ضياء رشوان إعلامي مصري بسبع صنائع والبخت غير ضائع

إعلامي محسوب على النظام وصديق للمعارضة منسقا للحوار الوطني.
الأحد 2023/05/14
إعلامي يجيد التعامل مع القضايا الشائكة

القاهرة- يتداول مصريون مثلا شعبيا رائجا حول من يشغل مناصب عديدة يقول: “سبع صنايع والبخت ضايع”، في إشارة إلى بؤس من يعمل في وظائف أو يشغل مهام متعددة في آن واحد، فهو لن يحسن التدبير والتوفيق ومصيره الفشل.

هناك شخص يعرفه المصريون الآن يشغل أو شغل في وقت واحد سبع وظائف مرموقة وبخته أو نصيبه أو حظه لم يكن ضائعا، على العكس حقق نجاحات متفاوتة، ولا يزال يمارس نشاطه العام بتفوق ويحظى بثقة من قبل النظام المصري ومعارضيه، وهي واحدة من المرات النادرة التي تحدث أن توجد شخصية عامة عليها إجماع كبير من الجانبين ومن يختلفون معها لا ينكرون تقديرهم السياسي لها.

هو ضياء رشوان المنسق العام للحوار الوطني، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، نقيب الصحافيين السابق، مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية سابقا ومستشاره حاليا، مقدم برنامج رئيسي على قناة (ETC)، كاتب ومحلل سياسي، وعضو المجلس الأعلى لمواجهة الإرهاب الذي يرأسه الرئيس عبدالفتاح السيسي.

هذه وظائف معلنة يشغلها رشوان أو شغلها حتى وقت قريب، وجميعها تحتاج إلى جهد كبير، قد يحسده كثيرون عليها ويتساءلون كيف يستطيع التوفيق بينها، ومن أين يأتي بالوقت اللازم للقيام بها، وغيرها من التساؤلات التي تدار في مثل هذه الأمور، فهو ليس رجلا خارقا، لكنه يجيد التعامل مع القضايا الشائكة، وهي ميزة فائقة جعلته محل تقدير من مؤيدين ومعارضين في مصر، وأهلته ليكون واجهة سياسية للحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس السيسي منذ عام ووجد تجاوبا لافتا.

تجاوب وتطمينات

◙ ضياء رشوان يجيد التعامل مع القضايا الشائكة وهي ميزة فائقة جعلته محل تقدير من مؤيدين ومعارضين في مصر
ضياء رشوان يجيد التعامل مع القضايا الشائكة وهي ميزة فائقة جعلته محل تقدير من مؤيدين ومعارضين في مصر

بدا تجاوب المعارضة على قدر من الحماس، جزء منه يعود إلى تطمينات رسمية اعتاد رشوان تقديمها لقوى وأحزاب وشخصيات معارضة لمنع انفراط عقد حوار واجه تحديات جسيمة على مدار العام الماضي، بينها تشكيك في جدواه وتهديدات صارمة بانسحاب الحركة المدنية الديمقراطية منه، والتي تمثل عصب المعارضة.

وتثق السلطة المصرية برشوان كثيرا إلى درجة أنها اختارته رئيسا للهيئة العامة للاستعلامات، وهي جهة مسؤولة عن عمل الإعلام الأجنبي في مصر والتواصل معه، وتقديم المعلومات والبيانات اللازمة لمن يحتاجها؛ بمعنى آخر هي مسؤولة عن رسم صورة الدولة المصرية في الخارج، وهو ما حاول رشوان القيام به خلال بداية عمله في يونيو 2017، والذي طغى عليه النشاط الواضح.

فتر النشاط قليلا لأسباب غير معلومة، لكن بعض المتابعين يقولون إن الأمر مفهوم، فالرجل لديه من الذكاء السياسي ما يكفي لجعله يفرمل تحركاته ويكبح أحلامه في مسألة الحرية الكاملة أمام الإعلام الأجنبي، لأن هناك من يتقاطعون معه في هذه المهمة، وثمة جهات أمنية لديها حسابات دقيقة ولا تميل نحو الانفتاح أكثر من اللازم.

حافظ رشوان على قدر مقبول من دور الهيئة، غير أن التعاون بينها وبين الإعلام الأجنبي على الرغم من اكتسائه بروابط معنوية جيدة، إلا أنه في المضمون جاء أقل من التطلعات التي رأت أن بإمكانه خلق حالة تنسيق جيدة، ربما لأن قيود البيروقراطية في مصر ومفهومها للحرية كبّلت تحركاته أو أن جهات أخرى تعتقد أن الإعلام الأجنبي لن يكون راضيا في كل الأحوال وستتواصل انتقاداته، فلا داعي للتعاون معه.

