هل مصر بحاجة إلى انتخابات رئاسية مبكرة

تردد هذا السؤال في بعض الأوساط المصرية خلال الأيام الماضية على نطاق واسع عقب نشر موقع “ذات مصر” تقريرا تضمن على خلاف العادة هذا المعنى بوضوح، وأشار فيه أيضا إلى أن السياسي الكبير والقيادي الإصلاحي السابق بالحزب الوطني (المنحل) حسام بدراوي من المرجح أن يصبح منافسا للرئيس عبدالفتاح السيسي.
دعك من نفي بدراوي السريع للموقع ذاته أنه فكّر في هذا الأمر، أو أن أحدا في أجهزة الدولة عرض عليه الترشح في انتخابات الرئاسة المقبلة، وركّز على أن الرجل نفى تماما القيام بدور “المحلل”، وهي كلمة في الأدبيات السياسية المصرية تعني الآن وجود مرشح قوي يخوض الانتخابات أمام الرئيس السيسي.
يوحي التفكير في بدراوي، وهو مستشار للحوار الوطني الجاري حاليا، أو من في مستواه، أن السلطة المصرية في حاجة إلى شخصية وازنة لمنح طعم حقيقي للانتخابات، وجاء التفكير فيه لتجنب مشهد الانتخابات السابقة عام 2018، والتي خاضها رئيس حزب الغد موسى مصطفى موسى أمام السيسي، وبدت مفتعلة، لأن الرجل لا يتمتع بأي من المقومات السياسية التي تؤهله لمنافسة شخص بحجم السيسي.
لا أحد يعرف الأسباب التي دفعت الموقع الإلكتروني ”ذات مصر” لطرح سؤال التبكير بموعد الانتخابات الرئاسية إلى أكتوبر المقبل، وهي التي من المفترض قانونا أن تجرى في مارس، أي أن التبكير سيكون لنحو ستة أشهر، فما هي المبررات التي تؤدي إلى تعجيل زمني محدود بالمقاييس السياسية، وهل هناك تفسيرات مقنعة لذلك، خاصة أن السلطة لم تتحدث من قريب أو بعيد عن مسألة التبكير أو تلوح بها.
مع الزخم الذي يحظى به الحوار الوطني.. واهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسي به شخصيا، يمكن تبني خطوات إيجابية لإصلاح المسار العام، بما يجعل الرهان على الانتخابات الرئاسية المقبلة مختلفا عن سابقتها
جرت العادة في مصر عندما تريد السلطة معرفة ردود الفعل حول قضية معينة أن تتم دحرجتها إلى إحدى الصحف أو البرامج أو المواقع الإلكترونية أو شخصية قريبة منها لجس النبض ومعرفة ردود الفعل عليها، وهو ما منح النشر حول قضية الانتخابات المبكرة أهمية، لأن الرسالة فهمت في هذا السياق، والذي تراوحت فيه اجتهادات البحث عن أسباب منطقية للتعجيل بين عوامل سياسية وأخرى اقتصادية.
سياسيا، تبدو الساحة المصرية مستعدة لتقبل إجراء انتخابات مبكرة تتزامن مع انتهاء جلسات الحوار الوطني بعد أسابيع، ويتم تصويرها على أنها من المخرجات المباشرة للحوار، لكن الواقع يقول إن القوى والأحزاب السياسية غير مهيأة للتفاعل معها.
ولا توجد حتى الآن شخصية بارزة في صفوف المعارضة يمكن أن تخوض الانتخابات، باستثناء أحمد الطنطاوي رئيس حزب الكرامة السابق الذي أعلن استعداده لخوض الانتخابات، لكنه يفتقر إلى وجود طيف سياسي واسع يدعمه، أو قاعدة شعبية تستطيع أن توفر له شبكة أمان في الشارع تجعله منافسا محتملا وقويا.
كما أن الرئيس السيسي نفسه والجهات القريبة منه في السلطة لم يعلنوا حتى الآن رسميا خوضه للانتخابات، مبكرة أو في موعدها الطبيعي، فالرجل جُل ما يشغله ينصب حول البحث عن مخرج لتخفيف حدة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
من هنا يأتي دور العامل الاقتصادي كدافع للتعجيل بالانتخابات، ففي ظل العقبات التي يواجهها الاستثمار بمصر وعدم ظهور أفق واعد لجذب استثمارات كبيرة مع الإجراءات التي اتخذتها الحكومة سوف تزداد الصعوبات الاقتصادية على كاهل شريحة كبيرة من المواطنين.
