الإصلاح السياسي أولوية على طاولة الحوار الوطني المصري

كشف مقرر مساعد المحور السياسي بالحوار الوطني المصري مصطفى كامل السيد أن الإصلاح سيكون أولوية لدى جلسات الحوار المباشرة المتوقع انطلاقها الأيام المقبلة، لما سيترتب عليه من قرارات وتوصيات يمكن تحويلها بسهولة إلى قوانين وتشريعات قد تحدث تغييراً ملموساً في الأوضاع الداخلية العامة إذا كانت هناك مساع جادة نحو إطلاق حريات التعبير أو التنظيم.
القاهرة - المحور الاقتصادي هو محل اهتمام كبير كما يقول مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية بالقاهرة، في حوار خاص أجرته معه ”العرب“، لكن نتائجه ستكون طويلة الأجل وقضاياه صعبة وشائكة وفي حاجة إلى وضع خطوات تدريجية تستغرق سنوات نحو الوصول إلى حلول لضبط الموازنة العامة للدولة وتقليل الفجوة في ميزان المدفوعات، إلى جانب ارتباط الحكومة بقرض صندوق النقد الدولي الذي سيكون من الصعب تجاوز شروطه في الوقت الحالي.
وانتهى مجلس أمناء الحوار الوطني خلال اجتماعه الذي عقد الأسبوع الماضي من تشكيل الأمانات الفنية للحوار وتوافق على تعيين 12 شخصًا للمحور السياسي ولجانه المنبثقة عنه ليكون أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ووزير الشباب المصري الأسبق علي الدين هلال مقرراً عاماً للحوار السياسي، وتم اختيار مصطفى كامل السيد، وهو أحد أعضاء الحركة المدنية المعارضة وممثلاً عنها في الحوار الوطني، مقرراً عاماً مساعداً للمحور، بما يوحي بالتوازن الكبير في المحور السياسي.
قضايا فرعية
يوضح السيد لـ”العرب” أن المحور السياسي سيناقش خمس قضايا فرعية هي: الأحزاب السياسية ومدى الحرية المتاحة أمامها، والتطرق إلى قانون مباشرة الحقوق السياسية بما في ذلك قوانين الانتخابات، والأوضاع الخاصة بممارسة عمل النقابات المهنية ومنظمات المجتمع المدني، وقضايا حقوق الإنسان وكيفية إعادة الثقة مع المنظمات الحقوقية، ونهاية بالإدارة المحلية وكيفية التعامل مع ملف المحليات بعد أن توقفت الانتخابات المحلية لأكثر من 15 عاماً.
ويشدد على أن النقاشات من المتوقع أن تتطرق إلى إقرار قانون جديد للانتخابات أو إدخال تعديلات عليه في إطار المحور الفرعي الخاص بالحقوق السياسية، ومن المحتمل أن تقدم بعض الأطراف المشاركة في الحوار مقترحات لما يجب أن تجرى على أساسه الانتخابات في الفترة المقبلة، والتي تتم بنظام القائمة النسبية المغلقة، والتطرق إلى اشتراطات تشكيل الأحزاب ووضع آليات مناسبة تضمن مسألة ضبط تمويلها والتي ستكون محل نقاشات ضمن المحور الفرعي للأحزاب السياسية.
ويرى السيد، وهو معروف بتقديمه انتقادات لاذعة للحكومة المصرية تجاه جملة من القرارات والإجراءات التي اتخذتها السنوات الماضية، أن الإعداد للحوار الوطني الذي أعلن عنه الرئيس عبدالفتاح السيسي في أبريل الماضي يمكن أن يسير بوتيرة أسرع، لكنه عاد ليؤكدا أن ما تم توصل إليه حتى الآن جاء نتيجة مشاورات مكثفة بين مختلف الأطراف.
وأبدى السيد رضاه عن تنوع تشكيل اللجان والمحاور المشكلة قائلا إن الإعداد للحوار مازال مستمراً ويصعب الجزم بالتعرف على كافة الملفات التي ستكون حاضرة على طاولة نقاشاته، وإن الفترة المقبلة ستشهد التباحث حول قواعد إجراء الحوار وتشكيل عضوية اللجان من الخبراء والمسؤولين والنشطاء السياسيين، وبعد تسوية مرضية لبعض النقاط ستكون الأجواء مهيأة لانطلاقة الحوار بشكل فعلي.
