شاهندة المغربي تضبط تجاوزات الأندية واللاعبين في حق الحكام

القاهرة - تعاني لعبة كرة القدم في مصر من مشكلات عديدة، أبرزها عدم الثقة في حكام الساحة وعدم اليقين في عدالة نظرائهم في غرفة ”الفار“، وأصبح من السهل على أيّ فريق يلقى هزيمة وضع المسؤولية على الحكام، وتحولت هذه المسألة إلى أشبه بالظاهرة للدرجة التي اضطر معها اتحاد الكرة المصري إلى الاستعانة بالخبير البريطاني مارك كلاتنبيرغ ليشرف على تطوير لجنة الحكام التابعة له ليفض الاشتباك مع الأندية بعد أن تزايدت الخلافات بصورة شوهت صورة مسابقة الدوري العام.
قبيل تولي المسؤول الأجنبي مهامه أعلن عن إسناد إدارة المباراة النهائية في بطولة الدوري الممتاز بين فريقي فاركو وسموحة في نهاية أغسطس الماضي إلى أول سيدة مصرية تعمل حكم ساحة، وهي شاهندة المغربي من دون أن تلقى معارضة من الفريقين أو جمهورهما أو ترتفع أصوات منددة بهذا التصرف التاريخي الغريب – الجديد على كرة القدم في مصر، والدوري الممتاز خصوصا.
وعلى العكس، تحولت الإدارة النسائية لهذه المباراة إلى مصدر فخر وارتياح، لأنها أرادت أن تثبت نفسها ولم تسمح بوقوع تجاوزات أو أخطاء، والأهم أن كونها امرأة أدى لكبح أيّ تمرد ومنع كل ألفاظ خارجة كانت تصدر من بعض اللاعبين أو طاقمهم الإداري، وتسببت كثيرا في تعكير أجواء واحدة من اللعبات الأكثر شعبية في مصر.
مضت المباراة في هدوء وبسلاسة ونعومة لم تعرفها كثيرا الملاعب المصرية، وأثبتت المغربي قدرتها على ضبط الساحة ومنع حدوث احتكاكات، ربما لأن المباراة تحصيل حاصل بين فريقين يقعان في منتصف ترتيب الدوري ونتيجتها غير مؤثرة عليهما، وربما لأن كل فريق يريد أن يثبت رباطة جأشه وقدرته على استيعاب الأمر، والمساهمة في النجاح لفتح الطريق أمام مشاركة أخريات.
افساح المجال للمرأة
في مباراة فاركو وسموحة التي انتهت بتعادل سلبي، وقفت المغربي حكما للساحة وعاونها منى عطاالله ومحمد شعبان كحكمين مساعدين، وصبري العمري حكما رابعا، ومعهم في غرفة “الفار” حسني سلطان حكم فيديو، ويارا عاطف مساعد حكم فيديو، ولم تشهد المباراة أيّ علامة تعكر صفوها.
أدارت المغربي مباريات سابقة في مسابقة كأس الرابطة في موسمها الأول في يناير الماضي، وظهرت حكما رابعا في إحدى مباريات الدوري العام الماضي، وشاركت في عدد من مباريات القسم الثاني للدوري المصري، ما يعني أنها اكتسبت خبرة تؤهلها لتكون واحدة ممن تعتمد عليهم لجنة الحكام العام المقبل.
يجد من يريد التعرف على المغربي وحياتها عبر الإنترنت ومحرك البحث غوغل فصولا من موضوعات تدور في إطار مكرر، مع صورة تبرز محاسنها كأنثى، وهي إشارة على أنها قليلة الكلام، فالتصريحات النادرة التي أدلت بها لبعض المواقع والبرامج تكاد تكون متشابهة وتدور في فلك شغفها بلعبة كرة القدم والتحكيم.
