تفجير باندونغ يكشف طموحات ولاية خراسان الإقليمية

تمكن تنظيم داعش في إندونيسيا من تنفيذ عمليات إرهابية مؤخرًا وتجاوز الإجراءات الأمنية الصارمة المفروضة لمحاصرة عناصره، مستفيدًا من علاقاته الجيدة بجماعات جهادية قديمة على الساحة.
جاءت الاستفادة الأكبر للتنظيم الذي يعاني من تضييق شديد بالداخل الإندونيسي من المخطط الذي ينفذه تنظيم ولاية خراسان (فرع داعش بأفغانستان) لهز الاستقرار في المحيط الآسيوي الإقليمي لأفغانستان.
وفجر انتحاري داعشي نفسه في السابع من ديسمبر الجاري بمركز شرطة أستاناناري في مدينة باندونغ عاصمة إقليم جاوا الغربية، ما أسفر عن قتل وجرح مدنيين وعدد من رجال شرطة.
وتم التعرف على هوية الإرهابي الانتحاري ويُدعى أغوس سوجاتنو، ويُعرف أيضًا باسم أغوس مسلم، وكان محتجزًا بسجن بمنطقة سولو العظمى على خلفية تورطه في تفجيرات وقعت عام 2017 في جاوا الغربية وأطلق سراحه العام الماضي.
ويمثل التراجع الميداني لداعش بمركزه في سوريا والعراق ورغبة فرعه في أفغانستان في إفساد حكم حركة طالبان وعلاقاتها الإقليمية مع دول آسيا عاملا مهما لتفسير تنشيط العمليات الإرهابية من وقت لآخر في دول جنوب شرق آسيا، من ضمنها إندونيسيا.
ولم يقتصر نشاط فرع داعش في أفغانستان على عملياته بالداخل الرامية إلى إثبات عجز طالبان عن السيطرة على الأوضاع الأمنية وعن إدارة البلاد، وشمل توصيل رسائل موقعة بالدم لمختلف القوى المهمة في آسيا حتى لا تمد يد العون لها تمهيدًا للاعتراف بها والتعاون معها، ما يُسهم في تمكين طالبان العالقة في إشكاليات معقدة من نجاح تجربتها الثانية في الحكم.
وضح ذلك على ضوء العديد من العمليات التي نفذها تنظيم ولاية خراسان في الداخل الأفغاني ضد مصالح قوى إقليمية ودولية، مثل باكستان وروسيا، والمُضي باتجاه النشاط الإقليمي منذ استيلاء طالبان على السلطة.
وأدى حرص تنظيم ولاية خراسان على تقويض الثقة الإقليمية في إمارة طالبان وقدرتها على توفير الأمن وضبط الحدود ومنع العنف التكفيري من الانتقال إلى دول الجوار إلى استهداف المحيط الإقليمي القريب والبعيد.
ولم يتورع فرع داعش أفغانستان عن إطلاق صواريخ انطلاقًا من الحدود مع طاجيكستان وأوزبكستان، معززًا محاولاته للعب دور إقليمي بنشاط دعائي مكثف بمختلف لغات أعراق وإثنيات دول آسيا.
وتمحور نشاط مؤسسة “العزائم” الإعلامية التابعة لداعش خراسان فضلًا عن المجلتين اللتين يصدرهما وهما “صوت خراسان” و”خراسان غاغ” حول التحريض على تنفيذ عمليات ضد الحكومات الآسيوية وبث الكراهية الطائفية ضد الهندوس والشيعة والمسيحيين.
وتستهدف هذه الدعاية كل الأقليات والطوائف المنتشرة بدول آسيا بغرض التحريض والتحفيز على شن هجمات ضدها لقطع الطريق أمام تكريس علاقات طبيعية بينها وبين طالبان التي يتهمها تنظيم داعش بالاهتمام بالاعتراف الخارجي والمساعدات بدلًا من الاهتمام بالدين وتطبيق الشريعة.
نشاط فرع داعش في أفغانستان شمل توصيل رسائل موقعة بالدم لمختلف القوى المهمة في آسيا حتى لا تمد يد العون لطالبان تمهيدًا للاعتراف بها والتعاون معها
وبنى فرع داعش في أفغانستان خططه تلك على خلاصة تاريخ عمليات ونشاط القاعدة منذ هجمات سبتمبر 2011، حيث كانت أفغانستان ساحة الإعداد والتدريب لأهم وأخطر عمليات التنظيم بدول العالم، قدمت أكثر الكوادر الجهادية فتكًا وشراسة في كل من ماليزيا وإندونيسيا.
ولم ينطلق النشاط الإرهابي الإقليمي في آسيا ليطال عمق إندونيسيا مؤخرًا من نفس المعادلات القديمة الخاصة بهيمنة طالبان على السلطة وتحالفها مع القاعدة وإيوائها لقادته إنما من معادلة مختلفة ترتكز على منافسة داعش لطالبان ورغبته في تقويض حكمها وجعل أفغانستان تحت سيطرتها مصدر توتر لكل دول الإقليم.
ونتج عن هذا العامل الرئيسي، بجانب عوامل أخرى فرعية، التحاق متشددين تكفيريين إندونيسيين بمعسكرات تدريب داعش في أفغانستان، والإسهام دعائيًا وحركيًا في تنفيذ عمليات إرهابية داخل إندونيسيا.
