السلطة الفلسطينية وإسرائيل: مثلث الاقتصاد والسياسة والأمن

المعضلة أن الاقتصاد الفلسطيني مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاقتصاد الإسرائيلي رغم محاولات الحكومات الفلسطينية الحثيثة للانفكاك الاقتصادي خاصة بعد قرارات المجلس المركزي الفلسطيني التي دعت إلى فتح بروتوكول "باريس الاقتصادي" مجددا.
الأربعاء 2023/01/25
سلطة فلسطينية ضعيفة

يستمر “اليمين المتطرف” الحاكم في إسرائيل باللعب على وتيرة إضعاف السلطة الفلسطينية كمنظومة حكم لتحويلها إلى مجرد هيكل فارغ سياسيا يؤدي خدمات بلدية وأمنية محدودة بسقف الحكم الذاتي بعيدا عن أي مقومات حقيقية لإقامة الدولة التي يسعى لها الفلسطينيون.

ومجدداً يتمرد الفلسطينيون على واقع الاحتلال الذي يسعى لترسيخ قيوده بفرض الأمر الواقع في الضفة الغربية وحصار قطاع غزة، ويلجأون إلى الأمم المتحدة “العقدة السياسية” لإسرائيل في علاقاتها مع المجتمع الدولي الذي أعلن تعامله الحذر مع حكومة اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو، فصوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح طلب فتوى من محكمة العدل الدولية بشأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، لتقرر الحكومة الإسرائيلية بعدئذ خمس عقوبات ضد السلطة الفلسطينية، لما اعتبرته حربا سياسية وقانونية على “دولة إسرائيل” يشنها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

الفلسطينيون يدركون حجم المعاناة جراء هذه العقوبات، والتي “تتشاطر” بها حكومات اليمين الإسرائيلي لمغازلة قواعدها الشعبية داخل إسرائيل. لكن في الوقت ذاته يدرك الفلسطينيون أن هذا “مدى” هذه الحكومات والتي لا تسعى لانهيار السلطة الفلسطينية بل إبقاءها ضعيفة ومغضوباً عليها شعبياً داخل أوساط المجتمع الفلسطيني.

لذلك تلجأ القيادة الفلسطينية وأجهزتها الحكومية للتقوقع بعيدا عن ضائقتها المالية، لتثبيت أركان الوضع القانوني والسياسي لمنظومة الدولة الفلسطينية التي تسعى لها عبر المؤسسات الدولية، في ظل الأزمات العالمية من جائحة كورونا وتأثيرها على ضعف الاقتصاد وحالة الركود، وحرب الروس على أوكرانيا والتي تسببت أيضا بشح إمدادات الطاقة والغذاء عالميا، وكان له أثر سلبي على المنح والمساعدات الدولية المقدمة للحكومة الفلسطينية، إذ تصرف هذه الحكومة منذ عام تقريبا 80 في المئة من رواتب موظفيها. ومن المرشح ارتفاع نسبة عجز صرف الرواتب بعد العقوبات الإسرائيلية الأخيرة.

◙ مجدداً يتمرد الفلسطينيون على واقع الاحتلال الذي يسعى لترسيخ قيوده بفرض الأمر الواقع في الضفة الغربية وحصار قطاع غزة، ويلجأون إلى الأمم المتحدة “العقدة السياسية” لإسرائيل

المعضلة أن الاقتصاد الفلسطيني مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالاقتصاد الإسرائيلي، رغم محاولات الحكومات الفلسطينية الحثيثة للانفكاك الاقتصادي، خاصة بعد قرارات المجلس المركزي الفلسطيني والتي دعت إلى فتح بروتوكول “باريس الاقتصادي” مجددا، وأعادته على طاولة التفاوض بالاتفاق مع الفرنسيين، ليخلق اقتصادا فلسطينيا منافسا لاقتصاد إسرائيل من خلال إعادة ترتيب وتنويع وتوسيع قاعدة التجارة الخارجية الفلسطينية لكسر احتكار إسرائيل لهذا القطاع التجاري.

إضافة إلى ذلك، تتحكم إسرائيل بالحدود والمعابر وتحصيل أموال المقاصة والضرائب الفلسطينية، والتبعية النقدية وتبعية سوق العمل حيث يعمل ما يقارب ربع مليون مواطن فلسطيني داخل إسرائيل. وتمتلك إسرائيل بذلك أوراق ضغط سياسية اقتصادية، تضرب من خلالها إمكانية إقامة دولة فلسطينية، من خلال إضعاف الاقتصاد والتحكم بمقوماته، وجعله غير قادر على المنافسة، وتابعاً للاقتصاد الإسرائيلي، ولا يقتصر الأمر على هذا فقط، هناك أيضا اختلالات وتشوهات في الاقتصاد الفلسطيني سعت إسرائيل لتكريسها لجعل فرص إقامة الدولة الفلسطينية ضئيلة.

العلاقة الفلسطينية – الإسرائيلية مرتبطة بمثلث السياسة والأمن والاقتصاد، وكما يوجد تمرد سياسي في العلاقة مع الإسرائيليين تقوده القيادة الفلسطينية في أروقة الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها، يجب أن يوازيه تمرد اقتصادي من خلال انتهاج سياسات جديدة تؤثر بشكل مباشر في الاقتصاد الإسرائيلي، من خلال وقف الهيمنة الإسرائيلية على الاقتصاد الفلسطيني، وتقوية القدرات الذاتية له، باختزال الارتهان المعيشي الفلسطيني لإسرائيل، وتنويع العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية ودول العالم الخارجي، وكذلك تقليص قدرة إسرائيل على استغلال الاعتماد المفرط عليها لتمرير سياسة التعايش مع الإملاءات الاقتصادية والأمنية والسياسية الإسرائيلية والتأقلم معها.

9