الشهادة الجامعية في غزة.. ورقة لا قيمة لها

وضع مزر تشهده جامعات غزة بسبب انهيار البنية التحتية وغياب الدعم المالي الكفيل بإصلاح مخلفات المواجهات العسكرية ليجد الطلاب أنفسهم محشورين في قاعة لا تصلح للتدريس وتفتقر إلى المواصفات المطلوبة.
الخميس 2022/06/02
تعليم منهار

بين من فرضت عليه الظروف إكمال الدراسة في جامعات غزة لينهي المسار التعليمي الشاق بالبطالة أو اللجوء إلى عالم التجارة الحرة، ومن حالفه الحظ في الحصول على منحة جامعية للدراسة في جامعة أوروبية أو عربية تقدم للمتفوقين فرصة للدخول في عالم الشغل من بابه الواسع، تبرز حقيقة لا يمكن أن ينكرها عاقل، وهي أن التفوق العلمي لا يمكن أن يصل إلى نتيجة إذا كان الوطن لا يوفر الظروف المناسبة للنجاح ولا يعترف بمبدأ تكافؤ الفرص وإعطاء كل ذي حق حقه.

ألقى الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 2007 بأوزاره على الحياة الأكاديمية في غزة، وأفرغها من محتواها، نظرا إلى صعوبة الوضع المالي للجامعات، التي تعتمد في الأساس على رسوم تسجيل الطلبة لتفي بالتزاماتها الضرورية، مثل رواتب الأكاديميين والإداريين. ولم يعد بإمكانها توفير الظروف المناسبة للبحث العلمي خاصة مع تدهور البنية التحتية فيها، إذ تعرضت العديد من مباني الجامعات ومنشآتها للتدمير نتيجة قصفها بالصواريخ. وهو ما جعل منظومة البحث العلمي متخلفة غير مواكبة للتطور التكنولوجي. وتحولت الشهادة الجامعية إلى ورقة لا قيمة لها في ظل رفض السلطة الفلسطينية الاعتراف بالعديد من الجامعات التي أنشئت في فترة الانقسام، لتتضاعف مأساة العديد من الطلبة وتتبخر جهودهم ويجدوا أنفسهم أمام بطالة مزمنة، توازي بين الطالب المتفوق وبائع الخضر في سوق البسطات.

وضع مزر تعرفه جامعات غزة بسبب انهيار البنية التحتية وغياب الدعم المالي الكفيل بإصلاح مخلفات المواجهات العسكرية في القطاع، ليجد الطلاب أنفسهم محشورين في قاعة لا تصلح للتدريس وتفتقر إلى المواصفات الهندسية المطلوبة. هنا تصبح مهمة الأستاذ شبه مستحيلة لمتابعة الطلاب أو الإجابة على أسئلتهم أثناء المحاضرة أو التواصل معهم خلال الساعات المكتبية.

التخلص من الآثار التدميرية الناجمة عن انهيار التعليم يحتاج إلى سنوات كثيرة، لاسيما في ظل ما كرسه من حالة ضعف في مؤسسات التعليم العالي

في ظروف مثل هذه لا يمكن تحقيق جودة التعليم طالما أن الطالب لا يحظى باهتمام الأستاذ ولا يشعر بارتياح ولا يسمع ولا يرى بوضوح أثناء المحاضرة. فالطالب وفق المفاهيم الحديثة للتعليم هو جوهر العملية التعليمية، وإهماله وعدم مراعاة ظروفه وحاجاته يؤديان إلى تفريغ التعليم الجامعي من مضمونه، ليصبح تعليماً أجوف لا يعطي الطالب في نهاية دراسته الجامعية إلا شهادة لا قيمة لها، ثم يرهن الوضع الاقتصادي مصير 75 في المئة من المتخرجين أمام حتمية البحث عن مصدر رزق، حتى وإن لم يكن متوافقا مع تخصصاتهم، ليذهب تحصيلهم العلمي سدى.

قليل من المحظوظين تمكنوا من الظفر بمنحة جامعية خارج غزة، على الرغم من أن الواسطة تتدخل في الكثير منها، وسهل لهم ذلك الحصول على جودة تعليم تمكنهم من التحصيل في الظروف المناسبة التي تسمح باكتساب الكفاءة والتقدم في المسار المهني. ومع توفر فرص العمل بنظام الساعات في العديد من الدول الأوروبية، ساهم هذا في تحسين الوضع المعيشي للعديد من الطلبة، كما مكنهم من المساهمة في رفع المعاناة والغبن عن عائلاتهم الفقيرة من خلال إرسال بعض الإعانات المادية إليها.

وتمكن الطلبة الفلسطينيون من التميز وتقديم الإضافة في المجتمعات التي التحقوا بها، أمثال لؤي البسيوني الشاب الغزي الذي حصل على منحة جزئية للدراسة في إحدى جامعات ولاية بنسلفانيا عام 1998، في هندسة الكهرباء، وحصل على درجة الماجستير من جامعة لويفيل، لينضم لاحقا إلى وكالة ناسا ويشارك في تصميم الطائرة العمودية الخاصة بالطيران في كوكب المريخ، ويصبح بذلك مفخرة غزة في الولايات المتحدة.

تداعيات الوضع في غزة وانعكاسات ذلك على المسيرة التعليمية تهدد بشكل خطير محتوى التعليم العالي، وبالتالي الأهداف المتوخاة والتي يقع في جوهرها تنمية وتطور المجتمع، وزيادة معارفه وحل مشاكله. بل يدفع إلى تخلف المجتمع وجعله عصيا على التنمية والتطور، حتى في حال تم الخروج من الوضع الراهن مستقبلاً. التخلص من الآثار التدميرية الناجمة عن انهيار التعليم يحتاج إلى سنوات كثيرة، لاسيما في ظل ما كرسه من حالة ضعف في مؤسسات التعليم العالي وقدرتها على القيام برسالتها على الشكل المطلوب.

9