عادل حمودة إعلامي مصري يجيد فتح خزائن أسراره السياسية

أصبح الإعلامي المصري عادل حمودة خلال فترة وجيزة صاحب مدرسة صحافية بارزة. له تلاميذ ومريدون وأنصار ومؤيدون، ودراويش أسبغوا عليه دوما “قداسة” بسبب تمتعه بأسلوب خاص في الكتابة والرشاقة والتشويق.
ولم تخل الحال من وجود خصوم له، والبعض من المتمردين شقوا عصا الطاعة وحاولوا أن تكون لهم أدوات خاصة بهم تبعدهم عن وضعهم في صف طويل يوصف بأنه طابور حمودة.
ويمثل حمودة كوكتيلا في الكتابة، حيث يضم تحته جميع الألوان التي حوتها مدرسة “روز اليوسف” الصحافية في مصر، والتي كانت تجمع بين الإثارة والرصانة والجاذبية في الكثير من كتاباتها والعناوين التي صاحبت مقالات كُتّابها.
منهج حمودة يعمد إلى تحريك المياه الراكدة ضد السلطة والمعارضة ورموز بارزة في كل منهما، والبعض من رجال الأعمال، وتيار الإسلام السياسي برمته، وجماعة الإخوان في القلب منه
خاض حمودة العديد من التجارب إثر خروجه عنوة أو مطرودا من مؤسسة “روز اليوسف” بعد أن قضى فيها نحو ثلاثة عقود. وشكل بعد ذلك أكثر من صحيفة على غرارها، فكل التجارب التي خاضها بدت شبيهة بالمدرسة الأم التي تخرج فيها، حتى تحول إلى قبلة لكل من يريد الإثارة دون أن ينزلق كثيرا إلى ما يسمى بالصحافة الصفراء، فالمعلومات التي حوتها موضوعات صحفه وجديتها في الكثير من الأحيان أبعدتاه عن تصنيفها ضمن أطر هذا النوع من الصحافة البغيضة.
عندما أُعلن مؤخرا أن حمودة سيكون أحد مقدمي البرامج في قناة القاهرة الإخبارية التي ستنطلق بعد أيام قليلة، تساءل متابعون عن نوعية البرنامج الذي سيقدمه وهويته السياسية والدور الذي يمكن أن يلعبه في هذه الفضائية الوليدة، والتي سبقتها عدة تجارب له داخل مصر وخارجها أكسبته خبرة تلفزيونية جيدة.
وكما كان نجما في الصحافة المكتوبة أصبح كذلك في الصحافة المرئية، حيث أجاد التعامل معها، مستفيدا من خزائن أسراره السياسية التي يحسن توظيفها في جميع الأنظمة، وتمكنه من الهروب إلى الخلف إذا أراد الابتعاد عن القضايا الراهنة.
الصحافي والتلفزيوني
تجربته في صحيفة "صوت الأمة" ثم "الفجر" الأسبوعيتين هي الأكثر لمعانا؛ حيث طبق الوصفة الخاصة به في المنبرين بالاستعانة ببعض رجال الأعمال، وحقق من خلالهما انتشارا واسعا
تصعب التفرقة بين حمودة الصحافي وحمودة التلفزيوني؛ فكلاهما وجه لعملة واحدة عنوانها البحث عن المتاعب، حيث طبق هذه الصفة التي كانت تطلق على من يمتهن الصحافة في أوج ازدهارها قبل عقود خلت في مصر، مهنة البحث عن المتاعب، وطبق أيضا الشعار الآخر الشهير “في بلاط صاحبة الجلالة”، إذ تعامل مع المهنة بقدر عال من الاهتمام والتجويد والهيبة، وبات أحد النجوم الكبار أو “الأسطوات” كدلالة على حرفيته في عالم الصحافة المصرية.
ويعد امتدادا لجيل الرواد الذين احترفوا الكتابة حبا فيها وشغفا بها، وممن أخلصوا لها فمنحتهم الثروة والشهرة والسلطة المعنوية، وربما يكون من أوائل من فتحوا الباب للكثير من الصحافيين في مصر ليتمكنوا من جني مكاسب مادية كبيرة من هذه المهنة.
كتب حمودة الجزء الأول من مقال مهمّ الخميس في جريدة “المصري اليوم” بعنوان “مبارك.. شهادة شخصية جدا”، تطرق فيه إلى علاقته بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وحوى العديد من المواقف التي جمعته به وهو في سدة الحكم، والتي تؤكد أنه كان على مسافة قريبة منه في سنواته الأخيرة، وحاول في هذا الجزء تعزيز ما يثبت أنه كاتب مستقل ويملك الكثير من المعلومات والأسرار، قد يكون مؤيدا للسلطة اليوم ومعارضا لها في الغد.
