وزارة البيئة في مصر تسترد أنفاسها من "كوب 27"

القاهرة– لم تكن وزيرة البيئة المصرية ياسمين فؤاد، عندما تولت حقيبتها منذ نحو أربعة أعوام، تدرك أنها سوف تصبح في يوم مّا محط أنظار العالم والمصريين أيضا، فمع استضافة مؤتمر المناخ في مدينة شرم الشيخ خلال الفترة من السادس إلى الثامن عشر من نوفمبر الجاري، تم تسليط الضوء على مؤتمر حضره زعماء وقادة ومسؤولين والمئات من الإعلاميين والآلاف من المعنيين بقضايا البيئة والمناخ، ما جعل لوزارة البيئة أهمية كبيرة، تستطيع البناء عليها لاحقا، وتجعلها من الوزارات الرئيسية المهمة.
انتقلت هذه الوزارة منذ نحو عام، عندما تقرر إسناد مهمة تنظيم مؤتمر “كوب 27” إلى مصر عقب مؤتمر غلاسكو، من وزارة هامشية في الحكومة إلى أهم جهة تقريبا، وبات عليها توفير الكثير من المعلومات والتقارير حول البيئة في مصر ورصد أحوال المناخ في ربوع العالم، والعمل على تسهيل المهام التي يحتاجها الحدث الكبير لنجاحه، فأصبحت فؤاد المسؤولة عن هذه الحقيبة تنتقل من الظل إلى النور، وتقصدها الكثير من وسائل الإعلام العالمية.
وتعتبر القاهرة من أكثر عواصم العالم ازدحاما وأكثرها ضجيجا وتلوثا، ولا تعد قضايا البيئة محل اهتمام شريحة كبيرة من المصريين، على الرغم مما تسبب فيه التلوث من أمراض على مدار العقود الماضية. وعادة يلجأ البعض من سكان العاصمة التي يقطنها حوالي عشرين مليون نسمة إلى المدن الساحلية على البحرين الأحمر والمتوسط هرباً من الزحام والتلوث العام.
الرموز والمعاني
كان لاختيار مدينة شرم الشيخ المطلة على البحر الأحمر لاستضافة مؤتمر المناخ معان رمزية بعيدة، ويؤخذ كدلالة على نظافتها وأنها من الأماكن التي تعد صديقة للبيئة، وواحدة من المدن الموصوفة بأنها “خضراء” كدليل على محاربتها للتلوث وقدرتها على تطبيق المعايير الصحية للبيئة، ويقصدها سائحون من دول مختلفة على مدار السنة، واشتهرت بجوّها المعتدل.
ووجدت فؤاد نفسها أمام معادلة معقدة، فهي المنسق الوزاري من جانب الحكومة المصرية ومبعوثة مؤتمر المناخ، وعليها أن تثبت قدرتها على أن وزارتها تلعب دورا مهما في الحفاظ على البيئة، وتؤكد أن ما يتردّد حوال انتشار التلوث في مناطق كثيرة بمصر جرى تجاوز الكثير من مشكلاته، وتقدم صورة حضارية تتوافق مع الصورة التي أرادت مصر نقلها للعالم عندما تصدت لاستضافة “كوب 27”.
من حسن حظ فؤاد أنها أمضت سنوات طويلة في وزارة البيئة وتدرجت في مناصب مختلفة بها، ففهمت تفاصيل ما يجري بها من القاع إلى القمة، وعندما اختيرت لهذه الحقيبة في يونيو 2018 في الحكومة التي شكلها مصطفى مدبولي لم تكن اسما مجهولا للمعنيين بقضايا البيئة، ما يسهّل عليها التعامل مع الملفات المتراكمة الحافلة بأزمات تتعلق بالبيئة ولم تجد لها الحلول المناسبة.
مضت الأعوام الأربعة الماضية ولا يذكر فيها اسم فؤاد إلا نادرا أو في مناسبات محدودة، ربما لأن البيئة ليست من القضايا المحببة عند المصريين، أو أن الميراث القاتم كبير ولم يتم تحقيق نجاحات لافتة فيه، فالوزارة توصف بأنها من الجهات المنسية في مصر، ويأتي ذكرها في المناسبات الإيجابية أو السلبية.
