أحمد دياب.. عرّاب الحكومة للسيطرة على اللعبة الشعبية الأولى بمصر

رجل أعمال وبرلماني يثير زوبعة في الوسطين السياسي والرياضي.
الخميس 2022/06/09
شخصية تجمع بين حزمة كبيرة من المزايا والأدوار

القاهرة - أصبحت الرياضة في مصر وكرة القدم تحديدا من المجالات التي تستقطب قطاعا عريضا من الجمهور، وتحولت بعض الأندية الكبرى إلى ما يشبه الأحزاب السياسية في شعبيتها وانحيازاتها وتعصبها.

وترى الحكومة المصرية صعوبة أن تظل هذه اللعبة بعيدة عن سيطرتها التامة أو تتركها لمن يريدون التحكم في مفاصلها وتوجيه شريحة كبيرة من المغرمين بها إلى جهات مرفوضة منها، ولذلك سعت ليكون لها رجالاتها ممن تثق في قدراتهم وولاءاتهم وتحقيق أهدافها للإشراف على تنظيم أهم بطولة في مصر، وهي الدوري الممتاز لكرة القدم الذي تتنافس فيه أندية ذات جماهيرية كبيرة على الفوز به.

ظلت الحكومة ومن خلفها أجهزة نافذة متعددة في الدولة تضع عينيها على هذه اللعبة التي زاد الشغف بها مع تراجع أدوار الأحزاب في الشارع والضجر من التضييق المفروض على القوى السياسية، وسعي البعض منهم للاستثمار في لعبة كرة القدم.

جاءت الفرصة مع الاتجاه نحو التوسع في مجال الخصخصة وإطلاق أيادي رجال الأعمال في الرياضة وامتلاك أندية جديدة أو الاستحواذ على أندية قديمة، ووجد في الاستجابة لفكرة إنشاء رابطة لأندية الدوري الممتاز لكرة القدم مدخل مناسب لتقديم أحد الوجوه البارزة التي تجمع بين السياسة والرياضة والاقتصاد، وهو أحمد دياب.

تحول دياب الأيام الماضية إلى نجم شباك وإحدى الشخصيات اللامعة ليس لأنه قام بعقد صفقة اقتصادية كبيرة أو حقق إنجازا سياسيا لافتا أو قدم اختراعا ينهض بكرة القدم ويطورها، ربما يكون ما قام به أكبر من كل ذلك، إذ وجه شتائم لإحدى أكبر الشخصيات المعروفة بتطاولها على الآخرين، وهو رئيس نادي الزمالك مرتضى منصور.

صدمة كروية

دياب تحول في الأيام الماضية إلى نجم شباك، لأنه صبّ جام غضبه على منصور الذي يعد بحد ذاته شخصية إشكالية
دياب تحول في الأيام الماضية إلى نجم شباك، لأنه صبّ جام غضبه على منصور الذي يعد بحد ذاته شخصية إشكالية

حوى التسريب الذي أذيع قبل أيام على منصات التواصل الاجتماعي جملة من الكلمات التي شملت ما اعتبره البعض بذاءات نادرة لم يجرؤ أحد من الرياضيين أو السياسيين على استخدامها، وصدمت كل من استمع لها لأن كلماتها لا يتم تداولها سوى بين فئات متدنية.

يكفي القول إن الكلمات التي تفوه بها دياب ضد منصور يحاسب عليها كل من يقوم بنشرها بتهمة السب والقذف في أحلك صورها، وينتظر صاحبها مصيرا غامضا. وقرر رئيس نادي الزمالك صاحب أشهر قاموس للتطاول على خصومه وكل من يختلفون معه رفع قضية سب وقذف، وأقسم أن يدفّعه ثمنا غاليا على فعلته.

يشغل دياب المولود عام 1978 عددا من المناصب المهمة ويقوم بأدوار مختلفة أكبر من الرياضة، فهو عضو مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان المصري) عن حزب مستقبل وطن، الظهير السياسي للحكومة في مجلسي الشيوخ والنواب، ورئيس مجلس إدارة شركات الصعيد الوطنية للصلب وليبرتي برودكشن وفيوتشر أتوميتيف.

أضف إلى ذلك أنه الرئيس التنفيذي لشركة فيوتشر التي استحوذت على نادي كوكاكولا العام الماضي، وأصبح اسمه مرتبطا بنادي فيوتشر الذي يلعب في مسابقة الدوري الممتاز لكرة القدم، وهذه هي المرة الأولى في مصر التي يملك فيها حزبٌ سياسي ناديا رياضيا يساعده على زيادة شعبيته وسط الشباب والمغرمين بهذه اللعبة.

