التسريبات تفسد العلاقات بين الإخوان وحلفائهم السلفيين في مصر

الجماعة أخفقت في امتصاص تأثير التسجيلات ومقعدها في الحوار الوطني خال.
الاثنين 2022/05/09
تسريبات أفقدت الإخوان حلفاءهم

جاءت التسريبات في الجزء الثالث من مسلسل "الاختيار" لتثبت نفاق الإخوان في مصر لحلفائهم السلفيين وألّبت الرأي العام ضدّهم، حتى أنهم عجزوا عن التخفيف من حدة تأثيراتها ولم ينجحوا في ضمان مقعد بالحوار الوطني، وبالتالي خسارة الجماعة لأيّ فرص للتقارب مع النظام المصري الذي يبدي انفتاحا أكبر على المعارضة الحزبية وحرية التعبير.

القاهرة – لعبت الدراما المصرية دورا لافتا في التأثير على التفاعلات والتحالفات داخل تيار الإسلام السياسي، وظهر ذلك في الجزء الثالث من مسلسل “الاختيار” الذي عُرض لأول مرة في رمضان الماضي وأسهم في تخريب ما تبقى من علاقات بين جماعة الإخوان والأجنحة السلفية.

أُذيعت في نهاية كل حلقة من حلقات المسلسل تسريبات بالصوت والصورة لقيادات جماعة الإخوان كشفت عن رأيهم الحقيقي في السلفيين، ما يرخى بظلال سلبية على العلاقة بين الجانبين مستقبلا ويخفف من تأثيرهما على القواعد المجتمعية المنجذبة لخطاب التعاون بينهما.

من شأن ما نشر من تسجيلات إفساد ما بقي من هامش علاقات بين الإخوان وبعض القوى الإسلامية، خاصة تلك التي لعبت دورا ملحوظا ضمن التحالف الذي تشكل في أثناء حكم الإخوان وبعد عزل الجماعة عن السلطة في ما عُرف بتحالف دعم الشرعية، والذي ضم فصائل وأحزابا تنتمي إلى منهج السلفية الحركية وإلى تيار القيادي السلفي حازم أبوإسماعيل والجماعة الإسلامية.

تفكيك الروابط

لم تقتصر التسريبات الخاصة بعلاقات الإخوان مع التيار السلفي على كشف الكيفية التي يتعامل ويفكر بها قادة الإخوان في عموم هذا التيار، خاصة الدعوة السلفية التي انبثق منها حزب النور، عن طريق وصف السلفيين بالشراذم وأنهم مشتتون ويصعب الاتفاق معهم، كما ورد على لسان مرشد الإخوان محمد بديع، ومن خلال تعمد قادة الإخوان زرع جواسيس لهم في أوساط السلفيين وإبلاغ الأجهزة الأمنية عن تحركاتهم وأنشطتهم، كما ورد على لسان القيادي الإخواني النافذ خيرت الشاطر.

أحد التسجيلات المسرّبة كشف رفض قادة الإخوان لترشح القيادي السلفي حازم أبوإسماعيل لانتخابات الرئاسة المصرية عام 2012
☚ أحد التسجيلات المسرّبة كشف رفض قادة الإخوان لترشح القيادي السلفي حازم أبوإسماعيل لانتخابات الرئاسة المصرية عام 2012

شملت التسجيلات تيارا سلفيا حركيا تربطه صلات وطيدة بجماعة الإخوان وهو الفصيل الذي يعتبر القيادي الإسلامي حازم صلاح أبوإسماعيل مرشدا روحيا وقائدا سياسيا له، ولا يزال قادته وعناصره من الهاربين خارج مصر يشكلون أحد عوامل الدعم لترويج الروايات التي يتبناها الإخوان ضد الدولة المصرية وينشطون على وسائل التواصل الاجتماعي بهدف انتقاد الأوضاع واستغلال بعض قرارات سابقة مثل منع الصلاة في الساحات أو الاعتكاف في المساجد لتشويه أجهزة الدولة وتصويرها كأنها معادية للإسلام.

كشف أحد التسجيلات المسرّبة رفض قادة الإخوان لترشح القيادي السلفي حازم أبوإسماعيل لانتخابات الرئاسة المصرية عام 2012، ليس فقط لأن والدته تحمل الجنسية الأميركية، إنما لأن وصوله إلى رئاسة مصر “كارثة محققة”، كما ورد على لسان عبدالمنعم أبوالفتوح القيادي المنشق عن الإخوان والذي كان مرشحا رئاسيا ومنافسا أيضا ودشن تيارا خاصا به لتحقيق حلمه في الحكم، وعبّر عنه مرشد الجماعة بجملة موحية “هيموت وياخدها” قاصدا أبوالفتوح ورغبته الجامحة في حكم مصر.

على ضوء هذه النوعية من التسريبات وما دار في الكواليس وصولا إلى نقض قادة الإخوان تعهداتهم لعبدالمنعم أبوالفتوح بدعمه كمرشح رئاسي عن التيار الإسلامي، يتبين حجم التلون والتغير الذي أصاب الجماعة والمتعاونين معها، فعقب اجتماع ضم خيرت الشاطر بأحد المسؤولين الأميركيين أبدى الأخير عدم ممانعة واشنطن وصول مرشح صريح من الإخوان للسلطة في مصر، وهو ما جعل الجماعة تنقض تعهداتها في عدم ترشيح أحد قياداتها والغضب من صلاح أبوإسماعيل.

