التطبيقات الرقمية المرتبطة بالصحة لا تفي بوعودها

قطاع يتجه نحو التخمة فبات يشبه سائر القطاعات التجارية الأخرى.
الأحد 2022/09/18
تطبيقات بلا علامة السلامة "سي إي"

استحوذت الإنترنت على غالبية مستخدميها، وصار العالم الافتراضي متاجرهم ومدارسهم، وكثرت التطبيقات الصحية بعد أن وجدت رواجا كبيرا خاصة في السنوات الأخيرة، لكنّ الأخصائيين يقولون إنها صارت تشبه التطبيقات التجارية وما يتعلق منها بالرفاه لا يفي بوعوده عادة.

باريس - تعد الكثير من تطبيقات الصحة المستخدمين بتقديم خدمات مختلفة تشمل قياس معدل السكر في الدم أو نبضات القلب أو مستويات النوم خلال بضع دقائق بواسطة الهاتف المحمول لكنها لا تفي كلياً أو جزئياً عن الوفاء بوعودها.

كما تشهد التطبيقات المرتبطة بالصحة النسائية نمواً مطرداً، على وقع تعاظم نفوذ شركات التكنولوجيا العاملة في هذا المجال حتى بدأ يتجه نحو التخمة لدرجة يمكن تشبيهه بسائر القطاعات التجارية الأخرى.

وخلال السنوات الأخيرة باتت المتاجر الإلكترونية تضم مئات الآلاف من التطبيقات ذات الطابع الطبي.

وتخفي هذه الأرقام مجموعة كبيرة من الأجهزة المتفاوتة بتطورها: من متابعة وتيرة القلب إلى التكهن بإمكان حصول انتكاسات جديدة لدى المصابين بالسرطان، أو قياس متغيرات طبية مختلفة مع أو من دون الاعتماد على إكسسوارات متصلة بالإنترنت.

ويوضح نيكولا باجيس، وهو طبيب تخدير وإنعاش ومؤسس منصة “ستاتيليا” التي تتيح متابعة المرضى الذين يعانون قصوراً في القلب، أن ثمة “تطبيقات كثيرة تتيح متابعة وتيرة القلب”.

الأخصائيون يقرون أن ثمة فارقا حقيقيا بين ما يرتبط برفاه المستخدم وتلك المنتجات التي تتخذ طابعا طبيا بحتا

ويقول “يكفي وضع الإصبع على آلة التصوير في الهاتف لرصد دقات القلب عن طريق تبدل الألوان”.

وفيما أثبتت هذه التكنولوجيا “فعالية جيدة جداً”، يصعب التيقن مما إذا كان الأمر نفسه يسري على تطبيقات أخرى، وفق باجيس الذي يقول إن بعض التطبيقات “غير ذات جدوى بتاتا”، و”المهمة الصعبة تكمن في تحديدها وتمييز التطبيقات الجادة عن سواها”.

ويحذر من أن تطبيقات كثيرة تطلق وعوداً لا تستند إلى أيّ أسس علمية، مشيراً إلى أن أكثرية التطبيقات الهاتفية الموجهة للعامة لم تثبت فعاليتها في هذا المجال.

وقد أضاءت دراسة أجراها فريق فرنسي ونشرت نتائجها مجلة “جورنال أوف ميديكل إنترنت ريسرتش”، على هذه المشكلة، فمن أصل 68 تطبيقاً فرنسياً خضع للتحليل، لم تجر 64 منها أيّ دراسة سريرية هامة قبل طرحها في المتاجر الإلكترونية.

وحدها 21 في المئة من التطبيقات أجرت دراسات علمية مع بروتوكول تجريبي يرمي إلى قياس فعاليتها. ويعود ذلك خصوصا إلى أن هذه الدراسات تكلّف عشرات الآلاف من الدولارات وليست إلزامية.

ويقول ريمي سيباتييه، وهو طبيب قلب ونائب رئيس المعهد الوطني للصحة الإلكترونية الرامي إلى تنظيم بنيوي لهذا المجال، “لا يوجد مسار موحد للتطبيقات الطبية وللأدوية على سبيل المثال”.

ويضيف “كانت هناك تطبيقات تعد بقياس ضغط الدم لكن تبيّن أنها كاذبة تماماً”، وهو “أمر مزعج للغاية لمستخدميها الذين كانوا يعتقدون أنهم يراقبون مستوى الضغط لديهم”، ما يعرّض حياتهم إلى الخطر.

كذلك ثمة خطر آخر يرتبط بسلامة البيانات الصحية شديدة الحساسية، ويقول فنسان تريلي، وهو الرئيس المؤسس للجمعية من أجل أمن أنظمة البيانات الصحية “حتى اللحظة، الأمر يتسم بفوضى عارمة”.

وأكثرية التطبيقات مجانية، وفي هذه الحالة، “المنتج هو أنتم”، وفق تريلي الذي يشير إلى أن “الهدف الوحيد يكمن في جمع بيانات على نطاق واسع” بغية عادة بيعها.