لم تكن المناصب المتباينة التي يشغلها دياب سببا في خلافه الحاد مع منصور، فالمعركة نشبت لأن الأول يحتل منصب أول رئيس لرابطة أندية الدوري المصري منذ سبتمبر الماضي، ومن مهامها الإشراف وتنظيم مسابقة الدوري وتحديد مواعيد المباريات وكل ما يتعلق بالأندية المشاركة في المسابقة.

ولأن منصور اعتاد ممارسة ضغوطه على الكثير من المشرفين على لعبة كرة القدم لتحقيق أغراضه حاول تكرار هذا الدور مع دياب ووجد عدم تجاوب من جانبه، وعندما حاول تهديده، كما كان يفعل مع آخرين، لقي ما لا يحمد عقباه من شتائم.

فرحة أم استنكار

الحكومة المصرية ترى صعوبة في إبقاء كرة القدم بعيدة عن سيطرتها التامة، أو تركها لمن يريدون التحكم في مفاصلها وتوجيه شريحة كبيرة من المغرمين بها إلى جهات مرفوضة منها

على الرغم من صعوبة تقبل الكلمات التي استخدمها دياب، غير أن قطاعا كبيرا من المغرمين بكرة القدم فرحوا بها ولم يستنكروها، لأن منصور بات يشرب من الكأس نفسه الذي أذاق منه عددا من خصومه، ولقي رئيس رابطة الأندية تعاطفا قلّل من وطأة موقف رديء، ولأن منصور كان يتوقعه أو تحسب منه فقام بتسجيله على هاتفه وسرّبه إلى مواقع التواصل الاجتماعي وحظي باهتمام بالغ من روادها.

تبدو قصة منصور مع الشتائم مكرّرة وقد أدمنها جمهور نادي الزمالك وجميع أندية الدوري المصري، حتى فقدت جدواها بحكم العادة فبات لا يكترث بها كثيرون، لكن الحيوية دبت فيها لأن الهدف كان منصور نفسه، والذي استغل درايته بالقانون فقرر النيل من دياب وهدده بعزله من مجلس الشيوخ وطرده من حزب مستقبل وطن.

سلّط الموقف الضوء على دياب، وهو الذي لم يلجأ إلى الضوضاء لا من خلال عمله في مجال الاستثمار أو الرياضة أو حتى عضويته في الغرفة الثانية بالبرلمان المصري، وارتدى الفترة الماضية رداء المنقذ أو من يقوم بدور إطفاء الحرائق بين الأندية التي تتصارع للفوز بلقب بطولة الدوري أو تصارع للهروب من شبح الهبوط.

أسهمت سياستا الليونة والمرونة التي عرف بها في تأكيد صواب من قاموا باختياره وقذفوا به وسط لعبة اعتاد كل من يقترب منها أن يتعرض لمناكفات ويكون مستعدا للدخول في مناوشات مع جهات متعددة.

حاول الرجل ضبط هذه المنظومة بما لديه من حنكة، غير أن محادثة واحدة كشفت عن وجه آخر لدى دياب، وجه يحمل صرامة وقوة وشراسة، رآها البعض مطلوبة لأن رضوخه واستسلامه لمرتضى يعني نهايته سياسيا ورياضيا.

هذه واحدة من المرات النادرة في مصر التي يصبح فيها التطاول مرغوبا أو محمودا أو مطلوبا من شريحة كبيرة من المواطنين، عسى أن تنتهي ظاهرة منصور الذي تحول خطابه إلى وسيلة للتسلية أو التغطية على بعض القضايا الحيوية، ويتعجب الكثير من المصريين على الانتقام منه بالسلاح نفسه الذي استخدمه مع خصومه.

دور سياسي ورياضي

انحسار الأحزاب في الشارع وضع أعين الأجهزة وممثليها على كرة القدم
انحسار الأحزاب في الشارع وضع أعين الأجهزة وممثليها على كرة القدم

يعتقد مراقبون أن منصور يؤدي دورا سياسيا في خضم الأزمات الاقتصادية التي تواجهها الدولة، حيث تلعب لغته دورا في شغل الناس عن همومهم وتخفف من مشاكلهم مع مؤسسات الدولة، لكن صدامه مع دياب المحسوب سياسيا على الحكومة أوقعه في المحظور، فإذا كانت الدولة تستفيد من منصور وتقوم بتوظيفه لتحقيق أهدافها فما هو موقفها عندما يشتبك مع أحد رجالاتها؟ لا تزال الإجابة مبهمة حتى الآن، وربما تترك للقضاء ليحسمها.

