التزييف العميق: تقنيات مفيدة أم تهديد

تزايد استعمال الذكاء الاصطناعي للتضليل والتلاعب السياسي.
الأحد 2023/03/19
مقدم تلفزيون من طينة الروبوتات

يستخدم الذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات ومنها إنشاء مقاطع فيديو وصوت مزيفة تبدو وكأنها حقيقية بشكل كامل من خلال التركيز على تحليل الوجوه والأصوات والحركات والتعابير البشرية لاعتمادها في صناعة الأفلام والتلفزيون وألعاب الفيديو. ولكنها تثير قضايا حول استخدامها في الأخبار المزيفة والتضليلية لتحريف الحقائق وخداع الجمهور والتلاعب السياسي، من ذلك مقاطع نشرت مؤخرا مؤيدة للسلطات الفنزويلية على أنها نوع من النشرات الإخبارية.

كراكاس - "هل صحيح أنّ فنزويلا بلد فقير؟”، يسأل مذيع أشقر في مطلع أحد التقارير. هو ليس صحافيا ولا حتى إنسانا، بل شخصية رمزية أُنشئت استنادا إلى تقنية الذكاء الاصطناعي وتستخدم بصورة متزايدة بهدف نشر المعلومات المضللة. وأشير إلى هذه التقارير الخاطئة المؤيدة للسلطات الفنزويلية على أنها نوع من النشرات الإخبارية، فيما أثارت عقب انتشارها كمقاطع إعلانية عبر مواقع التواصل، جدلا واسعا.

وليست هذه التقارير المضللة فريدة، إذ قالت المتخصصة في تكنولوجيا الإعلام لدى منظمة “ويتنس” غير الحكومية شيرين أنلين إنّ “مناطق متزايدة تنظر إلى التزييف العميق أو ما يُعرف بـ’ديب فايك’ والمقاطع الصوتية والبصرية التي يجري إنشاؤها استنادا إلى الذكاء الاصطناعي، على أنها تمثل تهديدا". وفي فبراير الماضي، انتشر عبر مواقع التواصل مقطع فيديو مزيّف للرئيس الأميركي جو بايدن يحذر فيه من “تهديد لكائنات فضائية”.

وخلال العام الماضي، انتشر في الإنترنت أيضا مقطع فيديو مركّب يظهر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وهو يتعاطى الكوكايين، بالإضافة إلى مقطع آخر لنجم موسيقى الراب إيمينيم وهو يهاجم الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور. وهذان المقطعان المزيّفان أُنشِئا من خلال تقنية الذكاء الاصطناعي.

قناة رسمية بثت أحد تقارير "هاوس أوف نيوز" لتفاخر بـ"النجاح" الذي حظيت به بطولة إقليمية للبيسبول أُقيمت في فنزويلا
قناة رسمية بثت أحد تقارير "هاوس أوف نيوز" لتفاخر بـ"النجاح" الذي حظيت به بطولة إقليمية للبيسبول أُقيمت في فنزويلا

وبالعودة إلى تقارير فنزويلا المعنونة “هاوس أوف نيوز إسبانيول”، فإن شخصياتها الرمزية ابتُكرت عبر استخدام برنامج “سينثيسيا”، وهو برنامج للذكاء الاصطناعي يستخدم لإنشاء مقاطع فيديو بمظهر طبيعي لشخصيات افتراضية تتحدث بلغات مختلفة وتتحرك بشكل واقعي.

ويستخدم البرنامج تقنية التعرّف على النصوص وتجسيد الخطاب حيث يتم تحويل النص المكتوب إلى صوت يتم تجسيده بشكل واقعي على وجوه الشخصيات الافتراضية في الفيديو. ويمكن استخدام برنامج “سينثيسيا” في مجالات متعددة مثل التعليم والإعلانات وتطوير الألعاب الإلكترونية، حيث يتيح إنشاء محتوى فيديو بجودة عالية وبتكلفة أقل مقارنة بإنتاج محتوى فيديو بشخصيات حقيقية. وأخطرت شركة “سينثيسيا” يوتيوب بوجود هذه المقاطع المضللة فما كان من المنصة إلا أن حذفتها.

ولم ترغب الناطقة باسم “سينثيسيا” لورا موريلي في التطرق إلى هوية المستخدم المسؤول عن نشر التقارير، لكنها أكّدت أنّه “حُظر” من المنصة بسبب “انتهاك شروط الاستخدام وسياساته”، وأضافت “إذا انتحل أيّ فرد شخصية صحافي وبث أخباراً فسيُمنع من استخدام المنصة”.

وشخصيتا نواه الأشقر ودارن الأسود الرمزيتان اللتان ظهرتا في تقارير “هاوس أوف نيوز” هما ضمن مجموعة “سينثيسيا” المؤلفة من 93 شخصية رمزية. وكانت الشخصيتان استُخدمتا في يناير في مقاطع فيديو لأشخاص يُزعم أنهم أميركيون يدعمون انقلابا في بوركينا فاسو.

