إعدام قادة الإخوان ممكن بمصر والقضاء على الجماعة مشكوك فيه

القاهرة نفذت إعدامات سابقة التزاما بأحكام القضاء وتأكيد فرض قبضتها.
السبت 2023/05/27
أحكام الإعدام تلغي أي نية في المصالحة

تنفيذ أحكام الإعدام بحق عدد من قيادات الإخوان يبقى أمرا واردا بالنظر إلى أن السلطات سبق وأن نفذت إعدامات ضد عناصر في الجماعة، رغم ما يمكن أن يشكله الأمر من ضغط سياسي وحقوقي على القاهرة.

القاهرة – ترجح الأوضاع الداخلية والتطورات الإقليمية وتغيير بعض التحالفات في المنطقة فرضية إقدام السلطات المصرية على خطوة تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة مؤخرا بحق عدد من قادة جماعة الإخوان، بعد أن أحالت المحكمة أوراق ثمانية منهم إلى المفتي لاستطلاع رأيه في مسألة تنفيذ حكم الإعدام الصادر في حقهم، وهو رأي استشاري غير ملزم.

وتعتقد دوائر إخوانية أن تنفيذ الإعدام في قيادات إخوانية عملية صعبة، خشية أن تتعرض القاهرة لانتقادات سياسية، ويتم توظيف ملفها الحقوقي السلبي في الدعاية ضدها، وراهنت على أن النظام المصري لن يقدم على خطوة كبيرة من هذا النوع، مستندة إلى وجود أحكام عديدة بالإعدام لم يتم تنفيذها، وهو ما فهمته على أنه تعطيل لسير العدالة الناجزة.

وترى دوائر في المعارضة بمصر أن إعدام قيادات في الصف الأول، مثل المرشد محمد بديع، يعني أن العلاقة بين النظام الحاكم والإخوان وصلت إلى خط لا رجوع عنه، وما تردد حول إمكانية أن تقوم الجماعة بمراجعات أو يقدم النظام على مصالحة سياسية معها انتهى عمليا.

حرث الأرض سياسيا

السلطات تحرص على التعامل مع هذا الملف في سياقه القضائي، رافضة ضغوط المنظمات الدولية وما يروج له الإخوان بالخارج
السلطات تحرص على التعامل مع هذا الملف في سياقه القضائي، رافضة ضغوط المنظمات الدولية وما يروج له الإخوان بالخارج

احتاجت الحكومة المصرية وقتا لتهيئة الأجواء السياسية وكسب انحياز الرأي العام لدعم روايتها بشأن الصراع مع الإخوان وتنفيذ خطوة مشابهة. وعرضت فضائيات مصرية مسلسل “الاختيار” وتناول وقائع حقيقية حول فض اعتصامي أنصار الجماعة في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة وميدان النهضة في الجيزة المجاورة لها، قبل تنفيذ أحكام إعدام في أبريل 2021 بحق تسعة أشخاص نفذوا هجوما على مركز شرطة كرداسة في جنوب القاهرة وقتلوا 14 رجل شرطة عام 2013 عقب فض الاعتصامين.

يختلف وضع الإخوان حاليا، من حيث التفكك التنظيمي وفقدان الحلفاء الإقليميين وبدء فعاليات الحوار الوطني بمشاركة قوى مصرية معارضة من دون حضور الجماعة التي تعاني من عدم امتلاكها قواعد ميتينة في الداخل أو حلفاء مخلصين لها في الخارج، ما أضعف موقفها حيال إيجاد حلول ناجزة لأزمة قادتها المسجونين التي تقترب من عشر سنوات.

قررت الدائرة الأولى بمحكمة جنايات أمن الدولة في الثاني والعشرين من مايو الجاري إحالة أوراق ثمانية من القيادات المنتمية إلى الإخوان أو المحسوبة عليها سياسيا إلى مفتي مصر في اتهامهم بالقضية المعروفة إعلاميا بـ”أحداث المنصة”، وهم: مرشد جماعة الإخوان محمد بديع، ومحمود عزت القائم السابق بأعمال المرشد، ومحمد البلتاجي وعمرو محمد زكي وأسامة ياسين وصفوت حجازي وعاصم عبدالماجد ومحمد عبدالمقصود.

وحددت المحكمة جلسة العشرين من سبتمبر المقبل للنطق في القضية التي يحاكم فيها 79 متهما من قيادات وعناصر جماعة الإخوان، ووفق المادة 155 من الدستور المصري يحق لرئيس الجمهورية في حالة صدور حكم نهائي بالإعدام إصدار قرار العفو عن العقوبة كليا أو تخفيف الحكم فيها بعد أخذ رأي مجلس الوزراء.