المثير هذه المرة أن منصور هو المجني عليه، ومعه دليل إدانة ظاهر للعيان، ما يعني أن دياب قد يصبح مهددا بالحبس، والذي بدا أنه أهون عليه من رضوخه لضغوط رئيس نادي الزمالك، لأنه كان يعلم بقيام الطرف الثاني بالتسجيل له، بما يشير إلى أنه يملك وسائل ضغط خفية قد تجعل مرتضى يتوقف عن المضي قدما في المحاكمة.

حوّلت مكالمة هاتفية من دياب إلى بطل من نوع خاص، وبدأ كثيرون يفتشون عن سيرته الذاتية وماضيه السياسي والاقتصادي والرياضي، والتي تؤكد في مجملها أن له باعا طويلا في كل ذلك، خاصة كرة القدم، حيث أسهم بدور فاعل في تنشيط مسابقات الشباب، وعمل بشركة زد للاستثمار الرياضي، والتي تملك نادي زد الآن.

سياسة الليونة التي يُعرف بها دياب أسهمت في تأكيد صواب من قاموا باختياره وقذفوا به وسط لعبة اعتاد كل من يقترب منها أن يتعرض لمناكفات ويكون مستعدا للدخول في مناوشات مع جهات متعددة

حوت المكالمة إشارة عابرة إلى شخص يدعى إحسان دياب كانت له يد طولى على منصور سابقا، وهذه هي الصيغة المخففة للعبارة التي استخدمها دياب معه.

إحسان هو رجل الأعمال وعضو برلمان بارز في عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك ومن الشخصيات التي تورطت في القضية المعروفة بـ”نواب القروض” الذين حصلوا على قروض من البنوك ولم يتم استردادها، والأهم أنه والد أحمد دياب.

كشفت العلاقة عن معرفة سابقة بين أسرة دياب ومنصور الذي كان محبوسا في الفترة نفسها بعد إدانته بتهمة التطاول على رئيس مجلس الدولة، ووضع مرتضى مع إحسان في سجن واحد، وبحكم تشابكات الرياضة والسياسة، والمحاماة التي يعمل بها منصور، من الطبيعي وجود علاقة بينهما، طفت على السطح مع الأزمة الأخيرة.

الحزب والنادي

اسم دياب مرتبط بنادي فيوتشر، وهذه هي المرة الأولى في مصر التي يتملك فيها حزبٌ سياسي ناديا رياضيا
اسم دياب مرتبط بنادي فيوتشر، وهذه هي المرة الأولى في مصر التي يتملك فيها حزبٌ سياسي ناديا رياضيا

لا أحد يعرف المصير الذي يمكن أن تستقر عليه الأزمة، هل الاستمرار في التقاضي سيكون هو الحل أم يتدخل بعض الوسطاء ويقومون بتسوية الأمر على القاعدة الشهيرة أن المصالح تتصالح في النهاية.

وفي الحالتين يصعب تجاهل الربط بين الرياضة والسياسة، وهي زاوية وفرت أجواء مناسبة ليدخل منها دياب عالم كرة القدم ويصبح رئيسا لأحد الأندية الواعدة، فنادي فيوتشر تتوافر له إمكانيات تجعله رقما في معادلة الرياضة خلال فترة وجيزة.

تعد الأزمة التي دخلها دياب هذه الأيام من المحكات المهمة، وربما تكون كاشفة عن حجم الدور الذي يلعبه والتأييد الذي يحظى به داخل حزب مستقبل وطن وفي الحكومة نفسها ودواليبها المختلفة، فالعثور على شخص في حجم دياب لم يكن سهلا، حيث يجمع بين حزمة كبيرة من المزايا والأدوار التي تجعل الدولة قادرة على تنفيذ أجندتها في أهم لعبة شعبية داخل مصر.

يقول العارفون بدهاليز الدولة والآليات التي يدار بها المجال الرياضي إنه لن يتم السماح لكرة الثلج بأن تكبر بالصورة التي يصعب تطويقها، وهي دلالة على أن وساطة ما قد تختمر تؤدي إلى غلق ملف يتسبب استمراره في تفشيل سيناريو معد تقوم به رابطة الأندية، ونادي فيوتشر، وكلاهما يسهم بدور فعال في أن يكون للظهير السياسي للحكومة ظهير كروي بكل ما يحويه من شعبية وجماهيرية من الممكن أن يتم توظيفها في خدمة الحزب قبل النادي.

12