الرئيس الضائع بين حانة ومانة

يبدو أنَّ عِبارة “الله لا يوفّقني” التي أطلقها محمد شياع السوداني رئيس وزراء العراق عند زيارته مُستشفى الكاظمية التعليمي في بغداد وانتقاده الوضع المُتردّي للخدمات فيها، كانت في لحظة استجابة السماء، والدليل أن حجم الأزمات التي وَرِثها في بِداية تسلّمه السُلطة بدأ يكبُر مثل كُرة الثلج، وكان عنوانها الأول أزمة ارتفاع الدولار، التي قد تُشعِل ثورة الجياع في البلد في قادم الأيام.
كما صَحّتْ توقعات الأغلبية الصامتة التي كانت تُراهن على صَمتْ زعيم التيار الصدري مُقتدى الصدر بأنّه لن يدوم طويلاً، وأنَّ المُواجهة المُؤجّلة إلى إشعارٍ آخر قادمة لا محالة، خصوصاً بعد دعوة أنصاره إلى صلاة جُمعة مُوحّدة في مُحافظاتهم التي يراها البعض أنها مُقدّمات لِفعل قد يُقدِم عليه الصدر، أو بداية للانتفاضة التي تفتح الباب على مِصراعيه في مُواجهة الإطار التنسيقي الذي استغل انسحاب الصدر من تشكيل الحكومة للاستئثار بها وبِمناصبها ووزرائها بعد انسحاب الفائز من ماراثون السياسة ومعه 73 نائباً يُمثّلونه في البرلمان العراقي، أو قد تكون لانتهاء مُدّة المئة يوم التي حدّدها الصدر لِمُراقبة أداء الحكومة.
◙ ذروة المشهد السياسي في العراق يبدو أننا اقتربنا منها كثيراً، خصوصاً مع تفاقم الوضع الاقتصادي للمواطن العراقي جرّاء ارتفاع الأسعار واليقين من عدم وجود حلول اقتصادية تلوح في الأفق
هل هي مُصادفة أو توقيت مُعيّن أو حتى رد فِعل لِقرار الصدر ذلك الموعد الذي حدّده الحِراك الشعبي لِجمهور الإطار التنسيقي لانطلاق تظاهُراته في نهاية يناير أمام أبواب وتحصينات السفارة الأميركية في بغداد، لِمنع التدخلات الأميركية في الشأن العراقي والمُطالبة بِخروج قواتها من الأراضي العراقية، وانضمام العراق إلى مُبادرة الحِزام والطريق، وكذلك التعاقد مع شركة سيمنز الألمانية بدلاً من جنرال إلكتريك الأميركية في مجال الكهرباء، وانتهاء بِمُحاولة التخفيض من سعر الدولار أمام الدينار العراقي حسب ما تَسرّب من مصادر حكومية، ما قد يُسبّب إحراجاً للحكومة.
يبدو أن موقف السوداني الضائع بين حانة ومانة واستشعاره الحيرة من اتخاذ القرار الصائب بين رغبات الإطار التنسيقي ومُطالباته لِتنفيذ شروطه التي ألزمه بِتنفيذها لِتولّي رئاسة الوزراء، وبين الضغط الخارجي الذي تُمثّله الولايات المتحدة التي تُريده حكومة السوداني وفق شروطها وليس شروط الإطار، ليبقى السؤال هل يستطيع السوداني إمساك العصا من الوسط؟
في المُحصّلة، رياح المواجهة قادمة سواء كانت بين الإطار التنسيقي ومُقتدى الصدر أو بين التنسيقي والسفارة الأميركية.
الانتخابات المحليّة المُزمع إجراؤها نهاية هذا العام قد تُشعِل صِراعاً للظفر بِحصص الحكومات المحليّة للمُحافظات بين الإطاريين ومُنافسيهم من الصدريين الذين قد يُغيّرون رأيهم للدخول في هذا المضمار، وهو يعني لهم بدايات مُشجّعة وموُفّقة تؤهلهم للاشتراك في الانتخابات البرلمانية القادمة في البلد الذي يبدو أن بعض الأطراف لا تُريدها مُبكّرة.
مأزق السوداني المُتفاقم أنه لا يستطيع الإمساك بِكُل هذا العدد من البيض في يد واحدة، وأنَّ ميزان السياسة لا بُد أن يميل لِصالح كفّة ما.
◙ هل هي مُصادفة أو توقيت مُعيّن أو حتى رد فِعل لِقرار الصدر ذلك الموعد الذي حدّده الحِراك الشعبي لِجمهور الإطار التنسيقي لانطلاق تظاهُراته في نهاية يناير
ذروة المشهد السياسي في العراق يبدو أننا اقتربنا منها كثيراً، خصوصاً مع تفاقم الوضع الاقتصادي للمواطن العراقي جرّاء ارتفاع الأسعار واليقين من عدم وجود حلول اقتصادية تلوح في الأفق، وذلك العامل الخارجي الذي بدأ يفرض شروطه على النظام السياسي، ونتائج الانتفاضة في إيران على الوضع العراقي، والأذرُع المُسلّحة التي تتدخل في الجانب السياسي والعسكري والاقتصادي.
هو المأزق السياسي الذي كان مؤجّلاً في مواعيد حلوله ليحين الحسم إن كان أبيض أو أسود.
زيارة السوداني القادمة إلى واشنطن التي يتم الإعداد لها ستضع الكثير من النقاط على حروف مُبهمة لِفهم معانيها وتوضيح المسار والموقف الأميركي من هذه الحكومة، والنيّة في التعامل معها مُستقبلاً، وقد تكون سُبل نجاحها وفشلها مرهونة بإدارة دفّة الإطار التنسيقي الذي شكّل حكومة السوداني من التواجد الأميركي، وضرورة تنازله عن الكثير من الشروط مُقابل استمرار قِطار الحكومة في المسير.
ولا يُنسى تهديد السفيرة الأميركية للسوداني بِنهاية مُشابهة لِحكومة عادل عبدالمهدي السابقة فيما إذا تمَّ نهج نفس السياسة والأسلوب.
قد تحمل الأيام القادمة مُفاجآت سياسية تقلب موازين المُعادلة، لكن في أي اتجاه؟ ذلك ما نترقّبه.