العالم التركي حقل ألغام جيوبوليتيكية

أنقرة تبحث عن مصالح لن تتكفل الروابط الثقافية بتحقيقها.
الاثنين 2022/10/10
هدف تركيا تفعيل ممر نقل بديل عبر أوراسيا من الصين إلى أوروبا يلتف على روسيا

حياة جديدة بعثها غزو روسيا لأوكرنيا في رؤية تركيا لعالم تركي يمتد من الأناضول إلى شينجيانغ في شمال غرب الصين. وساعد ظل روسيا على المنطقة ورغبة دول آسيا الوسطى في موازنة موسكو وبكين لتعزيز العلاقات بينها وبين تركيا في السياسة والدفاع. وقد تكون هذه الفرصة مغرية لتركيا، لكن حقول الألغام الجيوسياسية فيها كثيرة وشديدة الخطورة.

أنقرة - أسهم تطوير تركيا الناجح لطائرة مسيّرة أثبتت قدراتها في المعارك بجعل هذا البلد طرفا في صراعات آسيا الوسطى، ومشاركا فعليا في حروب القوقاز، حيث تهتم أنقرة بتأسيس علاقات جيدة مع أذربيجان وعدوتها اللدودة أرمينيا.

وكان استخدام قرغيزستان للطائرات التركية دون طيار من طراز “بيرقدار تي بي 2” في الاشتباكات الحدودية بين هذه الدولة الواقعة في آسيا الوسطى وطاجيكستان، وكذلك استخدام أوكرانيا لها في الحرب ضد روسيا قد أثار جدلا حادا، وفقاً لجيمس دورسي الذي يرى أن آسيا الوسطى تشبه الآن فترة التسعينات، عندما احتدت المنافسة بين القوى العالمية والإقليمية على التأثير في المنطقة الغنية بالموارد.

وحسب تحليل إيشيك كوسكو بونينفانت، وهو باحث في شؤون أوراسيا، فقد سعت قيرغيزستان حتى قبل الاشتباكات الأخيرة دون جدوى إلى تأخير بيع طائرات تركية مسيّرة إلى طاجيكستان إن لم يكن منعه.

وأبلغ وزير خارجية قيرغيزستان جينبيك كولوبييف في أبريل البرلمان أن تركيا استجابت لطلب قرغيزستان بالقول “إنه عمل تجاري”. ولم توقع تركيا وطاجيكستان اتفاقا بعد.

ويجدر الذكر أن أردوغان، مثل نظرائه الصينيين والروس، لم يبذل أيّ جهد متضافر لإنهاء الاشتباكات الحدودية على الرغم من أنه كان على بعد 320 كيلومترا فقط من ساحة المعركة عندما حضر قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سبتمبر. وكانت تلك الاشتباكات أخطر صراع عسكري في آسيا الوسطى منذ تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991.

وتبقى أوكرانيا حقل ألغام أكبر لتركيا بسبب يتجاوز بيع الطائرات المسيّرة ويشمل خططها لبناء منشأة تركية لتصنيع هذه الطائرات في الدولة التي مزقتها الحرب والصلات التركية مع أتراك شبه جزيرة القرم.

قوميات ومصالح

المسيرات التركية تغزو العالم
المسيرات التركية تغزو العالم

دعا أردوغان روسيا في أغسطس إلى “إعادة” شبه جزيرة القرم إلى “أصحابها الشرعيين“، بعد أن ضمتها روسيا في العام 2014.

وقال أردوغان للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إشارة إلى تتار القرم “هؤلاء هم أحفادنا في نفس الوقت، نقصد الأشخاص الذين يعيشون هناك. إذا كنت ستقطع خطوة إلى الأمام، وإذا كان بإمكانك تركنا، فستخفف أيضا على تتار القرم وأوكرانيا. هذا ما قلناه دائما”.

وتعقّد الوضع بمساعدة تحالف من العشرات من منظمات المجتمع المدني القوقازية في تركيا للروس الذين يفرون إلى تركيا لتجنب الخدمة العسكرية بعد أن أعلن بوتين التعبئة.

أردوغان، مثل نظرائه الصينيين والروس، لم يبذل أيّ جهد متضافر لإنهاء الاشتباكات الحدودية على الرغم من أنه كان على بعد 320 كيلومترا فقط من ساحة المعركة

وتركيا هي موطن لأربعة ملايين مواطن تركي تعود جذورهم إلى القوقاز، وقد دعم المجتمع القوقازي في الماضي اللاجئين من التدخلات الروسية في المناطق الجورجية في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا والشيشان، وكذلك الشركس الفارين من الحرب في سوريا بعد اندلاع الحرب الأهلية في 2011.

وجاء الدعم للروس الرافضين للقتال في أوكرانيا في الوقت الذي ناشد فيه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الشعوب العرقية الروسية لمقاومة استدعاء الكرملين العسكري.

ولم يمر الدعم، على خلفية الاحتجاجات المناهضة للحرب في جمهورية داغستان الروسية ذات الأغلبية المسلمة في شمال القوقاز، دون أن يلاحظه أنصار بوتين.

