العراق: حكايات بسكويت تالف وأسئلة مسربة ومدارس من هياكل حديدية

ما حدث في العراق سينتهي بتشكيل لجان تتبعها لجان أخرى دون أن تُعلن النتائج وستُنسى هذه الأحداث لينشغل الناس بأحداث مشابهة أو مغايرة.
الثلاثاء 2022/06/07
من الجاني في تهديم الوطن ومستقبل الأجيال؟

في مقدمته يقول ابن خلدون “إذا فَسد المُعلّم والقاضي في أُمة، فاعلم أنها أُمة زائلة”.

طلبتنا الأعزاء.. قررنا تأجيل الامتحانات لأسباب فنيّة طارئة، بِرّد فعل كان خجولا وبائسا ومُحبطا كحال ردود الأفعال ونتائج لجان التحقيق التي بالتأكيد سيتم تشكيلها دون أن ترى نتائجها النور أو معرفة الفاعل الحقيقي لجريمة تسريب أسئلة البكالوريا لطلبة المرحلة المتوسطة في العراق.

من، وكيف، ولماذا، وأين سُرّبت أسئلة الامتحانات؟

بالتأكيد لن نجد إجابات مقنعة أو حلولا لأننا نعلم والجميع كذلك أن الواقع التعليمي في العراق سقط في هاوية الضحالة وبراثن الفساد، حين أصبحت العملية التعليمية مُقترنة بالوضع السياسي الشاذ في العراق وهرج ومرج وفوضى الإفلات من العقاب.

أُحدّثكم في العراق عن إحدى وزاراته التي تُدعى التربية، من حيث لا فعل يوحي بأنها تسعى للتربية، في بلد يستهدف أجياله ومستقبله، من هم في الداخل والخارج، ثم بعد ذلك نسأل.. من الجاني في تهديم الوطن ومستقبل الأجيال؟

تُرى من منكم تُسعفه الذاكرة، وذكريات تلك الجريمة التي تندرج ضمن محاولات الإبادة الجماعية التي كشفتها تقارير صحافية أُردنية، عن وجود شُحنة بسكويت فاسدة منتهية الصلاحية كانت إحدى المنظمات الدولية تود إرسالها إلى العراق ضمن برنامج الأمم المتحدة في سبتمبر 2013، حيث تم التلاعب بصلاحيتها وتمديدها إلى عامين إضافيين لغاية 2015 لغرض تصديرها وتوزيعها على تلاميذ المدارس، رغم أنها غير صالحة للاستهلاك البشري، حيث كادت تتسبب بتسمم أكثر من نصف مليون طالب وطالبة، في جريمة لا تقل عن جرائم الإبادة الجماعية، وبوجود متورطين في أروقة وزارة التربية العراقية لعلمهم بهذا التمديد والموافقة عليه، أو حتى السكوت عنه. فهل هناك جريمة توازي هذا الانحطاط في الفساد الذي وصل إلى حد قتل الأطفال؟

ها هم العراقيون يستيقظون صباحا ليجدوا أن امتحانات البكالوريا لأبنائهم قد تأجلت بسبب تسرب الأسئلة، فيتعجب البعض من هذا الانفلات والفوضى، ويطالب آخر بالقصاص من المُتسبب، فيما يغضب آخرون لهذا الفعل. وينسى هؤلاء جميعا أن أبناءهم لازالوا يفترشون الأرض لتلقّي دروسهم في مدارس طينية آيلة للسقوط، في بلد يُعتبر من أغنى بلدان العالم، ويطفو على بحار من النفط والثروات. فهل هناك مشهد كوميدي مأساوي أسود كالذي يعيشه طلاب العراق، وهم الذين كانت تتغنى وزارات التربية المتعاقبة بتحقيق أمانيهم وبناء مدارس تليق بهم، لتصبح اليوم هياكل حديدية شبيهة بالآثار والأطلال ويعمها الفساد وخسائر كلفت الدولة أكثر من 250 مليار دينار عراقي (ما يقارب 218 مليون دولار) لتشييد أكثر من 200 مدرسة عام 2008، ذهبت أدراج الرياح في صفقة فساد تُعتبر من أكبر صفقات الفساد في تاريخ العراق لبناء مدارس الهياكل الحديدية.

ما حدث من فعل ورد فعل لحادثة تسريب الأسئلة في العراق سينتهي بتشكيل لجان، تتبعها لجان أخرى، لحوادث أُخريات، دون أن تُعلن النتائج أو ترى النور أو تتضح للرأي العام، وستُنسى هذه الأحداث لينشغل الناس بأحداث مشابهة أو مغايرة، لا يهم، مادامت العقول تستوعب كل حدث جديد، وسينتهي ويمر وكأن شيئا لم يحدث كحال الأخريات من الحوادث والعواصف التي تعصف بهذا البلد، فتجعله كـ”العصف المأكول”.. ويبقى السؤال: متى تنهض من كبوتك وتنتفض لمستقبل أبنائك وتنفض عنك هذا الغبار والسواد أيُها العراق؟

 

9