سكالوني يدون اسمه على لائحة عظماء الأرجنتين

حُبست الأنفاس، ارتجفت الأصوات، خفقت القلوب، انهمرت الدموع، فحمل ليونيل سكالوني وليونيل ميسي أخيرا كأس العالم لكرة القدم للمرّة الأولى في مسيرتهما الزاخرة، بقيادتهما الأرجنتين إلى لقب مونديال قطر 2022 على حساب فرنسا.
لوسيل (قطر) - اقتحم ليونيل سكالوني نادي عظماء مدربي الأرجنتين إلى جانب الفائزين السابقين بلقب كأس العالم سيزار لويس مينوتي وكارلوس بيلاردو، وذلك بعد تتويج “ألبيسيليستي” بلقب مونديال قطر 2022 بالفوز على فرنسا بطلة 2018 في نهائي الأحد على ملعب لوسيل بركلات الترجيح في مباراة مجنونة انتهى وقتاها الأصلي والإضافي بالتعادل 3 – 3.
وبعدما بدأ اللقاء كأصغر مدرب يخوض نهائي بطولة كأس العالم منذ الألماني رودي فولر عام 2002 (42 عاما)، بات سكالوني عن 44 عاما أصغر مدرب يرفع الكأس الغالية منذ مواطنه مينوتي عام 1978 (39 عاما). ووصل سكالوني بداية لاستلام المهام مؤقتا في عام 2018 خلفا لخورخي سامباولي، وها هو يقود الأرجنتين إلى لقبها الأول منذ 1986 والثالث في تاريخها.
لا يمكن للتناقض بين سامباولي الانفعالي وسكالوني الهادئ الذي كان ضمن الجهاز الفني للمنتخب في روسيا 2018، أن يكون أكثر وضوحا. وقوبل تعيينه بعد خروج “ألبيسيليستي” من الدور ثمن النهائي أمام فرنسا بالذات (3 – 4) بانتقادات ورفض واسع النطاق من أولئك الذين شعروا أنه يفتقر إلى المؤهلات اللازمة.
ديشامب كان قاب قوسين أو أدنى من أن يدخل التاريخ، لكنه حرم من أن يصبح ثاني مدرب في التاريخ يتوج باللقب مرتين
ومن بين المنتقدين كان الراحل الأسطورة دييغو مارادونا الذي درّب أيضا الأرجنتين بين 2008 و2010.
ورغم إشادته بشخصية سكالوني، قال لصحيفة كلارين “إنه غير قادر حتى على أن يكون شرطيا للسير وإدارة حركة المرور”. ولم تكن لدى سكالوني خبرة سابقة كمدرب رئيسي، وكان من المفترض أن يتولّى المسؤولية لمدة شهرين فقط بينما يبحث الاتحاد عن خليفة لسامباولي.
وورث منتخبا عانى من سلسلة الخيبات: خسارة نهائي مونديال 2014 أمام ألمانيا ونهائي كوبا أميركا أمام تشيلي بركلات الترجيح في 2015 و2016، ما أدى إلى إعلان ليونيل ميسي اعتزاله الدولي قبل العودة عن قراره بعد شهرين.
وأعجب المتوج بالكرة الذهبية سبع مرات برؤية سكالوني للفريق، بالإضافة إلى وجود مثله الأعلى بابلو أيمار في الجهاز الفني، إلى جانب زميليه الدوليين السابقين روبرتو أيالا ووالتر صامويل.
هوية الفريق