واتهم عضو البرلمان الروسي بيني سلطان خامزاييف المحتجين على التعبئة التي أعلنها بوتين بأنهم ”قوموق” من أصول تركية يخوضون جهادا بتوجيه من تركيا ضد روسيا منذ عهد القيصر بطرس الأكبر. و”القوموق” هم أكبر مجموعة عرقية تركية في شمال القوقاز.

بدا إلقاء اللوم على تركيا بسبب المشاعر المناهضة للتعبئة والمناهضة لبوتين في القوقاز أكثر من مجرد تقديم كبش فداء. وتعود الاضطرابات في المنطقة إلى تصوّر بوتين للقوقاز على أنه نقطة ضعف لروسيا. كما كان منع التوجّهات الإسلامية التي ازدهر في الحرب الأهلية السورية من الانتشار إلى المناطق الإسلامية في روسيا أحد أسباب تدخل بوتين عسكريا في سوريا لضمان بقاء الرئيس السوري بشار الأسد.

ويقول الخبير الإستراتيجي الجيوسياسي روبرت دي كابلان إنه “إذا ما تذبذب نظام الكرملين بسبب عوامل ناشئة عن حرب أوكرانيا، فإن روسيا يمكن أن تصبح نسخة مخفّفة من يوغوسلافيا السابقة، غير قادرة على السيطرة على أراضيها التاريخية في القوقاز وسيبيريا وشرق آسيا”.

وهم حماية الأتراك والمسلمين

أردغوان يبسط نفوذه من جديد
أردغوان يبسط نفوذه من جديد

وبالإضافة إلى محنة تتار القرم والدعم العرقي القوقازي للمشاعر المعادية لأوكرانيا في الحرب، فإن المنفيين الإيغور هم مجموعة تركية أخرى تعقد رؤية تركيا لعالم تركي. وقد أصبح المنفيون صريحين على نحو متزايد في احتجاجهم على القمع الصيني الوحشي للأقلية التركية في شينجيانغ.

ويعتبر نشاط الإيغور قضية حساسة بشكل خاص لتركيا والصين بسبب الدعم التركي طويل الأمد لأبناء عمومتهم العرقيين وحقيقة أن تركيا هي موطن لأكبر مجتمع من الإيغور في المنفى في العالم. ولا تقبل الصين أيّ انتقادات خارجية. وقد سعت تركيا في الآونة الأخيرة إلى إسكات احتجاجات الإيغور وسط تقارير عن تخفيف القمع في شينجيانغ.

سجلت أنقرة نقاطا دبلوماسية هذا الأسبوع من خلال ترتيب اجتماع ثلاثي غير رسمي بين أردوغان والرئيس الأذري إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان على هامش القمة الأوروبية في براغ.

بيني سلطان خامزاييف: رافضو تعبئة بوتين يخوضون جهادا بتوجيه من تركيا ضد روسيا

وكان هذا أول اجتماع على الإطلاق بين أردوغان وباشينيان. فليس لتركيا، التي دعمت أذربيجان في حرب القوقاز عام 2020 ضد أرمينيا وجددت الاشتباكات في سبتمبر، علاقات دبلوماسية أو تجارية مع أرمينيا منذ التسعينات.

ويسعى البلدان، على الرغم من الخلافات حول مقتل 1.5 مليون شخص تقول أرمينيا إنه كان على يد الإمبراطورية العثمانية، إلى إعادة العلاقات منذ أوائل السنة الحالية.

ومع ذلك، يتعين على تركيا أن تخطو بحذر في تقاربها مع أرمينيا لضمان عدم الإضرار بعلاقتها مع أذربيجان، حليفتها الأولى في القوقاز.

وقد لا يكون تصوير تركيا لنفسها على أنها حامية المصالح التركية والمسلمة كافيا لمواكبة التقدم الصيني على الأرض في آسيا الوسطى، حتى لو كانت ستستفيد من التدافع لتفعيل ممر نقل بديل عبر أوراسيا من الصين إلى أوروبا يلتف على روسيا من خلال اجتياز الجمهوريات السوفياتية السابقة المستقلة.

الباحث رافايلو بانتوتشي قال في ندوة عبر الإنترنت مؤخرا إنه “لم يكن لدى تركيا من القوة الاقتصادية ما يؤهلها للدخول إلى المنطقة بنفس الطريقة التي تدخل بها الصين على الرغم من التجارة النشطة مع دول آسيا الوسطى“، بينما تأمل تركيا أن يؤدي تركيزها على الروابط الثقافية إلى تعويض ضعفها الاقتصادي.

وأصبحت تركيا في الأسبوع الماضي أول دولة من خارج آسيا الوسطى تستضيف مهرجان الألعاب البدوية العالمية الذي يشمل مسابقة مخصصة للرياضات العرقية التركية. وافتتح أردوغان الألعاب، ويترأس ابنه بلال الاتحاد العالمي للرياضات التقليدية.

وعن ذلك يقول خبير الاقتصاد الرياضي صباح الدين ديفيشيوغلو “تعتبر استضافة المنظمات الرياضية بهذا الحجم جانبا مهمّا من جوانب القوة الناعمة، فهي تركز على التراث غير المادي الذي يستحق الحماية”.

6