ملامح صراع قوي أميركي جنوبي - أوروبي في مونديال قطر

اقترب موعد انطلاق بطولة كأس العالم 2022 التي تستضيفها قطر لأول مرة في الوطن العربي. ويترقب المتابعون هوية بطل النسخة رقم 22 التي تقام في قطر، خاصة في ظل صراع لاتيني – أوروبي على لقب كأس العالم على مدار النسخ الماضية. وتواصل الصراع بين القارتين في النسخ السبع الثانية للمونديال. فكيف تبدو ملامح المنافسة بين أميركا الجنوبية وأوروبا.
باريس - في حين تُراكم فرنسا حاملة اللقب الإصابات والمخاوف تبدو البرازيل، المرشحة الدائمة للفوز باللقب، في أفضل أيامها، إذ قدّم المرشحون البارزون للمنافسة على الكأس الغالية في مونديال قطر 2022 نهاية العام مستويات متفاوتة قبل شهرين من انطلاق الحدث العالمي.
وإذا كان هناك مرشح بارز للفوز باللقب فقد يكون البرازيل التي فازت في آخر سبع مباريات وسجلت خلالها 26 هدفا واستقبلت شباكها هدفين فقط. فنجمها نيمار يعيش أفضل أيام مسيرته مع باريس سان جرمان الفرنسي والسيليساو، ويقدم إلى جانب زملائه في منتخب السامبا عروضا رائعة تذكر بأجيال ذهبية سابقة مع وفرة اللاعبين الموهوبين في الخط الأمامي ما قد يشكل صداعا للمدرب تيتي.
وقال القائد تياغو سيلفا بعد الفوز 5 - 1 على تونس لتبقى البرازيل من دون خسارة للمباراة الـ15 تواليا وتحديدا منذ خسارتها نهائي كوبا أميركا ضد الأرجنتين العام الماضي "نحن على الطريق الصحيح". من جهته، يصل منتخب التانغو إلى قطر بفورمة رائعة بعد سلسلة من 35 مباراة من دون هزيمة وعينه على تحطيم الرقم القياسي الذي تحمله إيطاليا (37).
وكان “ألبي سيليستي” تفوّق على الآتزوري بالذات في مباراة “فيناليسيما” (3 – 0) بين بطل أوروبا وبطل أميركا الجنوبية في يونيو الماضي. وسيسعى القائد والنجم ليونيل ميسي إلى مهمته الأخيرة: الفوز أخيرا بكأس العالم. ويؤكد لويس أنريكي مدرب إسبانيا أن “الأرجنتين والبرازيل دائما من بين المرشحين، في أي نهائيات لكأس العالم، نظرا لتاريخهما. هما الأفضل الآن".
واكتفت فرنسا بطلة العالم عام 2018 في روسيا بفوز واحد في مبارياتها الست الأخيرة كان أمام النمسا المتواضعة (2 – 0) وأفلتت من الهبوط إلى المستوى الثاني في دوري الأمم الأوروبية.
ولا شك أن المدرب ديدييه ديشامب واجه العديد من الغيابات مثل كريم بنزيمة المرشح الأبرز لحصد الكرة الذهبية هذا العام، والقائد الحارس هوغو لوريس أو صانع الألعاب بول بوغبا الذي يترنح بين إصابة في الركبة ومشاكل عائلية خارج المستطيل الأخضر. وقال ديشامب “الشيء المهم هو أن نكون قادرين على استعادة كل (عناصر) قوتنا في غضون شهرين".
ولم تفلح إنجلترا، وصيفة بطل أوروبا العام الماضي والتي بلغت نصف نهائي مونديال 2018، من جهتها في تفادي الهبوط إلى المستوى الثاني في دوري الأمم بعد ثلاثة تعادلات وثلاث هزائم في مجموعتها التي تذيّلتها خلف إيطاليا والمجر وألمانيا. وقال المدرب غاريث ساوثغيت بعد التعادل مع ألمانيا 3 – 3 في المباراة الأخيرة "كانت فترة غريبة. تمكنت منتخبات قليلة من إيجاد فورمتها ومستواها".
