الصورة ألف كلمة وألف عملية بيع وترويج تجاري

لا ينفصل تدفق الصور الذي نعيشه في زمننا هذا عن الطابع الاستهلاكي الذي جعل من الصورة الفيلمية بصفة عامة مادة استهلاكية تدخل فيها اعتبارات ومعايير العرض والطلب، فضلا عن الجانب الربحي.
وعلى هذا تكون الصورة في مفترق طرق أو أنها تجمع ما بين ميزتين، الأولى كونها تنتمي إلى الفن الإنساني الرفيع المترفع عن النفعية، وبين انتمائها إلى نوع تجاري ينتظر تدفق الصور كي يقوم بشرائها.
المجتمعات الاستهلاكية اليوم لا يمكن أن تستغني عن الصور المتدفقة في أي حال من الأحوال، بل إن انتقال الصورة إلى منطقة الإعلان التجاري سوف يقدم لنا ميزانيات مليارية سنوية يتم فيها إنتاج الصور واستهلاكها لجهة كونها صورا ذات محمول ومحتوى ترويجي مطلق.
لم يعد في مستطاع المجتمعات الاستغناء عن تلك الصورة المكتنزة بالترويج التجاري وذلك المحمول الاستهلاكي، وانسحب ذلك إلى نوع من السينما وإنتاج المسلسلات التي تحمل الكثير من صفات وخصائص الترويج التجاري، بما في ذلك العناية بالأزياء والديكور والإكسسوارات وحياة الرفاهية.
لم يعد في مستطاع المجتمعات الاستغناء عن تلك الصورة المكتنزة بالترويج التجاري وذلك المحمول الاستهلاكي
يذكر الناقد فيل ليفنغستون أنه “إذا كانت الصورة تساوي ألف كلمة، فإن الصورة تساوي ألف عملية بيع وترويج تجاري ومن ذلك إستراتيجيات الترويج للنجوم وجعلهم هم الآخرون مادة إعلانية، وهو ما نشاهده من موجات يقدمها لنا نجوم هوليوود الأكثر شعبية. تزيد الصور من التفاعل غير التقليدي مع الغاية التي من ورائها، ويتم بث كل تلك الكثافة من الصور التي لم تكن لتحدث أبدًا فيما لو قدمت من خلال مجرد شرح وصفي أو كلامي”.
الحاصل أن تلك الترابطات الجوهرية التي تجدها فيما يتعلق بالسلع والخدمات حتى تلك التي تظهر في الأفلام في لقطات خاطفة تحمل في طياتها مضامين ذات فعل مؤثر في المتلقين.
من الشائع أن تجد ملابس عليها شعارات حرب النجوم أو منتجات مارفيل الشهيرة من خلال السلاسل الفيلمية من الكوميكس التي استقطبت اهتمام ملايين المشاهدين من حول العالم، وبالتالي صارت عملية التفاعل تكتسب شكل سلسلة متواصلة جوهرها الصورة وأداتها الترويج بكل ما تحمله من أبعاد وما تحققه من نتائج، وبذلك يتم الاستثمار في الصورة السينمائية إلى أقصى مدى ممكن ونقلها من منطقة الفن المجرد والنوعي إلى غاية ترويجية وتجارية تستجلب المزيد من المستهلكين.
في موازاة ذلك بقي السؤال قائما، أي نوع من السينما نشاهد، هل هي السينما خالصة الفنية، النوعية المجردة، أم أنها تلك الأفلام التي تخفي وراءها مشاريع تجارية واستثمارية ضخمة تنتشر من حول العالم في شكل إعلانات وفواصل إعلانية وفي شكل نسق جديد ومتجدد من النجوم الذين هم الآخرون سوف ينتقلون إلى مرحلة الصور الإعلانية ذات الرواج التجاري فنجدهم إما يعلنون عن ساعات أو عطور أو ماركات تجارية متعددة بينما هم بملامحهم التي شاهدناها في الفيلم.
يتحول الفيلم في هذه الحالة وكما شاهدنا في النمط الأميركي الهوليوودي الذي يكافح للجمع ما بين القيمة الفنية وبين الأرباح الطائلة التي لا تنقطع والتي ما تلبث أن تنتقل من تسويق الفيلم وترويجه عبر الصالات والمنصات الرقمية إلى ترويجه ضمن دائرة الإعلان التجاري، وبذلك تتكامل دائرة لا بد منها يتم من خلالها جعل ذلك العالم من الصور محملا بما لا نتوقع من الاستثمار التجاري الذي لا يكاد ينتهي ولهذا تجد في الغالب أفلاما تم إنتاجها لسنوات عديدة خلت وما تزال تدر صور وملصقات مأخوذة منها المزيد من الأموال.
بالطبع يبدو الفصل بين هذين العالمين المتوازيين من الصعوبة بمكان في أزمنتنا هذه التي لا يمكن تخيل الحياة اليومية فيها من دون كل ذلك التدفق الصوري الذي نعيشه ليلا نهارا.