مؤتمر المناخ أنقذ فؤاد مرتين، فقد أضفى على وزارتها بريقا كانت في حاجة إليه. كما أنه أبعدها عن التعديل الوزاري الذي شمل 13 حقيبة
عندما يأتي مسؤول دولي معنيّ بالبيئة في مناسبة سعيدة يتذكرها المواطنون، وعندما ينشب حريق في أحد البنايات يتم البحث عن دور البيئة في محاربة التلوث.
الأهم أن هذه الوزارة مرتبطة في أذهان المصريين بحريق “قش الأرز” الذي يتكرر مرة كل عام مع اقتراب موسم الشتاء، حيث درج الفلاحون على حرقه فتتطاير سحب كثيفة من الدخان في السماء وتظل قابعة فيها وقتا طويلا، ومنها يعرف المصريون أن هناك وزارة اسمها البيئة عليها محاربة التلوث والحد من الانبعاثات الحرارية.
تظل هذه الهموم واضحة عند النخبة، بينما الغالبية العظمى من المصريين لا تعنيهم البيئة في شيء سوى عندما تتعلق بأضرار مباشرة على صحتهم أو أرزاقهم، ولا يهمهم حرق قش أو انبعاثاته، لأنها الوسيلة التقليدية المعروفة للتخلص من بقايا الأرز المهمل، ووزارة البيئة لا حول لها ولا قوة، فحلّ الأزمة لا يتوقف عليها فقط، فهناك إجراءات متعددة من الضروري تبنيها لتجاوز التلوث الناجم عن حرق قش الأرز.
خلال العامين الماضيين قلّت الانبعاثات الناجمة عن هذه الظاهرة، ليس لأن وزيرة البيئة تبنت حزمة من الإجراءات الناجعة للقضاء عليها، لكن لأن الحكومة فرضت على الفلاحين خفض المساحات المزروعة بالأرز توفيرا للمياه، حيث يستهلك هذا المحصول كميات وفيرة منها في وقت تعاني مصر من شح وقد تكون مقبلة على سنوات أشد قتامة إذا أدى تشييد سد النهضة الإثيوبي لتقليل حصة مصر من المياه.
وأسهم تراجع مساحة الأراضي المزروعة أرزا في تقليل حرق القش الناجم عنه، وهذا لا ينكر أن وزارة البيئة تدخلت لإيجاد وسائل حديثة للتخلص من أضراره، وهو ما انعكس تدريجيا على مسألة التلوث الناجم عن ذلك من دون القضاء على الأنواع الأخرى، حيث تحتاج قضايا البيئة والمناخ عموما رشادة رسمية وخطوات تتبناها الحكومة أشبه بروشتة عمل، وتعد وزارة البيئة أحد تروسها وليس الآلة كلها.
صورة البيئة في مصر
قد تكون فؤاد صدّرت صورة جيدة عن البيئة في مصر من خلال المؤتمرات التي تحضرها داخل البلاد وخارجها، لكن الواقع لم تدخل عليه تغييرات، فوزارة البيئة تتبعها جهات كثيرة تقع تحت مظلتها الإدارية وتشاركها فيها وزارات أخرى.
من هنا تأتي المشكلة، خاصة أن الكثير من التوصيات التي تتبناها وزارة البيئة تبدو نظرية بينما الجهات المنوط بها القيام بأدوار موازية مشتبكة عمليا، فإذا أرادت فؤاد حل مشكلة إلقاء القمامة في بعض الشوارع فإن مهمتها تقتصر على تقديم ”الروشتة“ من دون تنفيذها الذي يقع على عاتق جهات محلية تابعة للمحافظة ووزارة الحكم المحلي التي ينطلق دورها من على الأرض للتصدي لهذه النوعية من المشكلات.