أفضل حال
يحوم الشكّ أيضا حول ألمانيا، ولكن بدرجة أقل. بعد خسارتها على أرضها أمام المجر (1 – 0) في الجولة ما قبل الأخيرة، خرجت من المنافسة لبلوغ نهائيات دوري الأمم بعد أن أقصيت من الدور ثمن النهائي في كأس أوروبا العام الماضي. ولكن كتيبة المدرب هانزي فليك لديها موارد وجيل شاب طموح يجسّده الجناح جمال موسيالا. ووقعت في المونديال في المجموعة الخامسة إلى جانب إسبانيا بقيادة المدرب لويس أنريكي التي تقدم كرة قدم جميلة على الرغم من الشكوك المتكرّرة حول مركز المهاجم الصريح وحارس المرمى غير الثابت في الأداء أوناي سيمون.
وشكك ديتمار هامان، لاعب المنتخب الألماني السابق، في فرص منتخب بلاده في التتويج بلقب بطولة كأس العالم. وكتب هامان “بالنظر إلى كأس العالم، لديّ مخاوف كبيرة. لا أعلم إذا كان لاعبو المنتخب الألماني جيدين بما يكفي لحساب فرصهم في الفوز باللقب". وتحدث هامان، الذي لعب 59 مباراة دولية، تحديدا عن مركزي الهجوم وخط الوسط المدافع، وقال “ليس لدينا مهاجم صريح في الأمام، ولا يوجد لاعب خط وسط مدافع حقيقي، هذان من أهم المراكز".
◙ إذا كان هناك مرشح بارز للفوز باللقب، فقد تكون البرازيل التي فازت في آخر سبع مباريات وسجلت خلالها 26 هدفا
وإضافة إلى ذلك، أكد هامان أنه لا يوجد أيّ منتخب في أوروبا "يعتمد على لاعبي فريق واحد كما يفعل المنتخب الألماني الذي يعتمد على لاعبي بايرن ميونخ”. وبالنظر إلى تراجع فريق بايرن ميونخ في الدوري الألماني فإن أداء لاعبي بايرن الدوليين انخفض بشكل كبير.
وقال هامان "على الأقل، ألمح (ليروي) ساني بما يمكنه أن يقوم به، بينما يظل (سيرج) غنابري لغزا". ووجه هامان نصيحة لهانزي فليك، مدرب المنتخب الألماني، بضم ماتس هوميلز، مدافع دورتموند، وفلوريان فريتز، لاعب باير ليفركوزن، المصاب حاليا، إلى قائمة الـ26 لاعبا التي ستخوض المونديال. وذكر هامان أنه يتعين على فليك أن يعطي حرية كبيرة لجمال موسيالا في مركز صانع الألعاب، ولكن الأمر في النهاية يتعلق بتماسك الفريق.
وتغلّبت إسبانيا التي بلغت نصف نهائي كأس أوروبا، في الوقت القاتل على مضيفتها البرتغال 1-0 لتبلغ المربع الذهبي لدوري الأمم وتثير الشكوك مجددا في كريستيانو رونالدو وزملائه الذين احتاجوا إلى الملحق لبلوغ نهائيات كأس العالم.
من جهتها، تصل هولندا، الغائبة الأبرز عن مونديال 2018 إلى جانب إيطاليا، بجيل جديد وزخم كبير بعد التأهل إلى المربع الأخير في دوري الأمم الذي سيقام في يونيو 2023.
وتفوقت "الطواحين" بقيادة المدرب لويس فان غال في مباراتها الأخيرة في دوري الأمم على بلجيكا التي لا تزال تبحث عن لقب دولي أول في حقبة جيلها الذهبي الذي يضم صانع الألعاب الرائع كيفن دي بروين، إدين هازارد، الحارس تيبو كورتوا وغيرهم بعد أن بلغت نصف النهائي في مونديال 2018. ويبدو الكنديون بقيادة نجميهما جوناثان ديفيد (ليل الفرنسي) وألفونسو ديفيس (بايرن ميونخ الألماني)، مستعدين لمفاجأة الخصوم في مشاركتهم الثانية فقط بعد عام 1986.
