صخب البيانات، أعراض جانبية لجائحة كوفيد

تنتشر مثل الفطر ويثير ضجيجها مخاوف مشروعة.
الجمعة 2022/10/28
ضجيج البيانات يثير احتجاجات بين السكان

آجلا أو عاجلا سيتلاشى اعتماد العالم على النفط، ليركز استثماراته على مراكز البيانات، التي باتت تنتشر مثل الفطر، وغدت الولايات المتحدة موطنا لثلث هذه المراكز التي ستصل عوائدها في عام 2025 إلى 90 مليار دولار سنويا.. ولكن، ليس دون ثمن.

كيري بيرون

واشنطن - عندما انتقلت شركة عالمية لإنشاء مراكز البيانات إلى مساحة كان يشغلها مصنع ألواح شمسية قديم خارج بورتلاند بولاية أوريغان الأميركية قبل ثلاث سنوات، كان المركز محاطا عند بدء العمل فيه بأراض زراعية ومساحات مفتوحة. اليوم هو محاط بمراكز بيانات شيدت مؤخرا، وهي عبارة عن مستودعات شاسعة مخصصة للتخزين الرقمي وتطبيقات لتشغيل مساحات واسعة من الإنترنت.

وهناك اليوم أربعة مراكز تزويد بيانات في طور البناء على طول الشارع كما أخبرنا ستيفن ليام، وهو نائب أول لرئيس “إن تي تي غلوبال داتا سنترز” عن مجمع الشركة في هيلزبورو.

ورغم أن المدينة بعيدة عن مراكز البيانات التي تتمركز خصوصا في جنوب كاليفورنيا وشمال فيرجينيا، لكنها جزء من ظاهرة توسّع سريع على مستوى المنطقة، بحثا عن مساحات أقل كلفة على المدى البعيد.

مكاسب ومخاوف

ديل براون: الاختبارات التي أجريت خلصت إلى أن المراكز تخالف قانون الضوضاء
ديل براون: الاختبارات التي أجريت خلصت إلى أن المراكز تخالف قانون الضوضاء

هناك ميزات وفوائد أخرى إلى جانب انخفاض التكاليف، إذ يحلّ التوجه الجديد نحو إنشاء مراكز بيانات محلية أصغر حجما مشكلة فجوات الطلب بين المستخدمين حيث يعمل المزيد من الأشخاص من المنازل، وفقا لتقرير صدر العام الماضي عن شركة “كي بي إم جي” الاستشارية.

ويقلل التواجد على مقربة من المستخدمين من مشكلة بطء الشبكات؛ على سبيل المثال في تطبيقات الألعاب عبر الإنترنت أو الاستخدامات المستقبلية الحساسة، وهو هدف تسبب بفورة في أعداد مراكز البيانات بقلب المناطق الحضرية ذات الكثافة السكانية العالية، كما في مدينة لوس أنجلس.

في المقابل، يجتهد المسؤولون المحليون لإيجاد طرق تسمح بالموازنة بين مكاسب الإيرادات المحتملة والمخاوف التي يثيرها تواجد هذه المراكز والمتعلقة بالزحف على المناطق الخضراء وبالضوضاء الصادرة عنها والاستنزاف الإضافي لإمدادات المياه والطاقة.

اجتماعات زوم

وقال كيفين مايو، مدير التخطيط في ضاحية تشاندلر بفينيكس بولاية أريزونا التي رحب سكانها في البداية بالصناعة الوافدة إليهم، ولكن سرعان ما أثيرت التساؤلات حول ما سمي بالطفرة “لا أعتقد أن الولايات المتحدة كانت تدرك إلى أي مدى ستتطور مراكز البيانات”.

وذكر كيفين أنه مع تحول مراكز البيانات العشرة التابعة لتشاندلر من المياه إلى الكهرباء واحتياطي الديزل في عملياتها، بدأت شكاوى الضوضاء تتزايد من قبل أشخاص يعيشون بالقرب من هذه المراكز. مما اضطر مجلس المدينة إلى وضع سقف للحد من العمليات الجديدة.

ويعمل مكتب مايو على تحديث لوائح التحكم في الضوضاء وغيرها. وقال في اتصال عبر الهاتف إن “مراكز البيانات تتطور، ومعها تتطور مناهج ولوائح استخدام الأراضي المتعلقة بها”.

الولايات المتحدة أصبحت موطنا لحوالي 2600 مركز بيانات في العام الماضي، وهو ما يمثّل ثلث الإجمالي العالمي، وفقا للأرقام التي استشهدت بها لجنة التجارة الدولية الأميركية.

عدد المراكز الكبير يرافقه أيضا مردود كبير على المستوى الاقتصادي، ويتوقع الخبراء أن يتضاعف القطاع عالميا ليصل دخله إلى 90 مليار دولار بحلول عام 2025.