إذا تمكنت خطوات الإصلاح الجريئة التي اتخذها المجلس الأعلى للاستثمار مؤخرا، ويرأسه السيسي، من إقناع المستثمرين بتغيير رؤيتهم السلبية وضخ أموال كبيرة في السوق المصرية، فالمسألة تحتاج إلى وقت كي يتسنى جني ثمار منها، وهذا الوقت قد يصل إلى عام أو يزيد، ما يشي بتفاقم حدة الأزمة الاقتصادية مع توقيت إجراء الانتخابات الرئاسية في مارس المقبل وانخفاض جديد في شعبية السيسي، مقارنة بما هي عليه إذا جرت الانتخابات في أكتوبر المقبل.
لن يؤدي بالطبع الانخفاض إلى عدم نجاحه في الانتخابات أو يمنح الفرصة لأي من منافسيه لإحراجه سياسيا، لكن لن يكون هناك شغف شعبي أصلا بالانتخابات لدى شريحة كبيرة من المواطنين وسط معاناة اقتصادية تمثل عائقا واضحا أمام اقتناعهم بجدوى العملية الانتخابية، وعائقا أمام الرئيس السيسي نفسه لإعادة انتخابه مرة أخرى بما يمكنه من الاستمرار في أمان حتى العام 2030.
يعد العامل الاقتصادي مهما في معادلة التفكير في إجراء انتخابات مبكرة، لأنه التفسير الذي يمكن تفهم دوافعه لعملية “جس النبض” التي قام بها موقع “ذات مصر” لحساب جهات في السلطة تعتزم أن يكون إخراج الانتخابات المقبلة أكثر جاهزية من سابقتها، لأن الكثير من الجهات الإقليمية والدولية سوف تكون عيونها مسلّطة عليها، ولا أحد في السلطة المصرية يريد أن تجرى وهي مليئة بثقوب أو عورات فاضحة.
سياسيا، تبدو الساحة المصرية مستعدة لتقبل إجراء انتخابات مبكرة تتزامن مع انتهاء جلسات الحوار الوطني بعد أسابيع، ويتم تصويرها على أنها من المخرجات المباشرة للحوار
اللافت أن التحضير للانتخابات الرئاسية والحديث عنها بدأ من زاوية تجهيز المرشح المنافس اللائق أولا، والذي يمنحها رونقا سياسيا وجاذبية حقيقية، الأمر الذي ظهرت تجلياته مع حديث سابق لرئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات أشار فيه إلى وجود شخصية وصفها بـ”المفاجأة” تفكر في دخول الانتخابات المقبلة.
لم يفصح السادات عن اسم الشخصية الكبيرة التي تمثل مفاجأة في نظره، غير أن معلومات شبه مؤكدة قالت إنه جنرال سابق يحظى باحترام في أوساط العسكريين والمدنيين من دون الكشف عن الهدف من وراء الترشح، هل هو خوض المنافسة بنية الفوز بها، أم هو “محلل” قوي يمنح طعما جذابا لفوز الرئيس السيسي؟
يشير الانشغال الكبير بالانتخابات المقبلة إلى أنها سوف تكون غير مألوفة وتحتاج إلى تحضيرات دقيقة للغاية، من حيث مؤهلات المرشحين المحتملين، كما أن السخونة المتوقع أن تحيط بها ودرجة التركيز عليها خارجيا سوف تمنحانها قدرا كبيرا من الاهتمام، وكلها عوامل تجعل القائمين عليها يتقنون عملية إخراجها سياسيا.
لذلك فسؤال الحاجة إلى انتخابات رئاسية مبكرة من عدمه ليس هو ما يشغل بال السلطة والقوى السياسية والكثير من المراقبين والمواطنين، لأن السؤال المحوري ينصب حول الآلية التي سوف تتم بها هذه الانتخابات، ومستوى الاستفادة من أخطاء الانتخابات السابقة التي حولتها إلى ما يشبه الاستفتاء مع غياب المنافسة الحقيقية.
أبدت السلطة المصرية استعدادا لإدخال تعديلات على عملية المراقبة على الانتخابات، ومنح الرئيس السيسي الضوء الأخضر لعودة القضاة للإشراف عليها بصورة كاملة، وهي خطوة بعثت طمأنينة في نفوس قوى سياسية عدة، لكنها تحتاج إلى إجراءات أخرى تتعلق بفتح النوافذ والأبواب في الفضاء العام والإفراج عن المعتقلين السياسيين والمحبوسين على ذمة قضايا رأي، وهذه واحدة من مطالب المعارضة لنجاح الحوار.
مع الزخم الذي يحظى به الحوار الوطني، ورفع سقف التوقعات عليه، واهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسي به شخصيا، يمكن تبني خطوات إيجابية لإصلاح المسار العام، بما يجعل الرهان على الانتخابات الرئاسية المقبلة مختلفا عن سابقتها في الكثير من التفاصيل.