دون أن يدرك، أو ربما يدرك، جعل الكثير ممن قرأوا الجزء الأول من المقال يخضعون البعض من مضامينه للتحليل والإسقاط السياسي، وينتظرون الجزء الثاني من المقال الخميس المقبل.
سار في حقل مليء بالألغام، إذ تعرض إلى معادلة السلطة في مصر خلال فترة حكم مبارك ودور المؤسسة العسكرية المركزي فيها. وهي قضية شائكة وشيقة في آن واحد. وبدا الجزء الأول من المقال كأنه يتحدث عما يجري الآن في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، فلا تزال هذه المؤسسة العريقة تلعب دورا محوريا في السلطة الحاكمة وخارجها.
وفهم القراء مما جاء في الجزء الأول من المقال أنه رسالة تحذير كاملة الأركان لكل من يخل بتوازنات المؤسسة العسكرية الرئيسية حاليا، وأنه بإمكان الحاشية المحيطة بالرئيس، مبارك أو غيره، أن تعزله عن نبض الناس والأحداث.
وبدت الطريقة التي استعرض بها حمودة معلوماته حريصة على توصيل هذه الرسائل بنعومة، والتي تترك لكل من يقرأ تفسيرها بالصورة المناسبة له، وهو أسلوب مراوغ في الكتابة يجيده الرجل ويستعرض من خلاله مهاراته الصحافية.
انحياز إلى الجيش المصري
دعك من الإسقاط والطريقة التي يمكن أن يفهم بها الجزء الأول من المقال، وركز على ما ينطوي عليه من انحياز واضح للجيش، وكانت هذه الطريقة وسيلة أنقذته من عدة مطبات تعرض لها على مدار مسيرته، وكلما واجه عقبات عرقلت مسيرته واعتقد صحافيون أن نهايته اقتربت خرج بعدها أكثر قوة.
ويسهم هذا البعد في فهم منهج حمودة الذي أنعش “روز اليوسف” في منتصف التسعينات من القرن الماضي وهو نائب لرئيس التحرير فيها، حيث أوكلت إليه ضمنيا مهام رئيس التحرير، وجعل منها مجلة أسبوعية قادرة على تحريك المياه الراكدة ضد السلطة والمعارضة ورموز بارزة في كل منهما، والبعض من رجال الأعمال، وتيار الإسلام السياسي برمته، وجماعة الإخوان في القلب منه، وأسهم في رواج المجلة كثيرا، وصنع منها منبرا صحافيا جذابا.
المغضوب عليه
خرج من “روز اليوسف” مغضوبا عليه بسبب تعدد حملاته، خاصة ضد رجل الأعمال الشهير نجيب ساويرس، ولأن خصومه كثر يصعب القطع بالجهة التي حرضت على التضحية به، فقد جاء الخروج أيضا عقب تفجير أزمة “لوسي أرتين” التي أشار فيها حمودة إلى تورط وزير الدفاع الأسبق المشير محمد أبوغزالة في فضيحة أخلاقية، وفي مثل حالته كانت تكفي الطريقة التي أبعد بها من “روز اليوسف” لجعله يمكث في منزله، وربما لا يعود إلى الصحافة مرة أخرى عقب تجاوزه كل الخطوط الحمراء.
وبعد الخروج الكبير تكاثر من نهشوا سيرته، من بينهم البعض من تلاميذه، وشرع في كتابة مقال أسبوعي بجريدة “الأهرام”، وهذه مكافأة يدركها من يعلم القيمة التي كانت تمثلها الصحيفة في ذلك الوقت داخل العقل الرسمي للدولة والوجدان العام وفي أوساط النخبة المصرية، وسعى عبر مقالاته إلى أن يكون متسقا مع مدرسة “الأهرام” الرصينة، والتي تتناقض تماما مع مدرسة “روز اليوسف” وما اشتهر عنها من إثارة.
براعة مزدوجة
حافظ حمودة على لمعانه وهو يؤسس أو يصنع صحيفة بعد أخرى، ولم يطل كمونه السياسي بعد أن تمرد على جريدة “الأهرام” أو تمرّدت عليه، وكانت تجربته في صحيفة “صوت الأمة” ثم “الفجر” الأسبوعيتين هي الأكثر لمعانا، حيث طبق الوصفة الخاصة به في المنبرين بالاستعانة ببعض رجال الأعمال، وحقق من خلالهما انتشارا واسعا، انطفأ قليلا بعد تخليه عن منصب رئيس التحرير في الصحيفتين.