ويواجه مجلس أمناء الحوار الوطني الذي يرأسه نقيب الصحافيين ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات الحكومية ضياء رشوان، انتقادات للتأخر في إجراءات انطلاقته، غير أن الاجتماع الأخير الذي انعقد في السابع عشر من سبتمبر الجاري وأفرز عن تشكيل عضوية اللجان المتخصصة في المحاور الثلاث، السياسي والاقتصادي والمجتمعي، أحدث حالة من التفاؤل مع اتساع رقعة تنوع الأشخاص المشاركين على رأسها وانفتاحها على تيارات معارضة كانت تتشكك من نسب تمثيلها.
لقد مرّت الفترة الماضية بحالات شد وجذب عديدة بين قوى سياسية محسوبة على الحكومة وأطراف معارضة تمثلها أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية التي تضم سبعة أحزاب وعددا من الشخصيات العامة، ويشكل الوصول إلى قدر من التواصل مع تشكيل اللجان ومقرّريها خطوة أولية تسهم في بدء حوار جاد، مع توالي الإفراج عن المحبوسين على ذمة قضايا رأي التي تمضي بوتيرة أكثر سرعة في الوقت الحالي.
خطوات جيدة.. ولكن
يعتبر السيد أن الحكومة تسير بخطوات جيدة نحو الانفتاح السياسي لكنها ليست كافية ومازالت هناك أعداد كبيرة من سجناء الرأي وبعضهم من الشخصيات المشهورة وراء الجدران، وثمة ترحيب بما يتم اتخاذه من إجراءات للإفراج عن المعتقلين مع ضرورة البناء عليها للإفراج عن كافة مسجوني الرأي قبل انطلاق الحوار مع ضرورة تسوية أوضاعهم ودمجهم في الحياة العامة والسماح لهم بممارسة حياتهم الطبيعة.
السيد يقلّل من إمكانية عودة المعارضين البارزين في الخارج ممن يواصلون توجيه الانتقادات اللاذعة للحكومة عبر الإعلام
ويقلل من إمكانية عودة المعارضين البارزين في الخارج ممن يواصلون توجيه الانتقادات اللاذعة للحكومة عبر المنابر الإعلامية أو عبر منصة يوتيوب، لكن بعض الشخصيات الذين لا يزاولون عملاً سياسيًا في الوقت الحالي من المتوقع تقديم تسهيلات لعودتهم في الفترة القريبة المقبلة.
الرئيس السيسي تحدث عن أهداف الحوار الوطني بتأكيده على حاجة المصريين إلى الاستماع لبعضهم بعضا، وفقاً للسيد، وأن الهدف منه بث الثقة بين المواطنين والسلطة، ولا يمكن الجزم حول نتائج الحوار أو ما يترتب عليه في الوقت الحالي، وإن كان هناك ترحيب بمسألة بناء جسور الثقة فضمان نجاح الحوار يتطلب وجود نتائج فاعلة له، والأمر يتوقف في النهاية على ما يقبل به رئيس الجمهورية من مخرجات يمكن تنفيذها على الأرض.
دور الحركة المدنية
أما التفكير في عقد الحوار الوطني حاليا فقد جاء نتيجة ضغوط داخلية من منظمات المجتمع المدني وبعض الأحزاب، وأخرى خارجية مارستها الولايات المتحدة التي وجهت انتقادات للملف الحقوقي وربطت بين التقدم الديمقراطي وتحسين الأوضاع الحقوقية وبين استمرار تقديم المعونات العسكرية.
وقال مسؤولون أميركيون في الآونة الأخيرة إن إدارة الرئيس جو بايدن قررت حجب 130 مليون دولار من المساعدات العسكرية الأجنبية عن مصر بسبب عدم وفائها بشروط تتعلق بحقوق الإنسان، لكنها سمحت ببعض الأموال بسبب جزمها أن القاهرة أحرزت تقدما على صعيد الاعتقالات السياسية.
وأضاف المسؤولون أن وزير الخارجية أنتوني بلينكن قرر أن القاهرة حققت بعض التقدم بشأن الاعتقالات السياسية والإجراءات القانونية واجبة الاتباع عن طريق إطلاق سراح المئات من السجناء، ما أجهض محاولات منظمات حقوقية وجماعات ضغط معادية للدولة المصرية حاولت حجب كامل حصة المساعدات التي ربطها الكونغرس الأميركي بشروط والبالغة 300 مليون دولار.