كيفين مايو: الولايات المتحدة لم تكن تدرك إلى أي مدى ستتطور مراكز البيانات
كيفين مايو: الولايات المتحدة لم تكن تدرك إلى أي مدى ستتطور مراكز البيانات

ويعود جزء كبير من أسباب نمو مركز البيانات إلى الكيفية التي دفع فيها وباء كوفيد – 19 الناس إلى العمل من المنزل اعتمادا على الإنترنت خاصة وسائط التواصل عبر الفيديو، مما أدى إلى زيادة في مكالمات زوم ومشاركة الصور واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

وقال ستيفن ليام إن “ما نقوم به من أعمال أوجد حاجة أكبر إلى مراكز البيانات، وهي وسيط غير مرئي بين هاتفك ومؤتمرات الفيديو. الأنشطة تنمو وكذلك هي الحاجة إلى مراكز البيانات”.

الطفرة في البيانات جلبت معها استثمارات محلية كبيرة شكلت مصدرا رئيسيا جديدا لإيرادات الضرائب، خاصة في نقاط مراكز البيانات التي تلقى إقبالا كبيرا.

واستحوذت المراكز في ولاية فرجينيا على 62 في المئة من إجمالي الاستثمارات الجديدة في العام الماضي خلقت 45 ألف فرصة عمل، وفاقت عوائدها 15 مليار دولار أضيفت إلى الناتج الاقتصادي المحلي، وفقا للأرقام الصادرة عن مجلس شمال فيرجينيا للتكنولوجيا.

لكن هذه العمليات لا تأتي دون ثمن، فهي تتطلب تكاليف كبيرة، حيث تستهلك حوالي 2 في المئة من الطاقة الكهربائية المستهلكة سنويا في الولايات المتحدة وفقا لوزارة الطاقة، بينما تعتمد منشأة نموذجية ملايين الغالونات من المياه لخوادم التبريد سنويا.

جيران ولكن صاخبون

إن كانت أغلب الجوانب السلبية لمراكز البيانات خفية، فإن بعضها الآخر واضح وينعكس سلبيا على التجمعات السكنية المحيطة بها.

في غريت أوك بمقاطعة برنس ويليام بفيرجينيا، يقع مركز بيانات في مجمع جديد تديره أمازون ويب سيرفيسز، على بعد 180 مترا من التجمعات السكنية، يصدر عنه ضجيج مزعج، حسب ديل براون، رئيس جمعية مالكي المنازل في المنطقة.

ويؤكد براون أن الاختبارات التي أجريت منذ يوليو الماضي خلصت إلى أن المراكز تخالف قانون الضوضاء في المقاطعة، حيث أن القاعدة التي مضى عليها عقود تستثني أنظمة التبريد والتدفئة لأنها كتبت دون وضع الوحدات السكنية التي لم تكن موجودة بعد في الاعتبار.

2600

مركز بيانات في الولايات المتحدة وهو ما يمثّل ثلث عددها عالميا، وفقا لأرقام لجنة التجارة الدولية

وتابع “لا يمكن للناس استخدام ساحاتهم الخلفية. السكان المحليون يجتمعون الآن بانتظام مع الشركة بحثا عن حل”.

وقال مصدر مسؤول من أمازون ويب سيرفيسز إن الشركة “تخصص قدرا كبيرا من الجهود الهندسية والموارد لتحديد إجراءات تقليل الصوت”، بما في ذلك تركيب أغطية أولية حول أنظمة التبريد.

وقال تيم هول، نائب رئيس أمازون ويب سيرفيسز لعمليات البنية التحتية في الأميركتين، في بيان، إن “معالجة مخاوف جيراننا من الضوضاء في مقاطعة برنس وليام هي أولوية بالنسبة إلينا”، مضيفا أن “الشركة دائما ما تسعى لتقليل استخدام الطاقة والمياه”.

وتناقش منطقة برينس وليام، التي تشهد حاليا توسعا كبيرا في عدد مراكز البيانات، العدد الذي ستسمح به مستقبلا. وينظم استفتاء بين مسؤولي المقاطعة في نوفمبر القادم لهذا الغرض، بينما تتزايد الأصوات المعارضة لزيادة عدد المراكز بين السكان.

وأجرى جون دبليو ليفر، مدير سلامة الرحلات الفضائية المتقاعد من وكالة ناسا، تحليلات صوتية على المواقع المقترحة في المقاطعة، وقدّر أن أحد الأحياء سيشهد مستويات ضوضاء تبلغ 73 ديسيبل. ويشبه هذا العيش بجوار طريق سريع مزدحم.

وقالت راشيل جونسون، مديرة الاتصالات بالإنابة في برنس وليام، إن المقاطعة تراجع قانون الضوضاء لمعرفة ما إذا كانت هناك حاجة إلى التغييرات.

ويدرك ديل براون الحاجة إلى بناء المزيد من مراكز البيانات، وشدد على أن الأمر يتعلق بتحقيق التوازن الصحيح. وقال “نحتاج إلى إيجاد مكان تتمركز فيه وتحصل على الكهرباء والمياه التي تحتاج إليها دون أن تلحق الضرر بالأحياء التي تعيش في المنطقة”.

12