وحذّر المتخصص في المعلوماتية والأستاذ في جامعة لاكورونا في إسبانيا إدواردو موسكيرا من أنّ “هذا النوع من البرامج يمكن أن يستخدمه أيّ شخص لديه حد أدنى من المعرفة”. وقال موسكيرا “ليس من الصعب اكتشاف أنّ مقطع الفيديو مركّب”، مؤكدا في المقابل صعوبة تحديد الجهة التي أنشأته. وأضاف “إذا اتّخذ منشئو شريط الفيديو أدنى تدابير الحذر، فأعتقد أن التوصل إلى تحديد هوياتهم مهمة مستحيلة”.

وبثت قناة “في تي في” الفنزويلية الرسمية أحد تقارير “هاوس أوف نيوز” لتفاخر بـ”النجاح” الذي حظيت به بطولة إقليمية للبيسبول أُقيمت للمرة الأولى في فنزويلا منذ تسع سنوات. ولفت التقرير إلى أنّ البطولة أدرّت الملايين من الدولارات، في حين لم ترد أيّ أرقام رسمية في هذا الشأن. واستند باري كارتايا، أحد مذيعي قناة “في تي في” ومن مؤيدي السلطات، على التقرير ليقول مباشرة عبر الهواء إنّ “هذه الأرقام ذُكرت في الولايات المتحدة ودول كثيرة من أميركا اللاتينية”.

وأثار الجدل القائم في شأن مصدر مقاطع الفيديو غضب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الذي أكّد أن لا علاقة للسلطات بها، وقال “إنّها لا تمثل ذكاء اصطناعيا بل ذكاء شعبيا”. وقال مازحا ومحاولا تقليد حركات الروبوتات “أنا روبوت”.

◙ "ميتا" فككت شبكات من الحسابات المزيفة بينها حسابات في كوبا لشخصيات مزيفة "لنشر انتقادات لمعارضي" السلطات الكوبية عبر فيسبوك
"ميتا" فككت مؤخرا شبكات من الحسابات المزيفة بينها حسابات في كوبا لشخصيات مزيفة "لنشر انتقادات لمعارضي" السلطات الكوبية عبر فيسبوك 

وقد قام المسؤولون الفنزويليون الموالون للرئيس نيكولاس مادورو باستخدام هذا الفيديو المزيف لتشويه صورة المعارض السياسي خوان غوايدو وزعزعة شعبيته. ولكن بعد ذلك، تم الكشف عن أن المقطع المزيف قد تم إنتاجه باستخدام التزييف العميق، وهذا أدى إلى زيادة القلق حول استخدام هذه التقنية للتلاعب بالسياسة والأحداث الحالية في العالم.

وتم استخدام التزييف العميق في فنزويلا سابقا لصورة غوايدو الذي يحظى بشعبية كبيرة في البلاد. وقد تم تداول مقطع فيديو مزور يظهر شخصاً يشبه غوايدو يقوم بإجراء اتصال هاتفي يطلب فيه مبلغا كبيرا من المال في صفقة افتراضية لشراء أسلحة. وفي فبراير الماضي، استخدم مذيع مزيّف آخر التكنولوجيا نفسها لنشر مقاطع فيديو دعائية مؤيدة للصين بعنوان “وولف نيوز”.

وقال جاك ستابس من أستوديو غرافيكا "هذه المرة الأولى التي نشهد فيها خطوة حكومية تستند إلى مقاطع فيديو تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي لإنشاء محتوى سياسي مضلل”. وفكّكت شركة “ميتا” خلال الأشهر الأخيرة شبكات من الحسابات المزيفة بينها حسابات في كوبا كانت تنشئ شخصيات مزيفة “لنشر انتقادات لمعارضي” السلطات الكوبية عبر فيسبوك، على ما أوضح المسؤول عن التهديد لدى "ميتا" بن نيمو.

وأشار إلى أنّ "عددا من الحسابات استخدم صورا ربما تم إنشاؤها باستخدام الذكاء الاصطناعي لأشخاص غير موجودين، وهو أسلوب يجري اللجوء إليه بصورة متزايدة". ورأى موسكيرا أنّه "مع تنامي التكنولوجيا، تتزايد سهولة برمجة الروبوتات لتظهر مماثلة للبشر عبر الشبكات الاجتماعية وتبث رسائل ترغب جهات معينة في إيصالها". وحذّر من التأثير القوي لـ"التزييف العميق" حتى لو ثَبُت لاحقاً أنّ المواد مضللة، وذكر مقولة للزعيم النازي جوزيف غوبلز تشير إلى أن "الكذبة التي تتكرر ألف مرة تصبح حقيقة".

13