انخفاض الانبعاثات لا يرجع إلى كون وزيرة البيئة تبنت حزمة من الإجراءات للقضاء عليها، لكن لأن الحكومة فرضت على الفلاحين خفض المساحات المزروعة
حاولت فؤاد توسيع المساحات المشتركة مع الوزارات الأخرى لتقليل الخلافات وتجاوز أزمات المناخ التي لا تقتصر على التلوث والانبعاثات الحرارية، فهناك ما يسمى بالتصحر وفيضانات المياه التي تزحف على اليابسة، والكثير من القضايا المهمة التي يمكن أن تهدد مصير البشرية في أماكن متباينة.
ما يضاعف التعقيد في المهام التي تقوم بها وزارة البيئة زيادة التقاطعات، فربما تكون هناك قواسم مشتركة وحيوية مع وزارة الخارجية التي تلعب دورا موازيا مع وزارة البيئة في تنظيم مؤتمر المناخ بشرم الشيخ، غير أن وزارة الصناعة المسؤولة عن منح التراخيص للمصانع تعد أحد أهم مصادر الانبعاثات، ناهيك عن وزارات المجموعة الاقتصادية بفروعها المختلفة، والتعليم والصحة وأدوارهما المهمة.
ورغم الهامشية التي تحظى بها وزارة البيئة في تراتبية الحقائب التي تضمها الحكومة المصرية، إلا أن فؤاد حاولت أن تجذب إليها أنظار المصريين، ومع ذلك فالنظرة قاصرة من زاوية معرفة الدور الذي تقوم به ويخص مستقبل الإنسان ومصير الأرض.
ويؤدي حصرها في النطاق الموسمي، كما هو حاصل بالنسبة إلى مؤتمر المناخ، إلى جعل فؤاد أو غيرها لا يستطيع القيام بدوره على أكمل وجه، والذي يحتاج إلى تضافر الجهود للحصول على نتائج ملموسة، لأن البيئة ليست وزارة لزوم الديكور أو الموضة أو مسايرة العصر، فدورها يزداد خطورة مع الظواهر المناخية الجديدة.
الثقافة البيئية الغائبة
أكدت مناقشات مؤتمر شرم الشيخ ضرورة تكاتف جميع الدول للتقليل من التهديدات التي تحيق بكوكب الأرض، وقد تجلب هذه الحقيقة المزيد من الدعم للدكتورة ياسمين فؤاد لتتمكن من القيام بدورها في بيئة محلية لا تعترف بالدور الحيوي الذي تقوم به وزارة البيئة إلا في المناسبات الدولية، وهي ثقافة غائبة انعكست على طريقة الاهتمام بدورها، والذي يبدو ناعما لكنه محمّل بالكثير من أوجه الأزمات.
أنقذ مؤتمر المناخ فؤاد مرتين. مرة أنه أضفى على وزارتها بريقا كانت في حاجة إليه. والثانية أبعدها عن تعديل وزاري في الحكومة شمل 13 حقيبة في أغسطس الماضي، كان من المتوقع أن تصبح البيئة إحداها بعد تداول معلومات أفادت أن فؤاد خارج التشكيلة الجديدة، واشتعلت بورصة التكهنات بالأسماء البديلة بلا جدوى.
بقيت فؤاد لأنها واحدة من الجهات المعنية في مصر بالنواحي اللوجستية لمؤتمر شرم الشيخ ”كوب 27“، وكان تغييرها سيفضي إلى ارتباك في المهام المنوط بوزارة البيئة القيام بها، فأيّ وزير جديد سيكون مطالبا بفهم الدور الذي يجب أن يقوم به، ما يستلزم وقتا لاستيعاب مؤتمر المناخ والأهمية التي ينطوي عليها.
تواصل فؤاد عملها في وزارتها لتستكمل المشوار الذي بدأته عقب انتهاء مؤتمر غلاسكو، فإذا نجح “كوب 27” في تكوين رؤية الحكومة فمن الصواب استمرارها، وإذا أخفق أو لم يحقق أهدافه المرجوة يمكن عزلها وتحميلها جانبا من مسؤولية الفشل.
في كل الأحوال، حصدت وزارة البيئة وعلى رأسها ياسمين فؤاد العديد من المكاسب، وفي حالة استمرارها أو رحيلها بعد قليل، لأن مؤتمر المناخ وفر زخما لقضايا البيئة في مصر من الصعوبة الحصول عليه في ظروف عادية.