اجتهد رشوان في هذه الزاوية وأصاب وأخطأ، واحتفظ بقدر كبير من احترام المسؤولين عن الإعلام الأجنبي، والذين فهم غالبيتهم أن الأمر يتجاوز اختصاصاته، فبقيت العلاقة باردة حينا وفاترة أحيانا دون وجود ما يعكرها تماما بين الطرفين، لأنه كنقيب للصحافيين أكثر من مرة يجيد التعامل مع كل وسائل الإعلام، فالنقابة مظلة ينطوي تحتها كل العاملين في الصحافة المحلية والأجنبية من المصريين داخل البلاد.

ومكنته مروحته الثقافية من أن يصبح محل توافق كبير بين كافة التوجهات السياسية التي يحملها الصحافيون في مصر، من أقصى اليمني إلى أقصى اليسار، فكل من انتخبه أو لم ينتخبه ملزم بالتعامل معه كنقيب للجميع، وهو كذلك، وأظهر هذا المنصب الشرفي الذي شغله رشوان لمدة ست سنوات متفرقة حجم ما يتمتع به من مرونة سياسية، فهو مع السلطة عندما يجدها على حق وضدها عندما تجور على حقوق الصحافيين.

لم يكن ضياء رشوان صداميا في السياسة أو عنيفا في العداوة، هو حالة بينهما بكل ما تحمله هذه الصيغة الوسط من محاسن، أهمها تبعده عن الخصومة الفاجرة، وهي الصفة التي أهلته ليصبح منسقا عاما للحوار الوطني لاحقا وتعول عليه السلطة والمعارضة في التوصل إلى رؤية جامعة للإصلاح مطلوبة سياسيا واقتصاديا ومجتمعيا.

يأخذ خصوم رشوان عليه الجانب التوفيقي المطاط أحيانا، والذي أدى إلى صعوبة القطع بأنه رجل النظام المصري أو الوثوق في أنه ينحاز لصف المعارضة، ويرون أن موقفه الليّن من الجانبين لا يتناسب مع مسيرته السياسية، حيث بدأ ناشطا يساريا، وكانت له مواقف معارضة واضحة ضد الحزب الوطني (المنحل) الذي حكم طوال عهد الرئيس الأسبق الراحل حسني مبارك.

◙ من المرات النادرة التي تحدث أن توجد شخصية عامة عليها إجماع كبير من الجانبين ومن يختلفون معها لا ينكرون تقديرهم السياسي لها

مفارقات عديدة

يتذكر من يعرفون تاريخه السياسي مفارقات عديدة في معارضته للحزب الوطني، أبرزها أنه ابن الراحل وعضو البرلمان عن الحزب الوطني نحو عشرين عاما يوسف رشوان، مع ذلك لم يتورع عن توجيه انتقادات حادة للحزب الحاكم حينذاك، ما كان يحرج والده دوما، وتحول إلى محل تندر من بعض السياسيين.

ولذلك لا يستغرب من يعرفون مواقف ضياء الحالية، وكأنه وصل إلى قناعة بصعوبة تبني مواقف حدية في السياسة، وهو ما أدى إلى تبنيه منهجا توفيقيا يراه منتجا.

يمكن القول إن التيار الوحيد الذي على خصومة شديدة مع رشوان هو التيار الإسلامي، خاصة طيفه الإخواني، فقد تخصص مبكرا في مجال الحركات الإسلامية ورصد تصرفاتها الإرهابية، وهو من الرواد في هذا التخصص الدقيق، والذي لم يكن مطروقا بكثافة في المنطقة العربية، فمنذ منتصف الثمانينات في القرن الماضي ورشوان يتابع هذا الملف جيدا، أي منذ صعوده ثم انتشاره على الساحة العربية والعالمية.

يعد ملف الحركات الإسلامية المفتاح الذي مهد الطريق أمامه كباحث ومحلل وكاتب وإعلامي، وتزامنت ذروة صعود الرجل علميا مع صعود الإخوان سياسيا، ولم يتورع عن توجيه انتقادات للجماعة وطموحاتها في السلطة، بما دفعها إلى استهدافه والتشكيك في تحليلاته بعد إشادات لافتة بموضوعيته، فهو أحد أهم المتخصصين في رصد الإسلام السياسي، ومن خبروا مفاتيحه جيدا وتمكنوا من فضح خطابه المراوغ.

