مستقبل إيثيريوم لا يزال ضبابيا رغم تحسين أدائها البيئي

الانتقال الذي طال انتظاره يحدث زلزالاً حقيقياً لدى العاملين في مجال تعدين العملات الرقمية.
الأحد 2022/10/16
تجديد يخيف المستثمرين

باريس – نجحت إيثيريوم، ثاني أهم سلاسل الكتل (بلوكتشين) لتشفير العملات الرقمية في العالم بعد تلك المستخدمة مع البيتكوين، في تقليص أثرها البيئي بدرجة كبيرة، لكن هذا التغيير قد تكون له تبعات ثقيلة وفق أخصائيين.

ومنذ إطلاقها عام 2015، باتت إيثيريوم تستضيف معاملات بمليارات الدولارات، لاسيما بفضل العملة المشفرة إيثر، كما تعمل كدعم للعديد من الأصول بينها الـ”أن.إف.تي”، وهي شهادات توثيق رقمية لا يمكن تزويرها.

وبعد أشهر من التحضير، أكملت سلسلة الكتل هذه – وهو مصطلح يشير إلى سجل معلوماتي ضخم – بنجاح في الخامس عشر سبتمبر أحد أكبر تحديثات البرامج في تاريخ هذا القطاع.

وقامت هذه العملية المحفوفة بالمخاطر التي أُطلق عليها اسم “ذي ميرج” (الدمج) على تغيير أحد ركائز عمل إيثيريوم – طريقة التحقق من صحة العمليات – للانتقال نحو نظام أقل استهلاكاً للطاقة.

شبكة إيثريوم تعتبر وطنا لنحو 3500 تطبيق لامركزي نشط، بدءاً من بورصات العملات المشفَّرة إلى الألعاب

وبما أنها تعمل بدون سلطة مركزية، فإن الأمر متروك لبعض مستخدمي إيثيريوم للتحقق من صحة العمليات التي تحدث على هذا السجل الواسع.

وحتى منتصف سبتمبر، للانتماء إلى دائرة “المدققين” هذه، كان من الضروري حل معادلات حسابية معقدة للغاية باستخدام معدات تقنية ذات قوة معالجة حاسوبية عملاقة، وهذه العملية المسماة “برووف اوف وورك” (إثبات العمل) تستهلك قدراً كبيراً من الكهرباء.

والمعادلات الحسابية هي الطريقة التي اعتمدتها الشبكة منذ إطلاقها، ليتنافس المنقبون على حلها في أقصر وقت ممكن، وبالتوازي يتمكن من إنشاء كتلة جديدة داخل نظام سلسلة الكتل، والتي تحتوي بيانات كافة المعاملات التي تُجرى بشكل آمن ومشفر، ولكن هذه الطريقة كانت تستهلك كماً ضخماً من الطاقة.

لكن من الآن فصاعداً، يجب أن يضع “المدققون” مبلغاً من عملة إيثر ليكون لهم الحق في التحقق. طريقة تسمى “برووف أوف ستيك” (إثبات الحصة) وتسمح بتفادي اللجوء إلى بنية تحتية ثقيلة مع الاكتفاء باستخدام برمجيات ليتم توفير كم ضخم من الطاقة.

يُذكر أن التحديث تأجل مرات منذ 2017، حتى ساد اعتقاد أنه لن يخرج إلى النور.

ولم يحدث مثل هذا التطوير في صناعة التشفير من قبل، في وقت تعتبر شبكة “إيثريوم” موطناً لنحو 3500 تطبيق لا مركزي نشط، بدءاً من بورصات العملات المشفَّرة إلى الألعاب.

وبعد ما يقرب من شهر، أدى هذا التغيير بالفعل إلى تراجع بأكثر من 99 في المئة في استهلاك الكهرباء من بلوكتشين، والذي كان حتى ذلك الحين يعادل إلى حد ما استهلاك بلد مثل نيوزيلندا، بحسب الخبير الاقتصادي في جامعة أمستردام الحرة أليكس دي فريس.

ويقول الباحث المتخصص في العملات المشفرة في معهد كينغز كولدج لندن موريتز بلات إن تقدير 99 في المئة واقعي ويمثل خطوة إيجابية نحو “استدامة العملة المشفرة”.

لم يحدث مثل هذا التطوير في صناعة التشفير من قبل
لم يحدث مثل هذا التطوير في صناعة التشفير من قبل

من ناحية أخرى، أحدث هذا الانتقال الذي طال انتظاره زلزالاً حقيقياً لدى العاملين في مجال تعدين العملات الرقمية، وهم أفراد مسؤولون عن التحقق من صحة العمليات استثمروا في معدات كمبيوتر عالية الأداء.

وقبل “الدمج”، كان بإمكان هذا القطاع جني حوالي 22 مليون دولار يومياً من إيثيريوم وحدها، وفق أليكس دي فريس، لكنّ طريقة التحقق الجديدة من صحة المعاملات جعلت ما سبقها يبدو قديماً.

ويشتكي عامل تعدين للعملات المشفرة يعرّف عن نفسه باسم “ج”، ويعمل بين سنغافورة وهونغ كونغ، من أنه “لا يمكن إعادة بيع كل هذه البنية التحتية بطريقة سحرية واستعادة رأس المال المستثمر”.

نتيجة أخرى غير مرغوب فيها لعملية “الدمج” هي تعزيز الطابع المركزي للإيثيريوم.

ويمكن لأي شخص قادر على التعهد بمبلغ معين من إيثر خوض عمليات التحقق الآن. وكلما زاد المبلغ المرهون، زادت إمكانيات التحقق، وبالتالي تحقيق الربح.

وبالتالي، يمنح النظام ميزة لأكبر اللاعبين، وثلاث شركات تمثل حالياً أكثر من نصف “المدققين”، وفق دراسة أجرتها شركة “دون أناليتيكس”.

ويشكل ذلك ضربة للعملات المشفرة التي تم إنشاؤها في الأصل كبديل لامركزي للبنوك والحكومات بعد أزمة عام 2008.

وفي الولايات المتحدة، اعتبر رئيس هيئة تنظيم السوق، غاري غينسلر سابقاً أن نظام “إثبات الحصة” يمكن أن يساوي العملات المشفرة بسوق الأوراق المالية، ما يؤدي فعلياً إلى تنظيم قوي أكبر.

وسيكون السيناريو الكارثي بالنسبة إلى إيثيريوم هو أن يفضّل عدد كافٍ من المستخدمين الساخطين بدائل لا تزال تستخدم نظام “إثبات العمل”، ولاسيما الخيار الرئيسي المسمى إيثيريوم كلاسيك.

وبحسب أليكس دو فريس من المحتمل أن يحقق عمال تعدين العملات المشفرة أرباحاً كبيرة في حال حصول تحولات لمصلحتهم في السوق. ويشير إلى أن التهافت للتحول من بلوكتشين الأكثر مراعاة للبيئة إلى النوع الأكثر استهلاكا للطاقة سيكون “ممكنا بالكامل”.

15