محاكم في مواجهة الملاعب لحسم المنافسات الرياضية في مصر

جدل قانوني يلقى تأييدا من مجالس إدارات أندية لا تحقق أهدافها بالطرق التقليدية.
الخميس 2022/08/18
منافسة تاريخية

تعج المحاكم المدنية بالعديد من القضايا ذات الارتباط المباشر بالمنظومة الرياضية في مصر، وعلى وجه التحديد كرة القدم صاحبة الشعبية الأولى في البلاد. ويتعامل الرأي العام الآن مع الأحكام الصادرة ضد طرف باعتبارها انتصارا رياضيا على طرف آخر، ما ينذر بالمزيد من التعصب وربما العنف في ظل غياب السلوك الرياضي الأخلاقي الحاكم لأطر المنافسة الشريفة.

القاهرة- ينشغل الوسط الرياضي في مصر منذ أيام بحكم صدر من إحدى محاكم الاستئناف ضد رئيس مجلس إدارة نادي الزمالك مرتضى منصور بالحبس شهرا مع الشغل والنفاذ بتهمة سب وقذف رئيس مجلس إدارة النادي الأهلي محمود الخطيب.

تصدرت التعقيدات القانونية الخاصة بملف القبض على رئيس الزمالك الكثير من الأحاديث بين جمهور الأهلي الذي ينتظر تنفيذ الحكم والتعامل معه كانتصار يعوض إخفاقات الفريق في الدوري المحلي، والذي يتصدره غريمه التقليدي الزمالك، واقترب من خسارته للعام الثاني على التوالي، وبين جمهور الزمالك نفسه الذي يراهن على قوة رئيس ناديه في مثل هذه القضايا ذات الجوانب القانونية التي يخرج منها غالبا منتصرا وإن صدرت في حقه أحكام لها تأثير على منصبه.

شحن جماهيري

جمال الزهيري: القضايا المرفوعة بين الشخصيات المتنافسة بين مجالس إدارات الأندية تترك أثرا على استقرار الأندية

يلقى الجدل بشأن العديد من القضايا تأييدا من مجالس إدارات أندية لا تحقق أهدافها الرياضية تستهدف توجيه الرأي العام نحو نزاعات قضائية تحظى بمتابعة كبيرة.

ويستخدم الناديان الكبيران (الأهلي والزمالك) ما يمكن وصفه بـ”الكتائب الإلكترونية” على مواقع التواصل الاجتماعي للمزيد من الشحن الجماهيري، ويوظف كلاهما الأحكام الصادرة في صالحه للترويج لقوته وقدرته على هزيمة منافسه خارج الملعب.

وأكد المستشار القانوني للنادي الأهلي محمد عثمان أن الحكم الصادر أخيرا بحق رئيس الزمالك “واجب النفاذ وعليه تسليم نفسه أو وجوب القبض عليه من وزارة الداخلية”، بينما ذهب منصور إلى أن الحكم القضائي “لن ينفذ، ولا يزال هناك نقض ولا بد أن تذهب القضية إلى محكمة النقض أولا”.

أخذت القضايا المتبادلة بين رئيسي الأهلي والزمالك في التصاعد منذ عام 2019 عندما نشبت خلافات علنية أسفرت عن توجيه مرتضى لاتهامات وإساءات بحق الخطيب، بحسب ما جاء في بلاغ تقدم به المستشار القانون للنادي الأهلي إلى النائب العام، وهناك العديد من القضايا المرفوعة من جانب الطرفين جرى الفصل في بعضها.

وفصلت محاكم مصرية في أربع معارك قضائية بين رئيسي الأهلي والزمالك على مدار الأشهر الماضية، وصدرت أحكام بالغرامة بحق مرتضى منصور في قضايا ارتبطت بالسب والقذف، وبرأته في قضايا أخرى.

وقال خبير اللوائح الرياضية محمد بيومي لـ”العرب” إن المنافسة الرياضية خارج الملعب بين الأندية أكثر شراسة مما هي عليه داخله، والأمر يتضمن صراعا على شراء اللاعبين، وهي منافسة مشروعة، بجانب الاتهامات المتبادلة بين الجماهير ذات المحتوى الرياضي المرتبط بإصدار قرارات عقابية من اتحاد الكرة بحق إدارات الأندية، وهناك محتوى غير رياضي يتمثل في قضايا تتعلق بالسب والقذف بين قيادات بعض الأندية وتأخذ مسارها في المحاكم المدنية.