معجزة برازيلية
كان منتخب البرازيل على بعد خطوات قليلة من تحقيق معجزة في المونديال بحصد اللقب 3 مرات متتالية. المنتخب البرازيلي قدم نسخة مبهرة في مونديال 1994 بالولايات المتحدة بقيادة الدويتو الهجومي المرعب روماريو وبيبيتو. راقصو السامبا قطعوا الطريق نحو النهائي بأداء مميز، لكن اللقاء النهائي كان من أجمل مواجهات المونديال بين البرازيل وإيطاليا، وامتد دون أهداف حتى ركلات الترجيح، وأضاع روبرتو باجيو ضربة الترجيح ليهدر حلمه في قيادة الآتزوري إلى اللقب.
ونجح منتخب البرازيل في مونديال 1998 في شق طريقه مرة أخرى نحو نهائي المونديال مكررا السيطرة اللاتينية، لكن أحلام راقصي السامبا اصطدمت بجيل ذهبي للكرة الفرنسية بقيادة الساحر زين الدين زيدان.
وحقق منتخب فرنسا، لقب المونديال للمرة الأولى في تاريخه، بعد فوزه على البرازيل في اللقاء النهائي بنتيجة 3-0. الديوك الفرنسية حطمت حلم التتويج للمنتخب البرازيلي 3 مرات متتالية، بعدما قاد الظاهرة رونالدو راقصي السامبا للحصول على لقب كأس العالم 2002 بتغلبه على ألمانيا بنتيجة 2 - 0.

فرضت المنتخبات الأوروبية، سيطرتها على كأس العالم بعد نسخة 2002، وبدأت الفوارق تتسع في الأداء التكتيكي بين منتخبات أوروبا وأميركا الجنوبية. نسخة 2006 كانت واحدة من النسخ الرائعة للمنتخبات الأوروبية التي سيطرت على المربع الذهبي بعد تأهل إيطاليا وفرنسا وألمانيا والبرتغال.
ونجح منتخب إيطاليا في تحقيق الفوز باللقب بركلات الترجيح بعد مباراة نهائية مثيرة ضد فرنسا، وشهدت نهاية مسيرة زيدان بالنطحة الشهيرة. نسخة 2010 أقيمت لأول مرة في قارة أفريقيا وفي ضيافة جنوب أفريقيا، وفرضت أيضا منتخبات أوروبا السيطرة بعد تأهل 3 منتخبات هي إسبانيا وهولندا وألمانيا لنصف النهائي إلى جانب أوروغواي. وحسم المنتخب الإسباني لقب المونديال لأول مرة في تاريخه، بعد نهائي أوروبي خالص ضد هولندا للنسخة الثانية على التوالي.
وتوقع الكثيرون عودة المونديال للأحضان اللاتينية بعد إقامة نسخة 2014 في ضيافة البرازيل. وتأهل منتخب البرازيل صاحب الضيافة إلى نصف النهائي وبرفقته منتخب الأرجنتين، وتوقع الكثيرون نهائيا لاتينيا خالصا لأول مرة منذ نسخة 1950 ولكن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن البرازيلية.
المنتخب البرازيلي تلقى هزيمة قاسية على ملعبه أمام ألمانيا بنتيجة 1-7 وودع المونديال بسيناريو مفاجئ، لكن الأرجنتين تأهلت إلى النهائي بركلات الترجيح على حساب هولندا. وتوقع المتابعون أن ينهي ليونيل ميسي أسطورة الأرجنتين مطاردة حلمه الغائب ويحصد لقب كأس العالم، لكن الألمان رفضوا وحسموا اللقب بهدف دون رد. نسخة 2018 شهدت عودة السيطرة الأوروبية بتأهل 4 منتخبات هي فرنسا وكرواتيا وبلجيكا وإنجلترا. وحسم منتخب فرنسا، اللقب المونديالي بنتيجة 4 - 2 على حساب كرواتيا.