وحال لم يصدر قرار بعفو رئاسي للمتهم بإلغاء العقوبة أو تخفيفها خلال فترة 14 يوما، يتم تحديد موعد تنفيذ الإعدام بقرار من النيابة العامة وتقوم مصلحة السجون في وزارة الداخلية بتنفيذ الحكم.

لم تتوان السلطات المصرية في تنفيذ أحكام بالإعدام صادرة في حق عناصر منتمية إلى جماعة الإخوان في أوقات كانت الجماعة خلالها أكثر تماسكا مقارنة بوضعها الآن، حيث لم تكن وصلت بعد إلى مرحلة فقدان دعم حلفائها بالخارج، كما جرى في فبراير 2019 عندما أُعدم تسعة مصريين أُدينوا باغتيال النائب العام المصري هشام بركات عام 2015.

يكمن الفرق بين الإعدامات السابقة التي تم تنفيذها بحق عدد من القيادات المنتمية إلى التيار الإسلامي أنها خلت من قيادات كبيرة، ما يجعل المقارنة بينها وبين ما يجري الحديث بشأنه حاليا مختلفا، حيث تشمل القائمة الجديدة (ثمانية قيادات) المرشد وعددا من كبار معاونيه.

السياق القضائي أولا

لا مفر من المحاسبة
لا مفر من المحاسبة

تحرص السلطات المصرية على التعامل مع هذا الملف في سياقه القضائي، رافضة ضغوط المنظمات الدولية وما يروج له نشطاء جماعة الإخوان بالخارج من دعاية سلبية، مؤكدة نزاهة القضاء وعدم تسييسه، وعلى أن أحكام الإعدام لم تصدر إلا بعد جلسات محاكمة مطولة.

يدعم الوضع الداخلي الحالي مسار استكمال تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحق قادة الإخوان حتى لو وصلت إلى الإعدام، حيث كشفت التطورات بشأن انخراط قوى المعارضة الوطنية في فعاليات الحوار الوطني أن التمرد السابق على حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي لم يكن من جانب قوى سياسية تختلف في الرؤى والبرامج ووجهات النظر السياسية، إنما من طرف منظمات إرهابية مدعومة وممولة من الخارج.

لكن ذهب البعض من المراقبين إلى القول إن آثار الأزمة الاقتصادية ومعاناة عدد كبيرمن المواطنين بسبب غلاء الأسعار وتراجع قيمة العملة المحلية قد تدفع باتجاه تقديم تنازلات للجماعة التي تستغل الأوضاع لتشكيل رأي عام مناهض لسياسات القاهرة، ما يمكنها من رفع أسهمها لتتمكن من الولوج إلى المشهد المصري مجددا ومحاولة نزع فتيل ورقة الإعدامات.

لا تتماسك هذه الفرضية أمام المحددات العامة التي شكلت طرق تعامل النظام المصري مع ملف الإخوان، في مقدمتها عدم الرضوخ لضغوط الجماعة وحلفائها، معتبرا أن منجز القضاء على الإرهاب أهم ركائز شرعيته الشعبية، ولا يصح التشويش عليه عبر حديث عن تنازلات وهمية لجماعات على صلة مباشرة وغير مباشرة بملف الإرهاب.

يضع النظام المصري القضاء على خطر الإرهاب والحفاظ على تماسك الدولة ووحدة ترابها وقوة مؤسسة الجيش في مقدمة إنجازاته، في ظل ما تعانيه شعوب المنطقة من جراء تفكك دولها وانهيار العديد من جيوشها والدخول في صراعات وحروب أهلية.

ولا تتعلق خطط التعامل مع الإخوان قضائيا فقط بتنفيذ عناصرها لبعض عمليات الاغتيال والتفجير ولا تقتصر على ضلوعها في أحداث فض اعتصام ميدان رابعة عام 2013 وما تبعه من تداعيات وأعمال عنف، بل تتصل أيضا بما تدركه الأجهزة المصرية من حقائق بشأن العلاقة المباشرة للجماعة بأحداث الإرهاب التي امتدت سنوات في سيناء حتى تمكنت أجهزة الأمن من تقويضها وكسر شوكة العناصر الإرهابية هناك.

