خريف كاتب السيناريو

عندما سئل المخرج الكبير الفريد هيتشكوك ما هي العناصر الثلاثة الأساسية للفيلم الناجح، قال: “هي أولا السيناريو وثانيا السيناريو وثالثا السيناريو”.
وتسمع بين حين وآخر استغاثات وانتقادات خلاصتها أننا في عموم التجارب العربية نعاني من أزمة في كتابة السيناريو وتاليا هنالك أزمة في كتّاب السيناريو.
فإذا تساءلت لماذا هذا الفيلم ضعيف في بنائه الدرامي وأحداثه وإخراجه سوف يقال لك إن السبب هو ضعف السيناريو وانسحب ذلك على المسلسلات إذ الانتقادات تتجه مباشرة إلى كاتب السيناريو.
بالطبع فإن الأهمية التي ينظر بها المخرج الكبير هيتشكوك إلى كتابة السيناريو تقابلها شركات إنتاجية ومنتجين ومديري تسويق وهم الذين يروجون للسيناريو ويتيحون لكتاب السيناريو أن تُقرأ أعمالهم ويتم الحوار معهم والطلب منهم إجراء ما يجب من تعديلات.
أما إذا انتقلنا إلى البضاعة التي عندنا والحجّة والذريعة الدائمة بوجود خلل في كتابة السيناريو، فإن واقع الحال يقول إنه لا فرصة متساوية لأي أحد أن يكتب سيناريو مسلسل يمضي فيه شهورا وأحيانا سنوات أو سيناريو فيلم فيه جهد وضياع وقت وفي المقابل سوف يجد من يقرأه ويناقشه أصلا.
غالبية الأعمال الدرامية تتم من خلال اتفاقات مسبقة وترتيبات محددة والتكليف بكتابة السيناريو ليست برسم الجميع بل هي متاحة للمقرّبين وبما في ذلك من صفقات المصلحة والتربّح وما إلى ذلك.
هذه الأجواء لا يمكن أن تتمخض عن تجربة سينمائية حقيقية ولا تأسيس لجيل من كتّاب السيناريو المحترفين، بل هي عملية تتسم بكونها شخصية ومصلحية لا تعني أحدا سوى المنتفعين منها، ولهذا تكون النتيجة هذا المستوى الضحل والخواء في المضمون والبناء لأن القوم يكونون مشغولين بما هو أبعد ما يكون عن الإبداع والتميز ألا وهو التربّح والمصالح المتبادلة وعدم التفاني في عملية كتابة السيناريو.
لا يوجد واقعيا أي مشروع حكومي أو غير حكومي يرتقي بتلك الشريحة من الأشخاص الذين يؤمل أن يصبحوا كتّابا للسيناريو في المستقبل، الورشات القصيرة والمتعجلة التي تقام على هامش أي مهرجان من المستحيل أن تنتج كتّابا للسيناريو بعد محاضرة لمدة ساعة أو حتى لعدة ساعات.
على هذا تصبح القصص التي لا حصر لها والتي تنتشر في كل مكان بلا جدوى إذ تضيع تباعا ولا يستفاد منها بشيء.
على الأقل هنالك مسابقات لكتابة الرواية والقصة وقد أنتجت تلك المسابقات عشرات الروايات، لكن لم تؤخذ رواية واحدة لإنتاج فيلم، ربما يكون هنالك استثناء ضئيل، إذ لا شك أن أغلبية تلك الروايات مؤهلة لأن يتم إعدادها للشاشة، ولكن لا كتّاب سيناريو جاهزين ومؤهّلين للقيام بالمهمة ولا شركات إنتاج مستعدة لذلك.
هنالك إنفاق حكومي يذهب قسم كبير منه بلا فائدة ولا يتم تخصيص ولا قطرة منه لغرض الترويج لديمومة عملية الإنتاج السينمائي وللبحث عن كاتب للسيناريو يكون مؤهلا للمهمة.
هذه المهام برمتها ليست مطلبا هامشيا ولا كماليا، بل هي بالغة الأهمية في مفاهيم الزمن الحاضر والمستقبلي وأهمية المنجز السينمائي ودعم الإنتاج الروائي، في المقابل دعم مهمة كاتب السيناريو لا تقل عن أي مهمة أخرى بالنسبة إلى الحكومات التي تصنف نفسها جزءا من النسق الحضاري المتطور.
نعم إن هذا هو خريف كاتب السيناريو، فجهده في سبات ولا أحد يهتم بمنجز أي كاتب للسيناريو مهما كثر الإنتاج السينمائي أو التلفزيوني وتنوّع لأن سياقات العمل تفرض العلاقات الشخصية والمصلحية وهذا يترتب عليه تكرار نفس الوجوه والبقاء في نفس المستوى المتدني ونفس الأفكار المستهلكة ونفس الشخصيات التي أكل الدهر عليها وشرب.