أربعة تنظيمات متطرفة تظهر في مشهد التفجير الدموي ببيشاور

يضع تفجير بيشاور الذي تبنته حركة طالبان – باكستان حركة طالبان الأفغانية في إحراج مع حكومة اسلام اباد التي كانت تراهن عليها لمساعدتها على فك العزلة الدولية، خاصة في ظل وجود مؤشرات تقارب بين طالبان باكستان وتنظيمي داعش والقاعدة.
عزز إعلان حركة طالبان – باكستان مسؤوليتها عن التفجير الذي أسفر عن قتل وإصابة العشرات من الأشخاص تقديرات وتكهنات سابقة بشأن وجود علاقة قوية تربط بين الحركة الباكستانية بفرع داعش في أفغانستان والمعروف بـ”ولاية خراسان”.
وقبل أن تعلن الحركة مسؤوليتها عن التفجير الانتحاري الذي وقع الاثنين واستهدف مسجدًا داخل مقر للشرطة في شمال غرب باكستان، ظن البعض أن تنظيم داعش يقف وراء العملية، حيث أنها تحمل بصماته.
وتسهّل العلاقات المفترضة بين التنظيمين، أي طالبان باكستان وداعش خراسان، قيام الأخير بعمليات داخل الأراضي الباكستانية، حيث ينشط في نفس مواقع نفوذ طالبان بهدف إنهاك أجهزة الأمن في باكستان.
وخرجت العملية الأخيرة هجينًا بين أسلوب حركة طالبان – باكستان التي اعتادت مهاجمة قوات الأمن والشرطة وطريقة داعش المتخصصة في التفجيرات الانتحارية بالمساجد، حيث يقع المسجد المستهدف بالقرب من مجمع سكني لعناصر الشرطة في مدينة بيشاور.
طالبان الأفغانية لم تعد تملك رفاهية البقاء في المنطقة الرمادية في ظل تدهور الأوضاع والحاجة إلى دعم باكستان
وتطل حركة دينية أخرى بقوة في مشهد التفجير الدموي بمسجد بيشاور وهي طالبان الأفغانية التي تسيطر على الحكم في كابول، إذ تجد نفسها في ورطة حقيقية بعد استئناف نسختها الباكستانية القتال عبر عملية موجعة، من شأنها إنهاء الجدل الدائر حول ما إذا كانت طالبان – باكستان وإسلام آباد سوف يعودان إلى الهدنة بينهما من عدمه.
واستفادت طالبان الأفغانية من اتفاق الهدنة الذي شمل وقف إطلاق النار منذ يونيو الماضي، أي بعد نحو شهر تقريبًا من تنصيب حكومة شهباز شريف في كابول، والتي يهمها عدم إثارة غضب جارتها وتحاشي ممارسة ضغوط على نسختها الباكستانية في الوقت نفسه.
وجاء تفجير بيشاور ليعصف بجهود طالبان الأفغانية في الوساطة والتهدئة وثبّت عملية إلغاء هدنة أعلنتها حركة طالبان – باكستان في ديسمبر الماضي.
وسبقت هذه العملية هجمات أخف قوة، من ضمنها إعلان طالبان – باكستان مسؤوليتها عن قتل ضابطين في وكالة الاستخبارات الباكستانية، وشن هجوم أسفر عن مقتل ستة من ضباط الشرطة في خيبر بختونخوا مؤخرا.
ويمثل هذا التطور عبئًا مضافًا على حركة طالبان الأفغانية، حيث تعتقد إسلام آباد أن الحركة المسيطرة على الحكم تستخدم طالبان – باكستان كورقة ضغط عليها في ملفات عديدة.
وتحفظت طالبان الأفغانية على السياج الحدودي الذي أقامته إسلام آباد على أساس خط “دوراند” بهدف منع تحركات عناصر طالبان – باكستان، على خلفية إسهامه في تقسيم القبائل البشتونية.
وعكست تصريحات بعض المسؤولين في إسلام آباد جانبا من التوتر بين باكستان وأفغانستان، والتي حملت انتقادات للأوضاع في الدولة التي تدير أجزاء كبيرة فيها طالبان، ودعت التصريحات إلى تشكيل حكومة أفغانية شاملة، مع ضرورة مراعاة حقوق المرأة والحريات.
وانتقد وزير خارجية باكستان العزلة الاقتصادية والحرمان في أفغانستان منذ استيلاء طالبان على السلطة، حيث يؤديان إلى تغذية الاستبداد والتطرف.
وحمّل وزير الداخلية الباكستاني طالبان في كابول مسؤولية تحويل أفغانستان إلى ملاذ للمسلحين، على الرغم من إعلان مسؤولين في طالبان أنهم سيمنعون انطلاق الهجمات من أراضيهم.
وصرح ذبيح الله مجاهد المتحدث الرسمي باسم حكومة طالبان “أنهم مصممون على معالجة المخاوف الأمنية لجيران أفغانستان وسوف يعتقلون بتهمة الخيانة كل شخص يستخدم الأراضي الأفغانية ضد باكستان”.
وتتوخى طالبان كابول عدم إثارة ضغينة إسلام آباد، فهي في حاجة إلى مساعدتها في الحصول على الاعتراف الدولي بحكمها، ما يلقى استجابة باكستانية، إذ تحرص إسلام آباد على ألا تميل كابول لخصمها التقليدي الهند.