محمد عثمان: الحكم الصادر أخيرا بحق رئيس الزمالك “واجب النفاذ وعليه تسليم نفسه

وأوضح أن القضية الأخيرة بين رئيسي الأهلي والزمالك أخذت بعدا جماهيريا، وفي حال قرر القضاء أن الحكم الصادر في حق رئيس الزمالك في قضية مخلة بالشرف وهو أمر ينطبق على السب والقذف فذلك يدفع إلى تدخل اللجنة الأولمبية لعزله من منصبه وعدم جواز ترشحه مرة أخرى وفقا لميثاق الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي يؤكد على ضرورة تمتع جميع أطراف المنظومة الرياضية بالنزاهة.

ويجد البعض من القائمين على النشاط الرياضي بمصر في الجدل الخاص بالأحكام القضائية جزءا من متعة كرة القدم في ظل انخفاض المستوى الفني للأندية وانعكاسه سلبا على مباريات الدوري المحلي التي لم تعد كافية وحدها لجذب الجمهور في ظل مساع متواصلة للحصول على عوائد تسويقية مرتفعة، إلا أن ذلك له تأثير قاتم على المدى الطويل، قد تتحول فيه لعبة كرة القدم إلى كرة لهب تشتعل في وجه رياضيين.

وأشار بيومي في حديثه لـ”العرب” إلى أن المشكلة لا تتمثل فقط في حالة التعصب التي تؤدي إلى زيادة وتيرة القضايا المرفوعة بين أطراف المنظومة الرياضية، لكن أيضا في غياب الجهة الرياضية المختصة في الفصل في النزاعات الرياضية.

إرادة ضعيفة

جرى إنشاء مجلس التسوية والتحكيم التابع للجنة الأولمبية المصرية بصورة غير مكتملة الاختصاصات، ولم تعترف به الأندية والاتحادات كجهة للفصل في الخلافات، وإذا أصدر قرارات مهمة فلا يتم تنفيذها.

ولدى العديد من النقاد الرياضيين قناعة بأن اتحاد الكرة المصري أسهم في تأجيج الصراع بين الندية، وسمح باتجاه بعضها نحو المزيد من النزاعات القضائية، لأن قراراته غير حاسمة بشأن التجاوزات الصادرة بين قيادات أندية كرة القدم، وساعد إهماله تنفيذ لوائح الفيفا الرادعة على عدم حصول الكثير من الأندية على حقوقها عبر اللوائح الرياضية، وبات القضاء المدني هو الطريق الوحيد لحل النزاعات.

ووصل الأمر إلى التشكيك في نزاهة انتخابات الأندية من خلال أشخاص تعرضوا للخسارة، في أندية سموحة والإسماعيلي والمصري، وينشغل العديد من أعضاء مجالس الإدارات بتلك القضايا خوفا من صدور أحكام ليست في صالحهم تكون نتيجتها إقصاءهم من مناصبهم أو بطلان الانتخابات والدعوة إلى أخرى جديدة.

القضايا المتبادلة بين رئيسي الأهلي والزمالك أخذت في التصاعد منذ عام 2019 عندما نشبت خلافات علنية

أوضح الناقد الرياضي جمال الزهيري أن القضايا المرفوعة بين الشخصيات المتنافسة بين مجالس إدارات الأندية تترك أثرا على استقرار الأندية وقدرة المسؤولين على خدمة الأعضاء والاهتمام بالأنشطة، وينتظر الجميع ما تسفر عنه الأحكام القضائية، ما يتطلب البحث عن آليات بديلة لسرعة الفصل في تلك القضايا خلال فترة وجيزة.

وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن كثرة القضايا ترتبط بعدم وجود آلية تعامل واضحة بين أطراف المنظومة الرياضية، والحل في تفعيل المحكمة الرياضية ومراكز التسوية التابعة لها ودفع الأندية إلى الاعتراف بها وتوفير ما يثبت استقلاليتها، ما يساهم في التعامل مع المشكلة بمرونة.

 تصبح لدى الكثير من الرياضيين قناعة بأنهم قد يحصلون على حقوق من خلال المحاكم الرياضية، ويقوم البعض منهم بتوظيفها كأوراق ضغط أو مساومة إذا نجمت عن خلافات بين الأندية واللاعبين.