ينسج المدرب الأرجنتيني شكل الفريق كما يريد، إذ أن 19 من أصل 26 لاعبا خاضوا نهائيات كأس العالم للمرة الأولى في مسيرتهم.
وقال خورخي بوروتشاغا الذي سجل هدف الفوز (3 – 2 على ألمانيا الغربية) في نهائي بطولة كأس العالم 1986 “لقد ساعد في اكتشاف لاعبين مثل ناهويل مولينا، كريستيان روميرو، ليساندرو مارتينيس وأليكسيس ماك أليستر، الذين أعطوا الفريق هوية، وفوق كل شيء، أعطى ليو (ميسي) خيارات لعب لم تكن متاحة له في المونديال الماضي”.
وسارع سكالوني إلى التقليل من شأن المقارنات مع أفضل مدربي منتخب بلاده في الماضي، بمن فيهم مينوتي وبيلاردو وأليخاندرو سابيلا الذي قادهم إلى نهائي 2014 عندما خسروا ضد ألمانيا 0 – 1 بعد التمديد. وقال في هذا الصدد “لا يمكنني مقارنة نفسي بالمدرّبين الآخرين. إنه لفخر لي أن أصل إلى النهائي وتمثيل المنتخب الوطني. لكن لا يمكنني أن أضع نفسي في نفس المستوى مثلهم. أشعر بالفخر لكوني في النهائي”.
بعدما بدأ اللقاء كأصغر مدرب يخوض نهائي بطولة كأس العالم منذ الألماني رودي فولر عام 2002 (42 عاما)، بات سكالوني عن 44 عاما أصغر مدرب يرفع الكأس الغالية
وبالنسبة إلى كثر، يجمع سكالوني مزيجا من الحنكة التكتيكية لمينوتي وواقعية بيلاردو. وقال مينوتي البالغ 84 عاما، بعد فوز الأرجنتين في نصف النهائي على كرواتيا 3 – 0 الثلاثاء “إن سكالوني ليس بمفرده (…) فهو محاط بأشخاص جادين جدا، حريصين جدا على التعلم، يعملون، يدرسون، يقرأون، يبحثون عن أشكال التطور في إعداد منتخب وطني”، في إشارة إلى أيمار وصامويل وأيالا.
وقاد سكالوني الأرجنتين إلى سلسلة من 36 مباراة دون هزيمة قبل بطولة كأس العالم، تخللها الفوز بكوبا أميركا 2021 في البرازيل ضد البلد المضيف، ما أنهى فترة جفاف استمرت 28 عاما ومنح ميسي لقبا أولا مع بلاده طال انتظاره.
لكن خسارة صادمة أمام السعودية في افتتاح مباريات الأرجنتين في المونديال (2 – 1) حرمتها من معادلة الرقم القياسي الذي تملكه إيطاليا (37).
ووصف ميسي تلك الانتكاسة بأنها “ضربة قوية”، لكن سكالوني عرف النهوض بالفريق سريعا وقام بالتعديلات اللازمة، إذ دفع بالشاب خوليان ألفاريس المفعم بالحيوية إلى جانب ميسي ليشكلا معا قوة هجومية ضاربة.
وبعد تلك الخسارة دعا سكالوني إلى الهدوء، مبددا أي مخاوف، قائلا “يجب أن يكون لديك بعض المنطق، إنها مجرد مباراة كرة قدم. من الصعب أن تجعل الناس يفهمون أن الشمس ستشرق غدا، إذا فزت أو خسرت”.
وأعقب ذلك بستة انتصارات متتالية (أحدها أيضا بركلات الترجيح ضد هولندا في ربع النهائي)، وقد شهد ملعب لوسيل تحقيق سكالوني لإنجاز لم يصل إليه مينوتي أو بيلاردو، بإكماله ثنائية كوبا أميركا وكأس العالم.
أسطورة بوتسو

كان ديدييه ديشامب على ملعب لوسيل شمال الدوحة قاب قوسين أو أدنى من أن يدخل التاريخ، لكن ركلات “الحظ” الترجيحية حرمته من أن يصبح ثاني مدرب فقط في تاريخ كأس العالم يتوج باللقب مرتين. قائدُ مجموعة اللقب الأول، مُهندس مسار الثاني، والعقلُ المدبّر لإستراتيجية رفع كأس ثالثة، كان ديشامب “العتّال” العتيق على أعتاب كتابة تاريخ جديد للكرة الفرنسية التي اعتادت في عهده على الانتصارات.
وتحوّل مشوار فرنسا في نهائيات كأس العالم هذه إلى انتصار لديشامب بالذات، إذ أنه بوصوله إلى النهائي للمرة الثانية توالياً، حقق فوزاً أولا على أولئك الذين اعتبروا أنه بقي طويلاً في منصبه.
وبات “العتّال” أو “حامل المياه” كما استخف به يوما مواطنه النجم السابق إريك كانتونا، صاحب دور محوريّ في مركز لاعب الوسط الدفاعي مع “الديوك” وقدرة على الانسيابية في نقل الكرة لبناء الهجمات، وبعد أن أصبح مدربا للمنتخب سيّد قراره بالبقاء في منصبه الذي يشغله منذ عشرة أعوام، أو الرحيل بعد البطولة.
وعُيِّن ديشامب مدربا للمنتخب على أنقاض فشل مونديال جنوب أفريقيا 2010 وبعد الاستغناء عن خدمات لوران بلان الذي أمضى عامين مع “الديوك”، فقاده إلى قمة الكرة المستديرة بالتكريس العالمي الثاني في مونديال روسيا 2018 عقب خسارة نهائي كأس أمم أوروبا 2016 على أرضه أمام البرتغال