عمادالدين أديب اعتذاره الضمني للنظام المصري لا يكفي لعودة الثقة

إعلامي يتنقل بسهولة بين صفات المؤيد والمعارض والمحايد.
السبت 2022/09/03
الواقف في منطقة رمادية بين الحياد والمعارضة والتأييد للنظام في مصر

من الصعب أن يجد الجمهور الصفات الرئيسية المتعارف عليها في أيّ إعلامي متمركزة في شخص واحد وتوقيت واحد، فإما أن يكون مؤيدا أو معارضا أو محايدا، ويمكن أن يتنقل بين هذه الصفات خلال مراحل زمنية وفقا لتقلبات الأحداث والقناعات والتصورات، لكن أن يبدو ثلاثة X واحد، فهذا المقاس السياسي الكبير قد لا نجده في عالمنا العربي سوى في الإعلامي المصري عمادالدين أديب.

يُحسب لأديب أنه عزز أهمية الكتابة التحليلية التي تفتقدها الكثير من الصحافة العربية بعد أن تم نعيها واعتبرت من الماضي مع انتعاش الدور الذي تقوم به مواقع التواصل الاجتماعي، فقد كتب الرجل ثلاثة مقالات على موقع “أساس ميديا” عن الشأن المصري بصورة مباشرة وغير مباشرة الفترة الماضية جذبت إليه الانتباه.

لفتت مقالاته إلى أهمية ما حوته من مضامين ورسائل سياسية متعددة، وتسببت له في صداع لم تتوقف روافده حتى الآن، وبدا في المقالات الثلاثة مؤيدا للنظام المصري ومعارضا له وأحيانا محايدا، ويمكن استشفاف هذه المكونات في المقالات الثلاثة متفرقة أو مجتمعة، وكل مقال يمكن أن يحمل الصفات الثلاث دفعة واحدة.

في الوقت الذي بدا فيه مقاله الأخير المنشور في 28 أغسطس الماضي بعنوان “وصيتي الأخيرة لبلادي ورئيسي” مدافعا بقوة عن النظام المصري ومتراجعا عن تقدير سابق له، نجده يحوي بين السطور تلميحات إلى ضرورة إحداث تغيير حول السلطة قبل فوات الأوان، متضمنا إشارات حول ضرورة إعادة هيكلة الحلقة الضيقة المحيطة بالرئيس عبدالفتاح السيسي الذي يعتبره أديب المنقذ لمصر الحديثة من الإخوان والمؤامرات والمكايدات.

صرخة مقالات

الشرخ في علاقة أديب مع النظام المصري سوف يؤدي إلى أن يكون ابتعاده عن القاهرة خيارا صائبا في هذه المرحلة
الشرخ في علاقة أديب مع النظام المصري سوف يؤدي إلى أن يكون ابتعاده عن القاهرة خيارا صائبا في هذه المرحلة

يمكن تلمّس أسلوب التورية العميقة في مقاله السابق والمنشور في 14 أغسطس بعنوان “14 سببا لسقوط الحكام والأنظمة”، فلم يذكر أديب اسم مصر صراحة، لكن الانتقادات التي تعرض لها من مؤيدين وداعمين للنظام أكدت أنه يقصد القاهرة بأسبابه الأربعة عشر، ولم يفلح نفيه لهذا الربط الموضوعي في تبديد الهجوم الذي تعرض له بضراوة، ولم يعتبر البعض نفيه بعد ذلك شهادة براءة كاملة له، بينما رآها آخرون وفاء وإخلاصا وحرصا على النظام المصري من مواجهة مصير غامض.

◙ انتشاره وتشعب طموحه أوقعاه في مشكلات مع أبناء المهنة، حيث عجز عن الوفاء بحقوقهم المادية وخاضوا ضده معارك أمام المحاكم 

تعددت تفسيرات المقال المذكور والجهة أو الجهات المستفيدة منه، تلميحا وتصريحا، وفي كل الأحوال أدى ارتباطه ببعض دول الخليج إلى تحميلها القراءة السلبية لهذا المقال، ما أدى إلى التعامل معه باعتباره جرس إنذار لأزمة حالية أو محتملة.

وجاء مقاله الأول في هذه الباكورة والمنشور في 12 يوليو الماضي بعنوان "من يعوض مصر الفاتورة المؤلمة للحرب الروسية - الأوكرانية"، حاملا للصفات الثلاث أيضا، وبالغ شقيقه الإعلامي عمرو أديب في الاهتمام به وقرأه في برنامجه الجماهيري “الحكاية” على قناة “إم بي سي- مصر” في سابقة نادرة لعبقرية مقال أو موهبة شخص، الأمر الذي بدا كأنه كان معبّرا عن وجهة نظر رسمية، وانقلب الحال عقب نشر مقاله الثاني.

