تركيا تسعى للظهور كرقم واحد في تفكيك داعش وليس "قسد"

أنقرة تتهيأ لإدارة العلاقات مع دمشق بعد تراجعها عن تنفيذ عمليتها العسكرية التي هددت بها الشمال السوري.
الأحد 2022/09/11
مكافحة التطرف في تركيا مجرد شماعة

أشار إعلان تركيا عن إلقاء القبض على خمسة عناصر ينتمون إلى داعش بينهم قائد كبير الجمعة، إلى أنها عازمة على مواجهة التنظيم استعدادًا لمقتضيات المرحلة المقبلة.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للصحافيين على متن الطائرة في طريق عودته من جولة في البلقان إن القيادي الكبير حجي زيد العراقي جرى القبض عليه في عملية ناجحة للمخابرات وشرطة إسطنبول، كاشفًا أنه تمت متابعة الأشخاص الذين يرتبط بهم زيد في سوريا وإسطنبول لفترة طويلة.

وتتهيأ أنقرة لإدارة العلاقات مع دمشق من منطلق مغاير بعد تراجعها عن تنفيذ عمليتها العسكرية التي هددت بها مرارًا في الشمال السوري، ونزولًا عند مقتضيات التفاهمات التي أُبرمت بين روسيا وتركيا وإيران خلال قمة طهران التي جمعت قادة الدول الثلاث في يوليو الماضي.

ويدل الكشف عن خلايا داعشية تنشط في تركيا في ظل الحديث عن تقارب تركي - سوري على الرغبة في الالتفاف على شروط الحكومة السورية الخاصة بخروج تركيا من كافة الأراضي السورية عبر صرف النظر عن أهداف أنقرة الأحادية من وراء دورها الإقليمي وطرح ملفات تمثل هواجس إقليمية ودولية مشتركة، في مقدمتها خطر إعادة داعش لبناء تنظيمه وترتيب صفوفه.

القبض على قادة مهمين بداعش داخل تركيا علاوة على أفراد عائلاتهم عزز فرضية أهمية الساحة التركية للتنظيم

وتقدم تركيا ورقة المساعدة في تحجيم داعش وتفكيك بنيته التنظيمية مقابل تحقيق مطالبها لدمج الفصائل الموالية لها في التسوية المرتقبة وإبعاد قوات سوريا الديمقراطية من مناطق نفوذها شمالًا على الحدود السورية - التركية.

وبدلًا من أن يكون وجود داعش كما كان في السابق في شمال غرب سوريا الذي تسيطر عليه تركيا عاملًا في الحفاظ على قدرة التنظيم على تنفيذ هجمات في سوريا والعراق والتخطيط لهجمات خارجية، تطرح السلطات التركية ورقة دورها بالتعاون مع الفصائل الموالية لها في تفكيك بنية التنظيم وملاحقة قادته وعناصره بين سوريا والعراق.

وتعد إدلب التي تسيطر عليها الفصائل الموالية لأنقرة ملاذًا للعديد من الجماعات الجهادية المرتبطة بالقاعدة.

ويضم الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، والذي هو تحالف جهادي، عددا من أعضاء تنظيم داعش والقاعدة السابقين ممن حمتهم تركيا من هجمات القوات السورية والطائرات الحربية الروسية.

وسبق الإعلان الأخير على لسان الرئيس التركي تقديم أنقرة هدايا للإدارة الأميركية عبر تعاون الفصائل الموالية لها في الشمال السوري في عمليات الإنزال التي استهدفت قيادات داعش داخل مناطق سيطرتها.

وأسهم التعاون الضمني بين تركيا وقوات التحالف في تسهيل استهداف أبوبكر البغدادي خليفة داعش الأول داخل قرية باريشا التي تبعد أقل من خمسة كيلومترات عن الحدود التركية قرب معبر باب الهوى الحدودي.

وتكرر السيناريو مع خليفة البغدادي عبدالله قرداش الذي قُتل في أطمة التي تبعد حوالي ثلاثة كيلومترات عن الحدود التركية الجنوبية.