لم تعد المشاركة النسائية في إدارة مباريات لكرة القدم شيئا غريبا، فهناك دول تسند إليهن مباريات مهمة، وبدأت عملية الاستعانة بالسيدات تتسع في ملاعب الكرة، ومن بينها الملاعب المصرية التي يعتبر المسؤولون عن الكرة فيها أن إفساح المجال للمرأة يتجاوز بعده الرياضي التقليدي، ويندرج ضمن إطار حملة عامة تقوم بها منظمات نسوية في مصر تتبنى فكرة المساواة بين الرجل والمرأة في كافة المجالات، من بينها كرة القدم وإدارة مباريات كبيرة، وتتبنى هذه المنظمات شعارات متباينة وجذابة جميعها تصب في صالح الحصول على مكتسبات جديدة للمرأة تؤهلها لتكون رقما مساويا للرجل، وبلغ التجاوز حد المطالبة بمنحهن حقوقا أكبر من الرجل والتنصل من واجباتهن الأساسية في المنزل، وهو شطط لا علاقة له بأدبيات الرياضة وما يجب أن يسودها من سماحة وروح معنوية عالية تظلل الجميع.
عرفت نساء كثيرات في مصر الرياضة منذ عقود طويلة، وهناك من حصلن على بطولات عالمية في ألعاب مختلفة، وجرى تشكيل فريق للكرة النسائية منذ أكثر من ثلاثين عاما، وتفوقت فتيات على مدار السنوات الماضية في الكثير من الألعاب الفردية.
تصريح مرور للنساء
حمل وجود سيدة مصرية كحكم في ملاعب كرة القدم معاني عديدة، أبرزها انتفاء فكرة إقصاء المرأة من بعض المجالات بحكم عدم مناسبتها أو تعارضها مع الأعراف والتقاليد، ويمثل كسر هذه النوعية من المحرمات خطوة على الطريق الصحيح وتصريح مرور لعموم النساء، وتحرك مناسب يتضافر مع خطة الحكومة الرامية إلى تهيئة الأجواء للمساواة بين الرجل والمرأة.
لم تتقبل جماعات سلفية في مصر قيام سيدة ترتدي الشورت بإدارة مباراة لكرة القدم، في المقابل شجع تيار علماني الخطوة، وحدثت تلميحات متعارضة من الجانبين، وهو ما يخشى أن يتحول إلى تراشق عندما يزداد انتشار الحكمات في ملاعب كرة القدم.
يعتقد البعض من النقاد الرياضيين أن نجاح شاهندة المغربي في إدارة المباريات التي كانت فيها حكمة للساحة شهادة ميلاد لزيادة الاعتماد على العنصر النسائي في المستقبل، خاصة أن وجود سيدة أشبه بالقاضية في الملعب يضمن عدم الخروج على اللوائح والقوانين التي يطالب اتحاد الكرة بالالتزام بها.
كما يقلل من الإنذارات الصفراء والحمراء للاعبين، فمن يحصل على أحدهما سيكون محرجا أمام الجمهور واللاعبين وأسرته، ولن يستطيع أن يظهر تمردا على الحكمة مهما شعر أن هناك ظلما وقع عليه، فلا تزال بقايا الثقافة الذكورية مهيمنة.
منحت المغربي اتحاد كرة القدم في مصر شهادة صلاحية جديدة، لأنها قدمت له حلا يمكن وصفه بـ”السحري” يسهل مهمة الخبير البريطاني الجديد، وينهي عملية الاعتراضات الدائمة على اختيارات الاتحاد ولجنة الحكام لبعض الحكام، فعندما تكون شاهندة أو يارا أو غيرهما حكمات للساحة ستخرج المباراة بسلام وتعبر بر الأمان.
شهادة جديدة للصلاحية
تنصب نكبة كرة القدم المصرية على حكامها الذين تعرضوا للكثير من أنواع الشتائم على مواقع التواصل الاجتماعي، وجرى توزيع بعضهم على الأندية وتصنيفهم وفقا لميول خفية، هذا ينتمي لفريق الأهلي وذاك للزمالك، حتى تم تفريغ قيمة الحكم وعدالته من قيمته التي تكمن في الحياد وعدم التأثر بانحيازات معينة.