وأدرك بعد ذلك أن زمان الصحافة الورقية بدأ يخفت وسوف يواجه شبحا في ظل انتشار الفضائيات ثم من بعدها وسائل التواصل الاجتماعي، وأسهم تكوينه المهني الجيد واستعداده للتعامل مع أي وسيلة إعلامية في التأقلم سريعا مع التلفزيون، وقدم مجموعة من البرامج في قنوات مصرية مختلفة، وحل ضيفا على بعضها كمحلل يجيد قراءة مفاتيح السلطة في عهد مبارك ويملك الكثير من المعلومات عنها. وفي كل الأحوال كان يستعين بخزائنه المليئة بالقصص والحكايات الجذابة.
حمودة يمثّل كوكتيلا في الكتابة، حيث يضم تحته جميع الألوان التي حوتها مدرسة "روز اليوسف" الصحافية في مصر، والتي تجمع بين الإثارة والرصانة والجاذبية
وساعده تكوينه السياسي المبكر على عدم الذوبان وسط التقلبات السياسية التي شهدتها مصر بعد ثورة يناير 2011. فهو من جيل عاصر الثورات الطلابية في منتصف الستينات في فرنسا، وتفتح وعيه داخل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة في ذلك الوقت، وكانت توصف بكلية النخبة لأن عددا كبيرا ممن درسوا فيها التحقوا بالسلك الدبلوماسي المصري أو احترفوا مهنة الصحافة، وكان هو من النوع الثاني.
يصعب تصنيف حمودة في خانة سياسية محددة، ولم يسمح بأي قيود تقليدية أن تقود توجهاته أو تفرض عليه نسقا مهنيا معينا، ولم يحرمه ميله نحو رموز ناصرية ويسارية من استقلاليته، فقد اقترب كثيرا من الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، فضلا عن انتمائه إلى “روز اليوسف” وهي أكبر مدرسة صحافية استقطبت شخصيات يسارية وبدت كرأس حربة في معاركهم، ومع ذلك لم يسمح لهيكل أو “روزا” أن يؤثرا على تصوراته وقناعاته الشخصية.
ولم يحوله اقترابه كثيرا من هيكل إلى تابع له أو أن يصبح أحد حراس معبده الصحافي، إذ كان حريصا على أن يحتفظ بحد فاصل بين التلميذ والمعلم، ما جعل من تابعوا مسيرته يضعونه في طليعة من استفادوا من هيكل دون أن يتحول إلى عبد له في بلاط صاحبة الجلالة، ربما حاول تقليده فقط في طريقة السرد الصحافي والتركيز على المعلومات ونسج شبكة من العلاقات مع الساسة والمسؤولين في مصر وخارجها.
إنذار مبكر
الإعلان مؤخراً عن أن حمودة سيكون أحد مقدمي البرامج في قناة القاهرة الإخبارية التي ستنطلق بعد أيام قليلة، دفع المتابعين إلى التساؤل عن نوعية البرنامج الذي سيقدمه وهويته السياسية
يحسب لحمودة أنه كان في طليعة من حذروا من ترك الساحة فارغة أمام تيار الإسلام السياسي. وشنت مجلة “روز اليوسف”، عندما كان مسؤولا مباشرا عن إدارة تحريرها، الكثير من الحملات ضد الإخوان والسلفيين، وفضح كتاب المجلة شخصيات لمعت في بعض وسائل الإعلام بتشجيع من أجهزة الدولة ضمن لعبة سياسية في عهد مبارك انقلبت عليه في النهاية عندما اقتنصت جماعة الإخوان السلطة.
ويملك حمودة رصيدا مهنيا وسياسيا يجعله في مقدمة المدافعين عن النظام المصري الحالي، فالقواسم المشتركة بينهما كبيرة، وهو ما جعل الاستعانة به في قناة القاهرة الإخبارية أمرا جيدا، لأن مروحته الثقافية الواسعة يمكن أن تكون عنصرا مهما في تناول القضايا وطريقة شرحها، خاصة أنه يجيد المشي وسط الأسلاك الشائكة.
عندما يجد الأبواب الداخلية مغلقة أمامه ولا يتناول أزمات اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية تهم المواطنين يلجأ سريعا إلى الأزمات الخارجية التي يتقن فنون التعامل معها بأسلوب الحكايات وتتبع مصادرها، فالسرديات التي قد يقدمها إلى جمهور فضائية مصرية لن تنضب، وتكفيه ليكون بعيدا عن طرق ما يشغل بال المواطن في الداخل.