من حُسن حظ عمرو أن نشر المقال الثاني – الإشكالي تزامن مع قيامه بإجازته السنوية، حيث عفاه عدم ظهوره في هذا التوقيت على الشاشة من حرج بالغ، بالاحتفاء أو التجاهل أو الانتقاد، لأن عمرو يتعامل مع أخيه عماد باعتباره الأستاذ والقدوة.

السباحة مع التيار وضده

 أديب يستحق وصفه بالظاهرة الإعلامية المتضخمة التي حاول من خلالها الاقتراب كثيرا من النظام المصري
 أديب يستحق وصفه بالظاهرة الإعلامية المتضخمة التي حاول من خلالها الاقتراب كثيرا من النظام المصري

وطرحت المقالات المتنوعة التي كتبها أديب ولامست الشأن المصري قضية في غاية الخطورة تتعلق بأهداف الصحافي من الكتابة، وأنه لا أحد على الإطلاق يكتب مجانا ومن الضروري أن يكون تابعا لجهة ما، وهي قضية يصعب تأكيدها أو نفيها، فكما هناك من يكتبون لأهداف سياسية، ومنهم محترمون كثيرون، هناك من يقوم بذلك لوجه الله والأوطان وإرضاء لضمائرهم، لأن حصر الكتابة على الدوام في زاوية سلبية يفقدها قيمتها أو براءتها دائما.

 وكما يجيد الإعلامي ”الكبير“ المولود عام 1955 السباحة ضد التيار أحيانا، فهو أيضا يجيد اللعب السياسي في المناطق الدافئة التي توفر له مكانا بجوار الأنظمة الحاكمة في مصر، والاستفادة من الدرجة الرمادية في الألوان، حيث تساعده على الكتابة التي تجعل متابعيه يحتارون في توصيفه على جهة معينة وقد يتقبلون ما يبدو كأنه تقلبات سياسية سريعة، وهي صفة كفيلة لأن تفقد صاحبها الكثير من المزايا التي حصل عليها أو ينتظر الحصول عليها.

كان أديب حتى كتابة مقاله “14 سببا لسقوط الحكام والأنظمة” أشبه بالمتحدث الرسمي للنظام المصري، أو بمعنى آخر أحد عرّابيه الإعلاميين في المنطقة، كما يقال، وقام في أوقات كثيرة بتقديم شروحات للتوجهات السياسية للقاهرة، بصرف النظر عن مدى اقتناع الناس بما قدمه من قراءة وتحليل لعدد من التطورات، فصياغته البليغة والهالة التي يحيط بها الرجل نفسه تمنحه قدرا من المصداقية.

◙ مقاله الأخير "وصيتي الأخيرة لبلادي ورئيسي" دافع فيه أديب بقوة عن النظام المصري متراجعا عن تقدير سابق له، لكنه وضع بين السطور تلميحات إلى ضرورة إحداث تغيير 

تردّدت في بعض الأروقة المصرية العبارة الشهيرة “قال عمادالدين”، في إشارة إلى أن المعلومات والتحليلات التي يبثها الرجل محل ثقة، وأنها تنطوي على خصال تعبر عما يدور في عقل النظام المصري، وجاءت من رحم المساحة التي أعطيت للرجل في وسائل الإعلام القريبة من الجولة وشبكة العلاقات المتينة التي تمتع بها.

أصيبت العبارة السابقة بشكوك بعد الهجوم الذي تعرض له من مؤيدين للنظام المصري، ومن الصعوبة أن تتردد مرة أخرى الفترة المقبلة، فلا النظام سوف يثق به تماما ولا المعارضة أو المحايدون يمكن أن يجدوا لديه ما يبحثون عنه من شغف إعلامي، ويحتاج إلى إعادة تعويم كي يسترد الصورة التي حفرها لنفسه تدريجيا خلال السنوات الماضية، ولبس فيها ثوب الحكيم والعالم ببواطن الأمور السياسية.

محت هذه الصورة جانبا كبيرا من الانطباعات الراسخة عنه منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، حيث تبين أنه يجيد الغطس في الأجواء العاصفة، فبعد أن أجرى حوارا تلفزيونيا مطولا معه في أبريل 2005 وأذيع قبيل إجراء الانتخابات الرئاسية التي خاضها أمام المعارض أيمن نور قيل إنه وضع نفسه في سفينة واحدة مع مبارك وعائلته، حيث قاد ابنه جمال الدفتين السياسية والاقتصادية في الدولة.