دخلت المغربي المولودة في مدينة الإسكندرية مجال التحكيم في كرة القدم من باب الممارسة المباشرة كلاعبة شابة في عمر الرابعة عشرة، وانضمت إلى أندية سموحة والطيران ومصر للمقاصة، ثم اعتزلت قبل أن تواصل مشوارها في هذا الطريق الطويل، واستهوتها فكرة العمل كحكم ساحة.
بدأت تكتسب مهارات وتنخرط في دورات تدريبية حتى حصلت على رخصة دولية من الفيفا بمزاولة مهنة التحكيم عام 2016، واعتبرت ظهورها بالشكل الجيد في مباراة فاركو وسموحة مؤخرا بداية لطريق مليء بالإنجازات، على حد وصفها، وقالت إنها تحلم بإدارة مباراة بين فريقي الأهلي والزمالك، وهي المباراة المعروفة بالقمة في مصر، وغالبا ما يستعين فيها الفريقان بحكام أجانب نظرا لحساسيتها.
أطلق زملاء المغربي عليها لقب “كولينا المغربي” في إشارة إلى قدرتها التحكيمية الفائقة وصرامتها التي تشبه الحكم الإيطالي بيبرلويجي كولينا، وهو من أشهر الحكام في العالم ويعمل حاليا رئيسا للجنة الحكام في الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، وشهد له الجميع بالكفاءة أثناء إدارته للعديد من مباريات نهائيات كأس العالم.
المشاركة النسائية في إدارة مباريات كرة القدم لم تعد شيئا غريبا، فهناك دول تسند إليهن مباريات مهمة، وبدأت عملية الاستعانة بالسيدات تتسع في ملاعب الكرة، ومن بينها الملاعب المصرية
يؤهلها التفوق الذي حققته في إدارة بعض المباريات لتصبح واحدة ممن يعتمد عليهم في المستقبل من النساء والرجال، وباتت مرشحة للمشاركة في دوري أبطال أفريقيا للسيدات، وغير بعيدة عن التواجد في كأس العالم المقبلة للسيدات، وعند التوسع في الاعتماد على النساء في إدارة مباريات الرجال يمكن أن تصبح شاهندة واحدة منهن قريبا إذا حافظت على تفوقها وجديتها وحماسها وصرامتها في التعامل مع اللاعبين.
تتميز المغربي البالغة من عمر ثلاثين عاما بدرجة من الجمال النسائي الرائق، والذي دفع أحد المدربين للتغزل بها وطلب الارتباط بها عقب إدارتها لإحدى المباريات، حيث تقدم لخطبتها على العشب الأخضر، وهو ما قابلته بابتسامة خفيفة معتذرة للكابتن صاحب طلب الزواج العاجل، وبدأت تذكر الموقف في مقابلاتها الإعلامية ضمن باب الطرائف التي واجهتها في عالم كرة القدم.
كشف طلب الزواج، سواء كان حقيقيا أم مزحة، عن جانب آخر في عملية الاستعانة بسيدات في إدارة مباريات، حيث تحتاج هذه النظرة إلى تغيير، وإذا كان اتحاد كرة القدم المصري يريد ضمان نجاح الاتجاه نحو الاعتماد على سيدات أو التوسع في مشاركتهن لإدارة المزيد من المباريات عليه أن يضع ضوابط أشد صرامة عند التجاوز في حق إحداهن على أرض الملعب.
وبدلا من أن تتحول الحكمة إلى أحد عناصر الضبط والربط يمكن أن تصبح مصدرا للفوضى والتهكم والسخرية، وهو ما يفرض دراسة تجربة شاهندة المغربي ومشاركة أخريات للتأكد من أن هذه المسألة سوف تحقق مردودات إيجابية في ملاعب كرة القدم.