ولعب التنسيق الأمني العالي بين تركيا وفصائل المعارضة المسلحة من جهة وتركيا وقوات التحالف الدولي من جهة دورًا رئيسيًا في نجاح عمليات الإنزال التي نفذتها القوات الأميركية بهدف قتل قادة داعش.

كان بإمكان أنقرة استهداف قادة داعش بجهد فردي مع امتلاكها القدرة على تنفيذ تلك العمليات، لكنها فضلت التنسيق مع القوات الأميركية بهدف منح واشنطن نقاطًا توظفها لحسابات سياسية داخلية وخارجية.

ويركز الرئيس التركي في هذه المرحلة على تحييد فصائل المعارضة الموالية له ودمجها في التسوية عبر تقديمها كطرف مناهض لداعش ونفي أي تعاون مع تنظيم الدولة.

وعكس توقيت إعلان أردوغان عن إلقاء القبض على أحد كبار قادة داعش مخاوفه من تداعيات حملة التمشيط التي قامت بها مؤخرًا قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بمخيم الهول بالحسكة بشمال شرق سوريا.

وأوحى توقيت الإعلان بأن أنقرة تستبق تداعيات حملة “قسد” على مخيم الهول خاصة في ما يتعلق بفرضية كشف قواتها عن وثائق ومعلومات جرى ضبطها داخل المخيم حول أسرار نشاطات التنظيم وخططه لاستعادة نفوذه وتحركات قادته بين سوريا وتركيا.

عمليات القبض المتفرقة.. مهمة سياسية للنظام التركي
عمليات القبض المتفرقة.. مهمة سياسية للنظام التركي

وتعزز تلك الوثائق أطروحة أن تنظيم الدولة يعيد تنظيم صفوفه في تركيا بعد هزيمته في كل من العراق وسوريا.

عمليات القبض المتفرقة على قادة مهمين بداعش داخل تركيا علاوة على أقاربهم وأفراد عائلاتهم عززت فرضية أهمية الساحة التركية للتنظيم المفكك، باعتبارها ملاذًا آمنًا، خاصة أن الخليفة الأول لداعش أبوبكر البغدادي قد شُوهد في آخر فيديو مصور له يحمل ملفًا مكتوبًا عليه “ولاية تركيا” ضمن ملفات أخرى كانت بحوزته.

ويأتي الربط بين الإعلان التركي وعملية مخيم الهول الأخيرة من خلال تعمد السلطات التركية اختيار التوقيت المناسب لاستثمار الحدث، نظرًا إلى أن تاريخ القبض الفعلي على القيادي بداعش كان في مايو الماضي، حيث تردد وقتها على لسان مسؤولين أتراك رفيعي المستوى خبر إلقاء القبض على من يُعتقد أنه يقود داعش.

وأكدت العديد من المؤشرات أن تركيا قد اعتقلت عددًا من قادة داعش الأشهر الماضية، وأن هذه الاعتقالات قادت في النهاية إلى تحديد مكان اختباء حجي زيد الذي يُعتقد أنه الرجل الأول في التنظيم وخليفته الجديد.

ولذا جرى التكتم ثم الإفصاح الآن من قبل السلطات التركية في سياق توظيف سياسي محلي وإقليمي للحيلولة دون إظهار “قسد” نفسها كرقم أول في مكافحة داعش مقابل توجيه اتهامات لأنقرة بالارتباط وبالتساهل مع داعش وغيره من التنظيمات المتطرفة.

ويخدم إعلان تركيا في هذا التوقيت وفي ذروة الإنجاز الأمني لـ”قسد” داخل مخيم الهول هدف أنقرة الرئيسي بشأن التقليل من قيمة أدوار “قسد” الإقليمية في مكافحة داعش والتنظيمات العابرة للحدود، حيث استغل الأكراد دورهم الحيوي في مكافحة الإرهاب لترسيم مناطقهم الخاصة وتكريس تموقعهم بمنطقة غنية بالمصادر الطبيعية من النفط والغاز والأراضي الزراعية، وهو الواقع الذي تسعى أنقرة لتغييره.

6