية المباشرة عن فشل تقدم مسار صفقة التبادل.

وبالتالي، فإن نية الاحتلال لتقديم تنازلات لغزة، ومن ضمنها تحريك صفقة الأسرى وتقديم تسهيلات جديدة في حركة دخول وخروج السلع والأشخاص وتصاريح العمل، قد تكون نابعة من فكرة شراء الهدوء والسلم وتحييد غزة من المعادلة الأمنية أطول قدر ممكن ليتم التركيز على جبهة الضفة، وقد ذهب الوسطاء المصريون في نفس الاتجاه حينما ربطوا بين تحريك صفقة تبادل الأسرى، واستقرار الأوضاع على مدى زمني طويل في القطاع.

لا شك أيضا في أن السنوار لا يملك خيارا آخر رغم التهديد بإغلاق ملف الأسرى، فالغاية في الأصل من عملية الأسر هي المقايضة وتحقيق المكاسب، وإذا كانت إسرائيل مجبرة على الذهاب بعيدا في ملف الأسرى فإنه من العقلاني أن يتم التفاوض معها بوساطة جادة تطرح شروطا لإتمام الصفقة تضمن الحقوق الفلسطينية، لا أن يتم الرفض لمجرد قرار شخصي لا يضع في الحسبان المعاناة التي تعيشها الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال، وأن أي تعثر لصفقة تبادل الأسرى سينهي أمل الآلاف من الفلسطينيين الذي يأملون بتحرك المياه الراكدة بعد 12 سنة من صفقة “وفاء الأحرار” والتي استفاد فيها يحيى السنوار من الإفراج، كما أن المسؤولية الأخلاقية تملي على قيادات حركة حماس أن تبقي الباب دائما مفتوحا أمام أي مبادرة وأن تدرسها بإمعان بدل أن توافق قرارات السنوار الارتجالية.

9