غير أن السيد يؤكد على أن العلاقة ما زالت متوترة بين القاهرة ومنظمات حقوقية جراء عدم السماح لها بالعمل في الداخل ودفعها نحو إغلاق مقارها، وأن الحكومة لديها حساسية تجاه تلك المنظمات، وأن المؤتمر ستكون من مهامه العمل على إزالة تلك الحساسيات وإقناع دوائر حكومية أن عمل المنظمات قد يكون في صالحها إذا مارست عملها بشكل طبيعي وأن الانتقادات التي توجه إليها تصب في صالح المواطنين وتشكل الاستجابة لها تحسيناً لصورة مصر في الخارج، مبدياً تخوفه من عدم قدرة أحزاب المعارضة على توظيف حالة الانفتاح الحالية لصالحها في ظل الأزمات التي تجابهها وأثّرت على فعاليتها وحضورها، ومرجعا المشكلات إلى التضييق عليها من جانب الحكومة، لكنه في الوقت ذاته يؤكد أنها أمام فرصة سانحة لإعادة بناء قواعدها واستعادة تواصلها المباشر مع المواطنين إذا جرى استكمال إجراءات الانفتاح السياسي.
مجلس أمناء الحوار الوطني يقرّ تعيين 12 شخصًا للمحور السياسي ولجانه المنبثقة عنه ليكون وزير الشباب المصري الأسبق علي الدين هلال مقرراً عاماً للحوار السياسي فيه
الفرصة مفتوحة أمام الأحزاب للاستفادة من التطور الإيجابي الحاصل، ليس فقط على المناخ السياسي، لكن على المستوى المجتمع ككل حسب السيد الذي يرى أن السماح لأحزاب الحركة المدنية الديمقراطية باعتبارها معارضة وحيدة في الداخل للتمثيل بشكل مناسب داخل الحوار مؤشر إيجابي لا بد من الاستفادة منه وتوظيفه بأفضل صورة ممكنة.
أحزاب الحركة المدنية أمامها فرصة جيدة للمشاركة في الحوار، غير أن وجود أحزاب قوية في مصر يتوقف على تنظيم انتخابات حرة ونزيهة ومفتوحة للجميع، وبتكرار تلك الانتخابات ستظهر قوة الأحزاب مع أهمية السماح بإتاحة حرية الرأي والتعبير وحرية التنظيم.
وعلى مدار الأشهر الماضية حاولت الحركة المدنية إعادة ترتيب أوراقها والحفاظ على قدر من التوافق داخلها حتى لا تظهر كطرف يواجه تفتتاً في الداخل كما هو الحال في مناسبات سياسية سابقة، وتمكنت من تجاوز استقالة رئيس حزب تيار الكرامة أحمد الطنطاوي من منصبه احتجاجاً على قبولها المشاركة في الحوار دون حد أدنى من الضمانات لإنجاحه، وأثبتت حتى الآن صحة مواقفها من المشاركة التي انعكست على حضورها بشكل فاعل في كافة لجان الحوار.
كما أن هناك العديد من التحديات التي تجابه الحوار من وجهة نظر السيد، على رأسها طول فترة الإعداد لانعقاده ما بين إطلاق دعوة إطلاقه في أبريل الماضي وحتى الآن، فالكثير من المقالات المنشورة في صحف مصرية ليست معارضة سئمت من البطء الشديد في الإجراءات، بعد أن حظيت الدعوة في بداية الأمر بترحيب واسع من السياسيين، على حد تعبيره.
والمشكلة الثانية تتمثل في عدم متابعة الرأي العام المحلي للتطورات الخاصة بالنقاشات التي ستدور في الحوار، الأمر الذي يبدو في حاجة إلى المزيد من الجهود لإقناع المواطنين بأهمية القضايا التي يثيرها وترتبط مباشرة بواقع حياتهم اليومية.
ومع ذلك يرفض السيد الجزم بإمكانية الاستجابة لمطالب المعارضة التي ستقدمها خلال الحوار، متوقعا أن يتسع صدر النظام للمقترحات التي لا تتضمن تغييراً أساسيًا في سياسات الحكومة، أما إذا كانت هناك مقترحات تتخطاها فقد لا يوافق عليها، وسيتوقف ذلك على المشاركين في الحوار والذين يشكلون أطرافا عديدة وما سيخرجون به من مقترحات ستكون في شكل تقارير تقدم إلى رئيس الجمهورية كي يحدد ما يأخذ به من عدمه ثم توجيه الحكومة للاستجابة لما يراه مناسباً من تلك التقارير.