هل التطبيقات الصحية جديرة بالثقة
هل التطبيقات الصحية جديرة بالثقة

ويؤكد تقرير حديث أصدرته شركة ماكنزي للاستشارات، أنّ الأمور بدأت تتغيّر في المسائل المرتبطة بصحة النساء والتي لطالما اعتُبرت “سوقاً متخصصة”، مع أن النساء يمثلن نصف البشرية، وذلك نتيجة اعتبار المستثمرين أن هذه السوق تمثل “فرصاً جديدة”.

وتنضوي الشركات الناشئة المتخصصة في هذا المجال والتي نشأت مع ظهور تقنيات جديدة تحت تسمية “فيمتيك”، وهي كلمة مركبة من كلمتي “فيمايل” (أنثى) و”تكنولوجي” (تكنولوجيا). ويُتوقع أن تبلغ قيمة هذه السوق 50 مليار دولار سنة 2024، بحسب شركة “فروست أند سوليفان”.

لكن عند دمج الصحة، وهو قطاع منظم جداً، ووسائل الراحة التي لا تخضع لقواعد واضحة، تصبح الاختراعات الممكنة هائلة وغير محددة بقواعد معينة، كالملابس الخاصة بانقطاع الطمث، والشاي المؤثر على الخصوبة، والمكملات الغذائية.

ويُشكّل نقص الإثباتات العلمية إحدى المسائل التي يطرحها اهتمام الشركات المتزايد بصحة المرأة، كما أنّ أيّ وسيلة طبية ينبغي أن تخضع لمعايير صارمة.

وأثبتت إيميلين هان، وهي مؤسِسة شركة “فيزيميد” التي طوّرت مسباراً يُستخدم لإعادة ترميم منطقة العجان، فعالية منتجها من خلال إخضاعه لتجارب سريرية.

وتقول “لا تعتمد كل الشركات المنافسة الخطوة نفسها”، مشيرةً إلى أنّ “التجارب السريرية من شأنها تأكيد فائدة الجهاز، لكن بما أنّها تحتاج إلى تمويل كبير، لا تجريها كل الشركات”.

وتشير هان إلى علامة “سي إي” التي “تُمنح لأيّ منتج مُطابق لمعايير السلامة المعمول بها، لكنّ هذه العلامة ليست دليلاً على أنّ المنتج أخضع لتجربة سريرية تثبت فعاليته، وهو ما قد يكون مضللاً للمستهلكات”.

تطبيقات ذكية تتيح متابعة وتيرة القلب
تطبيقات ذكية تتيح متابعة وتيرة القلب

ومع أنّ النظام الأوروبي العام لحماية البيانات يوفّر حماية للبيانات الصحية، إلا أنّ هنالك “صورة غير واضحة بالنسبة إلى الشركات” التي تفضّل أحياناً الإشارة إلى البيانات الصحية على أنها معلومات مرتبطة براحة المرأة، على ما تؤكد ليديا مورليه - هايدارا، وهي مديرة معهد القانون والصحة التابع لجامعة باري سيتيه المتخصصة في المسائل الرقمية.

وتضيف “عندما تحمّل المرأة تطبيقاً ما، فهي تقبل شروط استخدامه العامة وتعطي موافقتها عليها، لكن كل شيء مرتبط بما توفره المرأة من معلومات”، ومن هنا ضرورة قراءة شروط استخدام التطبيق بتمعّن.

وتقول هان إنّ التطبيقات الصحية النسائية الجديدة “تمثل خطوة تقدمية، لكن أيّ مشكلة تواجهها المنتجات غير الخاضعة للتجارب السريرية ستضرّ بكامل القطاع”. وسبق للممثلة غوينيث بالترو أن روّجت قبل سنوات لـ”بيضة مهبلية” أنتجتها علامتها التجارية “غوب”، مدعية أنها تنظم الدورة الشهرية، إلا أنّ هذه الوسيلة لم تُثبت علمياً. وأدينت غوب سنة عام 2018 بتهمة إطلاقها دعاية مضللة.

لكن لا يمكن وضع التطبيقات كلها في سلة واحدة، إذ ثمة فارق حقيقي بين ما يرتبط برفاه المستخدم، وتلك التي تتخذ طابعاً طبياً بحتاً، وفق الأخصائيين، رغم أن “الحد الفاصل يكون أحياناً غير واضح كما أن التشريعات تترك المجال لأيّ كان بأن يحدد موقعه في الخانة التي يريدها”.

ويؤكد فنسان تريلي أن “التطبيقات التي يروّج لها الأطباء” تكون “أهلاً للثقة”، لكنّ عددها ضئيل جداً. وهذه التطبيقات الموافق عليها علمياً تتيح بأكثريتها متابعة الوضع لدى المصابين بأمراض القلب أو بأمراض مزمنة مثل السكري.

15