وبعد أن ترسّخت هذه الصورة في ذهن المصريين حاول أديب القفز من سفينة مبارك قبل أن يجرفه تيار ثورة يناير 2011 أو تحرقه نيرانها السياسية ودعا إلى ما وصفه بـ”الخروج الآمن لمبارك”، وهي رسالة أوحت بالوفاء لمبارك وعدم الممانعة في تأييد الثورة عليه، ومع أنه لم يكن أحد نجومها أو كواكبها، بل على العكس من بين خصومها ومن كانوا مستهدفين في البداية، إلا أنه نجح في أن يجد له مكانا إعلاميا في صفوفها مستفيدا من خصلة الرمادية وبدأ يلعب مع الثوار دور الناصح الأمين.

مواهب متعددة

تشعب طموحات أديب أوقعه في مشكلات عديدة مع الإعلاميين المصريين
تشعب طموحات أديب أوقعه في مشكلات عديدة مع الإعلاميين المصريين

لا أحد يشكك في موهبة أديب، فهو من الرعيل الأول الذي تخرج في كلية الإعلام بجامعة القاهرة، وشق طريقه في أنواع مختلفة من العمل الإعلامي المصري والعربي، وأنشأ صحفا ومجلات، يومية وأسبوعية، وأسس شركة إنتاج فني وسينمائي وأسس "إمبراطورية" إعلامية، وتحول إلى "أخطبوط" له أذرع في أماكن مختلفة.

غير أن انتشاره وتشعبه وربما طموحه المفرط أوقعه في مشكلات مع العديد من أبناء المهنة، حيث عجز في أوقات كثيرة عن الوفاء بحقوقهم المادية، وخاضوا ضده معارك أمام المحاكم وفي نقابة الصحافيين، وفي غالبيتها لم يُنصف الصحافيون، وإن نُصفوا قضائيا أو نقابيا لم يتحصلوا على مستحقاتهم كاملة.

◙ المقالات المتنوعة التي كتبها أديب تطرح قضية في غاية الخطورة تتعلق بأهداف الصحافي من الكتابة، وأنه لا أحد على الإطلاق يكتب مجانا، ومن الضروري أن يكون تابعا لجهة ما

تشكل الوعي الثقافي والإعلامي لأديب في بيئة مواتية لم تتوافر للكثيرين، وهي أحد الملامح التي جعلته مميزا بين أقرانه في المراحل المختلفة، فهو ابن الأديب والسيناريست الراحل عبدالحي أديب، وشقيقه الإعلامي عمرو أديب، وشقيقه الثاني المخرج السينمائي عادل أديب، وإن كان عمادالدين هو كبيرهم الذي علّمهم أو فتح أمامهم طريق الإعلام والفن، فحتى والدهم القدير كان يعرفه البعض أحيانا بأنه ”والد الإعلامي عمادالدين أديب“، ليس تقليلا من شأنه بالطبع، لكن دليلا على ما حققه الابن من انتشار.

يستحق أديب وصفه بالظاهرة الإعلامية المتضخمة التي حاول من خلالها الاقتراب كثيرا من النظام المصري، لكن لم ينتبه إلى المطبات الجديدة وأن هذا النظام لا يفسح الطريق لإعلاميّ ليكون قريبا منه أكثر من اللازم مهما بلغ حجمه، فقد قتلت هذه المسألة في عهد الرئيس السيسي، إذ يصعب القول بأن هناك كاتبا مقربا منه.

تجاهل الإعلامي المصري هذه الحقيقة، ووصفه البعض بأنه كان يحاول أن يعيد تكرار نموذج الصحافي الراحل محمد حسنين هيكل من زاوية قربه الوثيق من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وقدرته على احتكار المعلومات وتوظيفها صحافيا.

لجأ أديب إلى الحياة خارج مصر الفترة الماضية، حبا أو قسرا أو استعدادا لعودة ما في توقيت ما، لكن في كل الأحوال حدث شرخ في علاقته مع النظام المصري وسوف يؤدي إلى أن يكون ابتعاده عن القاهرة خيارا صائبا في هذه المرحلة، والتي يراها أديب يخيّم عليها قدر كبير من الالتباس قد يفضي إلى تحولات في المنطقة.

الحياة خارج مصر  قد تكون استعدادا لعودة ما في توقيت ما لكن في كل الأحوال حدث شرخ في علاقته مع النظام المصري
الحياة خارج مصر اختيار من أديب وقد تكون استعدادا لعودة ما في توقيت ما 

12