ولا يعود الفضل في تنفيذ عملية باندونغ الأخيرة وما نفذه فرع داعش في شرق آسيا وإندونيسيا تحديدا من عمليات بين حين وآخر إلى جهد ذاتي محلي، فقد لعب نشاط الفرقة 88 النوعي في مكافحة الإرهاب ومراقبة أنشطة الجماعات المتطرفة بجانب عمليات إنفاذ القانون والاعتقالات الواسعة في صفوف التنظيمات الجهادية دورًا مهمًا في تحجيم قدرات خلايا داعش المحلية وجعلها عاجزة ذاتيًا عن تنفيذ عمليات.
ووثقت إندونيسيا وماليزيا والفلبين تعاونها في مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات والتنسيق الأمني بموجب الاتفاقية ثلاثية الأطراف التي جعلت سفر الإرهابيين الأجانب إلى هذه البلدان الثلاثة أمرًا صعبًا.
حرص تنظيم ولاية خراسان على تقويض الثقة الإقليمية في إمارة طالبان وقدرتها على توفير الأمن وضبط الحدود أدى إلى استهداف المحيط الإقليمي القريب والبعيد
ويرجع تنشيط حركة الإرهاب في إندونيسيا إلى التوسع الخارجي الملحوظ لتنظيم خراسان الذي يطمح ليكون الجهة الجهادية الفاعلة العابرة للحدود خلفًا للقاعدة ويفشل تجربة طالبان في الحكم.
في كل الأحوال اعتمد داعش تكتيكًا خاصًا لتنفيذ عملياته في الداخل الأفغاني أو محيط أفغانستان الإقليمي القريب والبعيد، حيث يشكل مجموعات صغيرة لتنفيذ عمليات خاطفة ومنخفضة الكلفة بالتوازي مع تكثيف جهوده في الدعاية والتجنيد وجمع الأموال.
واستفاد فرع داعش في إندونيسيا من تدشينه لعلاقات جيدة مع جماعات لها باع وتاريخ إرهابي قديم مثل الجماعة الإسلامية التي تُعد التنظيم الرئيسي الذي اضطلع بتنفيذ مخططات القاعدة داخل إندونيسيا وفي محيطها.
ورغم توقف الجماعة الإسلامية في إندونيسيا قبل قرابة العقد عن تنفيذ عمليات، فإن قدرتها من حيث الخبرة ومهارات الأعضاء والتماسك التنظيمي وتوفير مصادر تمويل فاقت المجموعات الموالية لداعش.
وقال مصعب مقدس الخبير الإندونيسي في شؤون الحركات الإسلامية إن ظهور خلية لداعش في باندونغ نتيجة طبيعية للنشاط السابق لكل من تنظيم القاعدة والجماعة الإسلامية في المدينة، وذلك ينطبق أيضًا على ولاية سولو العظمى في محافظة جاوا الوسطى.
وأضاف في تصريح خاص لـ”العرب” أن العلاقات بين خلايا داعش الإرهابية وقادة الجماعة الإسلامية تسير على ما يرام داخل السجون وخارجها، وقامت قيادات الجماعة الإسلامية بتسهيل تسفير عناصر من داعش إلى سوريا، بينهم أعضاء في جماعة أنصار الدولة في باندونغ، وهم المنتمون إلى المجموعة المعروفة باسم “خلية باندونغ”.
وتلعب الجماعة الإسلامية الدور الرئيسي في تمويل أنشطة مختلف الجماعات، ولذا جرى توقيف العديد من قادتها وعناصرها.

ويشترك عناصر الجماعة الإسلامية وتنظيم داعش والقاعدة في تبني قناعات فكرية متشابهة، خاصة في ما يتعلق بالتصورات المتعلقة بنظام الحكم المحصورة في تطبيق الحدود ووجوب إقامة الخلافة، ما أوجد نوعًا من التعاون التكافلي المتبادل بين داعش والقاعدة والجماعة الإسلامية في إندونيسيا.
ومنذ العام 2002، وهو عام تفجيرات بالي الشهيرة، إلى العام 2009 كانت الجماعة الإسلامية هي من وقفت وراء الهجمات الإرهابية الكبيرة.
وتجدد النشاط الإرهابي في إندونيسيا منذ العام 2015 عن طريق فرع داعش في إندونيسيا ويُطلق عليه جماعة أنصار الدولة بعد ضعف الجماعة الإسلامية بسبب الاعتقالات والانشقاقات والتعامل الأمني الصارم.
ما يجري الآن بالساحة الإندونيسية أشبه بالتحالف أو على الأقل تعاون الضعفاء في مواجهة تشريعات وإجراءات أمنية صارمة وأداء متطور ونوعي للفرقة 88 المتخصصة في مكافحة النشاط الإرهابي.
وانتقلت دفة تنفيذ العمليات من الجماعة الإسلامية والقاعدة إلى داعش، وظل التعاون مع هذه التنظيمات قائمًا، والانتقال من تنفيذ عمليات كبرى على غرار تفجير بالي وحصار جزيرة ماراوي في الفلبين إلى تنفيذ عمليات صغيرة خاطفة.
ورغم عدم تمكن الإرهابيين في إندونيسيا من شن هجمات كبيرة كما كان في الماضي، إلا أن خطرهم لا يزال قائمًا بالنظر إلى طموحات ولاية خراسان الدولية والإقليمية، والتعاون التكافلي بين الجماعات واختراق وتسخير جهود بعض الحركات العرقية الانفصالية المحلية.