أهّلته هذه الخبرة لاختياره عضوا في المجلس الأعلى لمواجهة الإرهاب، ويضم نخبة من الخبراء الأمنيين والمتخصصين في دراسة الظاهرة الإسلامية، وسطع نجم المجلس عندما اشتدت الحرب على الإرهاب وعبثت أياديه بقسوة في سيناء، والآن لم يعد كثيرون يسمعون عن دور ملموس له بسبب انخفاض حدة المخاوف من المتطرفين والإرهابيين بعد كسر شوكتهم الأمنية والاقتصادية والسياسية.

جيل بعد جيل

◙ الإخوان التيار الوحيد الذي على خصومة شديدة مع ضياء رشوان
الإخوان التيار الوحيد الذي على خصومة شديدة مع ضياء رشوان

مثّل عمل رشوان في مركز الأهرام منذ بداية تخرجه في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة عام 1981، نقلة نوعية له، حيث كان المركز في ذلك الوقت منارة للبحث العلمي في مجال الدراسات السياسية واستقطب نخبة من الجادين، وكان يتبنى باحثيه ويساعدهم ويشجعهم على تأهيلهم علميا، وهو ما دفع رشوان للسفر إلى فرنسا والحصول على درجة الماجستير من جامعة السوربون ثم شغلته الحياة في مصر عن استكمال الدكتوراه.

عاد إلى مركز الأهرام وواصل اهتمامه بإخضاع الظاهرة الإسلامية لمزيد من التحليل هو ورفيقاه نبيل عبدالفتاح وعمرو الشوبكي، إلى أن تشكل جيل آخر جاء من بعدهم يسير على الطريق نفسه.

مع أن التكوين الشخصي لرشوان لا يميل إلى تقلد الوظائف الرسمية، غير أنه اختير ليكون مديرا لمركز الأهرام عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 كنوع من الدفع بدماء جديدة تتماشى مع المد الثوري، وباعتبار أن رشوان كان من معارضي نظام مبارك الذي أسقطت ثورة يناير حكمه، وتأكيد أن هناك جيلا جديدا عليه أن يتبوأ المسؤولية في مجالات مختلفة.

◙ السلطة المصرية تثق برشوان كثيرا إلى درجة أنها اختارته رئيسا للهيئة العامة للاستعلامات، وهي جهة مسؤولة عن عمل الإعلام الأجنبي في مصر

مضت رئاسته للمركز بكل ما حوته من تطورات، لكنه كان في الفترة التي قضاها في هذا المنصب في قمة انخراطه في العمل العام، ما يراه البعض من القريبين منه أشبه باستنزاف للجهد والوقت بعيدا عن البحث العلمي، فقد غلب السياسي هنا عند رشوان على الباحث، وهذه الغلبة مهدت له الطريق لتولي منصب نقيب الصحافيين والهيئة العامة للاستعلامات والمنسق العام للحوار الوطني وغيرها من المناصب الشرفية، والتي تحتاج إلى مؤهلات سياسية أكثر منها بحثية.

لا يختلف كثيرون على شخصية رشوان، فهو مريح لمن يؤمنون بقدراته ويسندون له مناصب، ومن يختلفون معه حول قضايا سياسية بعينها، فلديه من الديناميكية ما يبعد كليهما عن الانزعاج، ومن القناعة الشديدة بوجود مساحة مشتركة يمكن البناء عليها لا يجب ضياعها، طالما أن الهدف النهائي هو الحفاظ على وحدة الوطن والدفاع عن مقدراته والاختلاف في الوسائل والأدوات لا يعني التباعد.

يعيش الباحث والنقابي والسياسي ضياء رشوان مرحلة فارقة الآن، فمهما كان حجم دوره كمنسق في الحوار الوطني، فهو الواجهة للسلطة والمعارضة، وعليه أن يدير دفة الحوار بما يفضي إلى الوصول إلى نتيجة تهيئ الدولة للانتقال إلى مرحلة جادة من الإصلاحات والاستفادة من قدراته في الحصول على صيغة مشتركة تقود البلاد إلى تدشين الجمهورية الجديدة التي تستوعب الجميع، وبما يتناسب مع أهداف النظام الحاكم وأمنيات المعارضة، لأن عكس ذلك يعني فشل الحوار والغضب ممن شاركوا فيه وكانوا مسؤولين عن تنظيمه وترتيب جدول أعماله، وفي مقدمتهم منسقه العام ضياء رشوان.

خصوم رشوان يأخذون عليه الجانب التوفيقي المطاط

 

7