روابط مع الإرهابيين

جرائم الإخوان
جرائم الإخوان

تأسست في عمق هذه المعادلة علاقات بين الإخوان وتنظيم داعش بعد العام 2013، بما أفضى إلى سلسلة هجمات استهدفت الكنائس وعددا من مديريات الأمن بالمحافظات، أسهمت في مضاعفة قدرة خلايا الجماعة السرية مثل “حسم” و”لواء الثورة” على تصنيع متفجرات وتنفيذ اغتيالات.

أظهر سير الأحداث بين عامي 2014 و2017 وجود تداخل تنظيمي حركي بين داعش والإخوان، وهو ما أكده مقتل عناصر تنتمي إلى الجماعة وسط خلايا داعش، مثلما حدث عندما اقتحمت القوات المصرية معسكرا لداعش في مدينة الإسماعيلية (شرق قناة السويس) منتصف 2017.

وبث عدد من نشطاء الإخوان فيديوهات مصورة يعلنون فيها مبايعتهم لخليفة داعش والانضواء في صفوف التنظيم الإرهابي في منطقة سيناء، ومنهم عمر الديب نجل القيادي بالإخوان إبراهيم الديب، فيما كانت منافذ الجماعة الإعلامية تروج لاختفائهم قسريا.

يكتسب موقف الدولة المصرية قوته من تحقيقها الانتصار الميداني على الإرهاب وعجز الإخوان عن إحياء هذا النشاط والتحول إلى مؤثر وفاعل سياسي والتعاطف الشعبي مع ضحايا العمليات الإرهابية من عسكريين.

يزداد في المقابل موقف جماعة الإخوان ضعفا من جراء التطورات الإقليمية التي سادتها أجواء المصالحة والتقارب بين كل من قطر وتركيا ومصر، كما انضمت إيران مؤخرا إلى هذا المسار، وهي إحدى أهم الدول الداعمة لتيار الإسلام السياسي في المنطقة.

ويدفع مناخ التقارب بين السعودية وإيران وعودة سوريا إلى الجامعة العربية إلى فتح الطريق أمام عودة العلاقات بين القاهرة وطهران، التي أسهم نظامها والميليشيات المسلحة التابعة لها في تقوية شوكة جماعة الإخوان بمصر خلال الفترة التي أعقبت انتفاضات عام 2011.

ويحرم تخلي المزيد من الحلفاء عن جماعة الإخوان تنظيمها من الأوراق التي كانت تملكها في ما يتعلق بالضغوط التي كانت تمارسها من الخارج.

تقود التحالفات المتغيرة في المنطقة إلى وضع غير مؤات لجماعة الإخوان المصنفة إرهابية في مصر وفي العديد من الدول العربية، خاصة وأن وضع مصالح الدول والقوى الفاعلة في الإقليم بالمقدمة من شأنه تعقيد أزمة منظمات تيار الإسلام السياسي كما يضاعف من عزلة جماعة الإخوان.

محدد الصراعات الداخلية

ثث

تفتقر الجماعة القدرة على اتخاذ موقف موحد حيال الأوضاع في مصر وسط انقسامات وصراعات داخلية يمكن أن تعصف بها، وهو ما أضعف كل المبادرات والتصورات التي طرحتها أجنحتها المتنازعة سواء الخشنة أو المرنة التي تعرض تنازلات مقابل الحصول على مكاسب خاصة في ملف القيادات المسجونة تمهيدا للإفراج عنها.

يضاف تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة بحق القيادات إلى العوامل التي تهدد عملية التأسيس الثالث للجماعة التي يقودها القائم الجديد بأعمال المرشد صلاح عبدالحق، حيث تمثل قيادات السجون (القدامى) عنصرا وازنا في تحديد مستقبل الجماعة وترجيح كفة أحد الأجنحة على الأخرى.

وإذا نُفذت أحكام الإعدام الجديدة ولم تنجح القيادة الحالية في التوصل إلى صفقة سياسية مع النظام المصري حول استصدار عفو رئاسي بشأنهم، فإن هذا بمثابة خيبة أمل مضافة إلى شباب الجماعة المحبط.

ويدفع فشل قيادة الجماعة في إنقاذ قادة السجون إلى مضاعفة نفوذ الجناح القطبي الذي شكل في السابق اللجان النوعية المسلحة، ويروج هذا الجناح للحلول الخشنة في وقت لم تُجدِ فيه الحلول السلمية ومبادرات التنازل ولم تحلحل أي ملف من ملفات الأزمة في ما يتعلق بالقادة المسجونين.

6