وقبل التفجير الانتحاري في بيشاور كانت حركة طالبان (أفغانستان) تقف في المنتصف بين نسختها الباكستانية وحكومة إسلام آباد.
وتعهد زعيم شبكة حقاني سراج الدين حقاني بحركة طالبان – باكستان بعدم قبولها الضغوط التي تمارس عليها للتفاوض مع الحكومة الباكستانية، مع أن الشبكة تحتفظ بعلاقات جيدة مع المؤسسة العسكرية في باكستان.
ولم تعد طالبان الأفغانية بعد التفجير الانتحاري المؤلم تملك رفاهية البقاء في المنطقة الرمادية، في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في أفغانستان والحاجة إلى دعم باكستان، ما يجبرها على وقف دعم نسختها الباكستانية وتوفير الغطاء السياسي والأمني لها في مواجهة إسلام آباد.
وتحتاج طالبان الأفغانية إلى نجاح انتقالها من حركة متمردة إلى حكومة لتتمكن من إدارة الدولة وتحقيق توافق في الآراء بشأن الإدارة الاقتصادية للدولة وإنهاء الانقسام بين المتشددين والنفعيين داخلها.
ولن يتحقق هذا إلا بالتخفف إلى الحد الأدنى من علاقاتها مع الحركات والتنظيمات المتمردة، مثل طالبان – باكستان، والقاعدة، مقابل تدعيم صلاتها وعلاقاتها بدول وحكومات مجاورة.
وعلى الرغم من التقارب الأيديولوجي بينهما، تتخوف طالبان الأفغانية من أن تنقلب طالبان – باكستان عليها في ظل تمتعها بنفوذ كبير وسط القبائل البشتونية.
وليس من مصلحة طالبان – أفغانستان مواصلة دعم نظيرتها في باكستان المصنفة أميركيًا على قوائم الإرهاب، مع ارتياب المجتمع الدولي في نواياها بعد تبين احتضانها لزعيم تنظيم القاعدة، والتنصل من تعهدها السابق بعدم السماح باستخدام أراضيها لمهاجمة دول مجاورة.
وتجد طالبان الأفغانية نفسها مدفوعة نحو ممارسة نفوذها لدى نسختها الباكستانية، وضرورة توظيف تقاربها مع السلطات في إسلام آباد لإعادة الطرفين إلى مسار التفاوض لإقرار اتفاق هدنة جديد.
ويصب وقف التصعيد حاليا في مصلحة طالبان – باكستان لتفادي ردات فعل قاسية من قبل القوات الباكستانية على التفجير الانتحاري الأخير الذي بدا محاولة من الحركة الباكستانية لإجبار إسلام آباد على الجلوس إلى طاولة التفاوض وفق شروطها. ومع كل ما تشكله من تهديد أمني، إلا أن طالبان – باكستان ليست قوية بما يكفي للمزيد من التصعيد وتطوير المواجهات مع القوات الباكستانية.
وتحتاج طالبان الأفغانية إلى تثبيت التهدئة وإقرار هدنة عاجلة، لأن فتح الباب أمام التصعيد سوف يكرس الخلل الأمني في أفغانستان التي تعجز حكومتها عن فرض منطق الدولة على التنظيمات الناشطة فوق أراضيها.
ويدفع فشل طالبان الأفغانية في التقريب بين الطرفين نسختها الباكستانية إلى التوجه نحو أحضان تنظيم رابع يطل في المشهد، وهو القاعدة، في ضوء تقارير تحدثت عن مساعدته طالبان – باكستان في محاولة لاستجماع قوى التنظيم التي سادت في مرحلة سابقة.
طالبان- باكستان ليست قوية بما يكفي لمزيد من التصعيد وتطوير المواجهات مع القوات الباكستانية
ويجد تنظيم القاعدة وحركة طالبان – باكستان نفسيهما في خندق واحد لمواجهة استهداف وهجمات منسقة وشراكة مخابراتية بين الولايات المتحدة وباكستان ضدهما وضد كوادرهما. ولعبت شبكة تنظيم القاعدة في وزيرستان دورًا مهمًا في استمرار وبقاء فاعلية طالبان – باكستان في مناطق الحدود القبلية الأفغانية – الباكستانية.
وبعد أن طرأ الضعف على تنظيم القاعدة وتراجع الوجود الإستراتيجي في مناطق الحدود القبلية عقب نقل جزء كبير من مقاتليه إلى سوريا فقدت طالبان – باكستان جزءًا مهمًا من التمويل ومصادر الدعم العملياتي.
ولا يقتصر تعاون واشنطن وإسلام آباد على الهجوم الذي أودى بحياة زعيم القاعدة أيمن الظواهري، إنما هناك هجمات مشتركة ضد أهداف أخرى خطيرة، من بينها تنظيم القاعدة في ولاية هلمند وولاية كونر.
ومن المرجح أن يلعب القاعدة دورا في مختلف الأنشطة الإرهابية في المنطقة التي تعد أحد أهم معاقله في العالم لتعويض فقدان بعض التنظيمات دعم طالبان في أفغانستان.
وترتبط حركة طالبان – باكستان بأشكال متباينة مع التنظيمات المتطرفة المسلحة والانفصالية الناشطة، وتمتلك حاضنة في المناطق الحدودية بين أفغانستان وباكستان، توفر لها مواقع صالحة للتدريب وإطلاق الهجمات.