لماذا يجافينا النوم أحيانا رغم الشعور بالإرهاق الشديد؟

الحياة في بيئة اجتماعية مزدحمة أو اكتساب سلوكيات جديدة تحفز تغيرات داخل الخلايا المسؤولة عن النوم.
الأربعاء 2022/10/19
مراكز النوم داخل المخ مسؤولة عن النوم من عدمه

سان فرانسيسكو (الولايات المتحدة) - توصل فريق بحثي من الولايات المتحدة إلى أن النوم السريع أو السهاد رغم الشعور بالتعب والإرهاق يرتبط بنشاط خلايا عصبية معينة داخل المخ، بعد دراسات متعمقة أجريت على ذبابة الفاكهة.

ووجد الفريق البحثي من كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس وجامعة ميزوري في كانساس أن ذبابة الفاكهة تظل متيقظة ويجافيها النوم في حالة الشعور بالخطر رغم قضاء يوم شاق، وهم يأملون في أن تساعد هذه الدراسة في التوصل إلى أساليب جديدة لعلاج مشكلات الأرق وتحسين إمكانية النوم لدى البشر بشكل عام.

ويقول الباحث بول شو أستاذ طب الأعصاب بجامعة واشنطن “إذا كنت مريضا أو مرهقا أو تعلمت شيئا جديدا، فإنك تنام فترات أطول”، ولكنه استطرد قائلا “ولكن إذا ما حدث لك شيء خطير، فإن عقلك يقول لك، كلا الآن ليس وقت النوم مهما كنت تشعر بالتعب، فالخلايا العصبية التي تتحكم في النوم هي التي تحدد الفرق بين النوم في أمان والنوم في أوقات الخطر”.

النوم يعزز عملية الذاكرة والتعلم، ويقوي القدرات الابداعية، والبشر والذباب ينامون لفترات أطول، بعد القيام بأنشطة ذهنية

ومن المعروف أن عادات النوم لدى ذبابة الفاكهة تتشابه إلى حد كبير مع عادات النوم لدى الإنسان، فالذبابة تنشط في ساعات النهار وتنام ليلا، وأحيانا تغفو قليلا وقت القيلولة لاسيما في الأيام الحارة، كما أن الكافيين يبقيها متيقظة، وتتأثر بالأدوية المهدئة والمنومة التي يتأثر بها الإنسان. ولكن الفارق الأساسي بيننا وبين الذبابة، هو أن مخها أصغر ملايين المرات من مخ الإنسان، مما يجعل من السهل التعرف على الدور الذي تقوم به كل خلية عصبية في التأثير على سلوك الذبابة.

وفي إطار الدراسة التي نشرتها الدورية العلمية “بلوس بيولوجي” المتخصصة في الأبحاث في علم الأحياء، عكف شو وزميله ستيفان ديزل المتخصص في العلوم البيولوجية بجامعة ميزوري على دراسة 24 خلية عصبية داخل مخ الذباب، باعتبار أن هذه الخلايا هي المسؤولة عن استيقاظ الذبابة ونومها.

وتوصل الباحثون إلى أن هذه الخلايا العصبية تتلقى الإشارات الخاصة بالنوم من خلايا أخرى داخل المخ عبر ما يطلق عليه اسم الناقلات العصبية، وركزت الدراسة على تحديد ما إذا كانت المؤثرات الخارجية المختلفة التي يتعرض لها الذباب تؤثر على استجابة تلك الخلايا الـ24، وبالتالي على تحفيز الشعور بالنعاس لدى هذه الحشرات.

وتشير دراسات سابقة إلى أن النوم يعزز عملية الذاكرة والتعلم، ويقوي القدرات الابداعية، وأن البشر والذباب ينامون لفترات أطول، بعد القيام بأنشطة ذهنية. وفي إطار الدراسة، أثبت الباحثون أن الحياة في بيئة اجتماعية مزدحمة أو اكتساب سلوكيات جديدة تحفز تغيرات جزيئية داخل الخلايا العصبية المسؤولة عن النوم في مخ الذباب، بحيث تجعلها أقل استجابة لهرمون الدوبامين، المسؤول عن التيقظ، وبالتالي تصبح أكثر ميلا إلى النعاس.

ء

ومن ناحية أخرى، وجد الفريق البحثي أنه عندما يزعج الذباب بشكل منتظم أثناء النوم عن طريق تحريك الزجاجات التي يعيش داخلها على سبيل المثال، فإن مخ الذباب يفرز مادتي الجلوتامات المحفزة على النوم وكذلك ألاتوستاتين إيه التي تحفز الشعور بالتيقظ في نفس الوقت. ويتسبب هذا المزيج المتضارب من المادتين في بقاء الذباب متيقظا رغم الشعور بالإرهاق، بغرض مواجهة هذا الخطر الذي يتهدده.

ويقول شو في تصريحات أوردها الموقع الإلكتروني “ميديكال إكسبريس” المتخصص في الأبحاث الطبية إن “الكثير من الناس لا ينامون جيدا ولا يعرفون السبب وراء ذلك، وتشير البيانات التي توصلنا إليها إلى أن هناك استعدادا وراثيا بشأن طريقة تفسير مراكز النوم داخل المخ للإشارات العصبية المختلفة، وإذا ما حدث خلل في هذه المنظومة، لا يستطيع الإنسان النوم”. وأضاف أنه “من خلال فهم أسباب ظهور هذه الإشارات العصبية المتضاربة داخل المخ، يمكننا أن نفهم كيفية ابتكار أدوية ووسائل علاجية لمشكلات النوم لدى البشر”.

17