أحسن البطولات
أبدى القطري محمد بن همام الرئيس السابق للاتحاد الآسيوي لكرة القدم سعادته الكبيرة باقتراب موعد انطلاق منافسات بطولة كأس العالم في بلاده، والتي تقام خلال الفترة من 20 نوفمبر وحتى 18 ديسمبر المقبلين. وقال بن همام "أشعر بالفرح والفخر لأن عمري ممتد حتى اللحظة التي أصبح فيها المونديال على وشك الانطلاق على أرض قطر"، مشيرا إلى أن تنظيم كأس العالم في قطر كان حلما وتحقق بعدما كان أشبه بالخيال.
وأكد بن همام في تصريحات صحافية لموقع قناة الكأس القطرية "دوري في الفوز بشرف الاستضافة أعتبره الأقل بين الجميع، وعلينا أن نقدم وجها حضاريا عن قطر يجعلنا فخورين بالتنظيم ليس كقطريين فقط بل كعرب بشكل عام".
أما عن أصعب المحطات على طريق الفوز بالاستضافة يقول بن همام "بلا شك قطر كانت مستعدة لهذا التحدي أكثر من البقية، ويمكن القول إننا خضنا مباراة صعبة مع منافسين أقوياء قبل التصويت ولم نكن أقل من البقية في إقناع العالم بأحقية قطر بتنظيم المونديال ومنحنا هذه الفرصة، وكان إقناع العالم بأن قطر منافس على الفوز بالاستضافة صعبا بكل تأكيد، وعند اللحظة الحاسمة كان الفوز لقطر بكل جدارة".
◙ المرشحون البارزون للمنافسة على الكأس في قطر قدّموا نهاية العام مستويات متفاوتة قبل شهرين من انطلاق الحدث العالمي
وأضاف محمد بن همام "هناك محطة أخرى صعبة تتمثل في إنجاز الأعمال المطلوبة للاستضافة، وقطر تفوقت على نفسها وكانت قدر المسؤولية بدليل حجم التطور في البنية التحتية لاستقبال مليون ونصف مليون مشجع، وننتظر الفرحة الكبرى في ختام المونديال على ستاد لوسيل يوم 18 ديسمبر القادم".
وردا على سؤال حول قدرة قطر على إبهار العالم في المونديال قال بن همام “الحقيقة أن كأس العالم بطولة الفيفا، والأفكار التي تقدمها الدولة المنظمة تكون من الفيفا، ولا أحد يقلل من جهود الدول التي تستضيف كأس العالم وقطر ستكون في المقدمة مثل الدول العملاقة التي سبق ونظمت البطولة مثل روسيا والبرازيل وألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول العملاقة، ولا أقول إن قطر ستنظم أفضل نسخة في تاريخ كأس العالم، ولكن أنا على ثقة بأن قطر ستنظم واحدة من أحسن بطولات كأس العالم".
وبالنسبة إلى توقعاته للبطل ومستوى منتخب قطر يقول محمد بن همام "المنافسة ستكون صعبة نظرا لقوة المنتخبات المشاركة وأرشّح منتخبا أوروبيا للفوز باللقب وأصدقائي يتوقعون أن البطل لاتيني، ولكن لا أملك تصورا كاملا عن جاهزية كل منتخب مشارك في المونديال، أما عن منتخب قطر فإن اللاعبين والجماهير عليهم دور كبير من أجل إظهار وجه قطر المشرف باستضافة المونديال وعلينا جميعا تقبل النتائج لأن هناك منتخبات عملاقة مشاركة". وأضاف بن همام تصريحاته قائلا "العالم سيكون في ضيافتنا على أرض قطر، بطبيعة الحال نرحب بالجميع في كل وقت".