لماذا فشل أردوغان في تحقيق مصالحة مع الأسد؟

الدبلوماسية التركية كانت متسرعة عندما خاطبت الروس مباشرة ظنا منها أن الحل يأتي من موسكو وأن الأسد سيوافق على لقاء أردوغان دون تردد وأن سوريا تحتاج إلى تركيا أكثر من حاجة تركيا إليها.
الأربعاء 2022/12/28
لا فائدة من المصالحة في الوقت الحالي

خلال اتصال هاتفي جمعه بوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن أنقرة لن تحدد جدولًا زمنيًا لعملياتها في سوريا وأن حربها ضد الإرهاب ستستمر بعزم. وتأتي المكالمة الهاتفية بعد أسبوع من استهداف القوات التركية لمعاقل حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب في سوريا، ردا على التفجير المميت في شارع الاستقلال بإسطنبول في نوفمبر الماضي. يأتي هذا بعد أن فشل رجب طيب أردوغان في استمالة بشار الأسد نحو مصالحة لا يرى فيها الأسد أيّ فائدة في الوقت الحالي.

رفض الرئيس السوري اليد الممدودة التي تقدم بها أردوغان لطي خلافات الماضي والترتيب لعلاقات جديدة تماما مثلما تفعل أنقرة مع أعداء الأمس، وأقصد هنا السعودية ومصر والإمارات في إطار ما يطلق عليه “دبلوماسية صفر مشاكل”. والمؤكد أن هذا الرفض قد فوّت على أنقرة الحصول على تفويض سوري يعطي ضوءا أخضرا لعمليتها العسكرية في الشمال السوري من دون أن يتم اتهامها بانتهاك السيادة ومن دون أن تشوش هذه العملية المحدودة على مستقبل العلاقات بين البلدين، خاصة وأن تركيا تريد ضرب عصفورين بحجر واحد: المحافظة على متانة العلاقات مع روسيا التي تتواجد عسكريا في سوريا والتصالح مع نظام تأكد انتصاره على ثورة 2011 ولم يعد من المنطقي التعامل مع الملف بنفس الأسلوب الذي تعامل به أردوغان في بدايته.

◙ كان بإمكان أردوغان أن يستعمل بعضا من الإغراءات الاقتصادية ليبين حسن النية والمصلحة المشتركة التي يريدها من التصالح مع سوريا

وفي نفس التوقيت الذي جاءت فيه تصريحات من أنقرة تخطب ودّ دمشق من أجل ترتيب لقاء بين الأسد وأردوغان نشرت وكالة سانا السورية الرسمية للأنباء مقالا يتحدث عن الذكرى 83 لاحتلال تركيا لما يسمّى لواء إسكندرون، وهي منطقة تقع تحت السيادة التركية، كان الإعلام السوري يتجنب إثارة الحديث عنها أيام كانت العلاقات السورية – التركية على أحسن حال.

واتهم المقال تركيا بتزييف الحقائق والوقائع في تلك المنطقة، واختتم بعبارات قوية حيث وصفت الوكالة ما تقوم به تركيا منذ 11 سنة بالمجازر والجرائم الوحشية ضد الشعب السوري. هذا المقال والذي يأتي في خضم محاولات أنقرة لطيّ خلافها مع دمشق يعبّر بوضوح عن أن سوريا تريد اغتنام الفرصة لتضع مسألة لواء إسكندرون ضمن الملفات المطروحة على طاولة المفاوضات كشرط لتطبيع علاقاتها مع تركيا.

بشار الأسد وإن كان فاشلا في إدارة البلاد وعاجزا عن القضاء على فساد مسؤوليه الذي أكل الأخضر واليابس وساهم بشكل كبير في انتفاضة الشعب ضد حكمه، إلا أنه رجل يحسن قراءة الأحداث ويستعمل البراغماتية السياسية لتغيير مواقفه عندما يقتضي الأمر. ولعل قراره بعدم المضي قدما نحو العودة إلى الجامعة العربية كان نابعا من فكرة أن هذه العودة لن تقدم شيئا جديدا لسوريا ولن تكسبه شرعية دولية ولا إقليمية، بل ستدفعه إلى تقبل إملاءات خليجية تضع مصير علاقاته المتينة مع إيران على المحك، وهو أمر لا يمكن أن يحدث لاعتبارات عديدة من بينها الموقف الإيراني مما حدث في 2011 والدعم العسكري الذي ساهم في إنقاذ النظام من السقوط حين تنكر العديد من الأصدقاء له.

وفي الملف التركي يتعامل الأسد كذلك بالبراغماتية فهو يدرك جيدا أن تركيا تحتاج إلى التقارب للقضاء على الأكراد في شمال سوريا، وترغب في تمكين قواته النظامية من السيطرة بشكل جيد على الحدود المشتركة، وهي الخدمة التي لا يريد أن يقدمها الأسد دون مقابل، خاصة وأنه يعي جيدا أن تركيا وإن أرادت التقارب فهي تبحث عن مصالحها فقط وعن تطبيع أمني يضمن استقرار حدودها ويضيّق الخناق على الأكراد، إضافة إلى أنها ترغب في التخلص من موضوع اللاجئين السوريين فيها، بالمقابل سيكون هذا مكلفا للأسد الذي يتخبط في مشاكل اقتصادية وفي مجال الطاقة.

◙ الرئيس السوري رفض اليد الممدودة التي تقدم بها أردوغان لطي خلافات الماضي والترتيب لعلاقات جديدة تماما مثلما تفعل أنقرة مع أعداء الأمس

كان بإمكان أردوغان أن يستعمل بعضا من الإغراءات الاقتصادية ليبين حسن النية والمصلحة المشتركة التي يريدها من التصالح مع سوريا، كأن يعلن عن استعداد أنقرة رعاية مؤتمر إعمار سوريا، أو إغلاق الدكاكين الإعلامية الموجودة في بلاده والتي تمارس تشويشا على الأسد ونظامه، أو حتى تأجيل العملية العسكرية في شمال سوريا إلى ما بعد التقارب مع دمشق، حتى لا تتسبب في إحراج على المستوى الشعبي في سوريا.

كانت الدبلوماسية التركية متسرعة نوعا ما عندما خاطبت الروس مباشرة ظنا منها أن الحل يأتي من موسكو وليس من دمشق، وأن الأسد سيوافق على لقائه من دون تردد وأن سوريا تحتاج إلى تركيا أكثر من حاجة تركيا إليها. وبعبارة أدق كان من الخطأ التقليل من حجم الأسد ووضعه في ثوب الضعيف، والاعتقاد بأنه ينتظر طوق النجاة من أنقرة.

الفرصة لا تزال متاحة على الرغم من رفض الأسد للمصالحة، ولكن النشاط العسكري التركي في شمال سوريا ينبغي أن يكون في إطار مهمة محددة وسريعة وألا يتم التبرير من خلاله لانتهاك سيادة الأراضي السورية، كما يجب على النظام في تركيا أن يحدد موقفه وبشكل واضح من المعارضة السورية التي يرعى بعضها داخل أراضيه وأن يتم الفصل في المسائل الحدودية بالشكل الذي يضمن للأسد عدم تورطه في تطبيع قد يغيّر من جغرافية سوريا لمجرد ضمان أمن تركيا القومي، غير ذلك فإن تقارب النظامين سيبقى معلّقا إلى إشعار آخر.

8