وشجع الضوء الأخضر الأميركي الإخوان على طرح فكرة التقدم بمرشح رئاسي ممثل عن الجماعة والتخلي عن دعم أبوالفتوح، وهو ما أكده تسريب على لسان المرشد بعد أن رُفضت أوراق الشاطر للترشح لسابقة قضائية لم يُرد فيها اعتباره وتقدمت الجماعة لترشيح بديله محمد مرسي.

فضحت التسريبات مدى تشرذم تيار الإسلام السياسي وتفككه من الداخل وتربص أجنحته ببعضها وتصارع قياداته على من يفوز بمنصب رئاسة الجمهورية دون التوافق على رؤى وبرامج جامعة لهذا التيار ليثبت جدارته بالوصول إلى هذا المنصب، وهو عكس الصورة التي كان يبدو عليها هذا التيار الذي حرص على إظهار نفسه متماسكا وأجنحته مترابطة.

لم تنج الجماعة الإسلامية المحسوبة على التيار السلفي، أحد أهم حلفاء الإخوان، من التسريبات الكاشفة التي أظهرت النظرة الدونية التي ينظر بها قادة الإخوان لحليفتهم عندما قلل خيرت الشاطر من قيمة تدشين القيادي بها عاصم عبدالماجد لحملة عنوانها “تجرد” لمواجهة تمدد نشاط حملة “تمرد” التي جمعت الملايين من التوقيعات لعزل الرئيس الإخواني محمد مرسي من منصبه، واصفا تحرك عبدالماجد وجماعته بأنه “لذر الرماد في العيون، بينما الجميع يعلم أنه جهد فارغ بلا قيمة ولا تأثير”.

على ضوء التسريبات وما دار في الكواليس يتبين حجم التلون والتغير الذي أصاب الجماعة والمتعاونين معها

إظهار حقيقة ما يتصوره قادة الإخوان بشأن الكيانات الإسلامية الأكثر قربا للجماعة التي بذل قادتها وعناصرها الجهد الأكبر في خدمة أهداف تنظيم الإخوان، ومنهم هاربون ومسجونون، من شأنه تفكيك ما تبقى من روابط تجمع الإخوان مع باقي فصائل الإسلام السياسي، خاصة الجماعة الإسلامية وجناح السلفية الحركية الموالي لحازم صلاح أبوإسماعيل فضلا عن التيار المنحاز إلى عبدالمنعم أبوالفتوح.

وكما أسهمت التسريبات في امتعاض حلفاء الإخوان من الإسلاميين منها نتيجة الشعور بأن ما قدموه من خدمات لم تكن تستحقه الجماعة التي تنظر إليهم بدونية وتخطط في الخفاء لتهميشهم، زادت كذلك من منسوب إفساد العلاقة بين الإخوان وطيف التيار المدني وقوى المعارضة الوطنية.

وفي الظهور الأول لمؤسس حركة 6 أبريل المعارضة أحمد ماهر منذ عشر سنوات حيث سُجن لفترة على خلفية قضية تظاهر دون ترخيص وتعدي على رجل أمن، هاجم جماعة الإخوان ضمن الحلقة الأخيرة الوثائقية كاشفا انقلابها على وعودها للقوى الثورية والوطنية وإقصاء الجميع وسخريتها من دماء الشهداء، وتبين له أن حكم الإخوان فاشل ومستبد لذلك قدم استقالته من الجمعية التأسيسية للدستور عائدا إلى صفوف المعارضة.

تعزز هذا التصور بشهادة المفكر السياسي سمير مرقص الذي استقال من منصبه كمساعد للرئيس محمد مرسي عندما كشف طريقة تعاطي قادة الإخوان مع لقاء القوى الوطنية لمناقشة الإعلان الدستوري الذي أصدرته الرئاسة بإيعاز من مكتب إرشاد الإخوان من خلال تمرير رسالة مفادها إما قبول الإعلان الدستوري أو ستكون “الدماء للركب”، تعبيرا عن الترهيب والتخويف بإراقة الدماء الغزيرة.

أسهمت التسريبات التي عُرضت للمرة الأولى في تعميق عزلة جماعة الإخوان وتفكيك ما تبقى من أواصر بينها وبين طيف واسع في التيارين الإسلامي والمدني، وإفساد ما تبقى من خيوط تنسيق وتماه بينها وبين القوى الثورية والمعارضة داخل الأجنحة اليسارية.

محاولات تطويق

محاولات تطويق

جاءت التسجيلات في وقت مصيري بالنسبة إلى الجماعة حيث كانت تعد نفسها لاقتناص فرصة دعوة القيادة السياسية المصرية إلى حوار وطني، بغرض الانخراط في هذا المسار السياسي للعودة مجددا إلى مشهد الأحداث.

حاولت منصات تابعة لجماعة الإخوان تطويق تداعيات التسريبات من خلال الزعم بأن ما أُذيع في نهاية كل حلقة من حلقات المسلسل لا يعبر عن أخلاقيات الخصومة، لأن الأطراف الأخرى من الصراع تقبع في السجون أو رحلت عن الحياة.

وكثف نشطاء بجماعة الإخوان وعدد من الإعلاميين المقربين منها، مثل الكاتب بلال فضل عبر صفحته على فيسبوك من هجومهم على مسلسل “الاختيار” وتناوله بشكل ساخر وبعيد عن المعالجة الموضوعية بزعم أن شخصيات العمل أحادية وخيّرة على الإطلاق وأن شخصية المشير عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع حينذاك، شخصية نورانية وأن المسلسل قدم رواية المنتصر وأنها المرة الأولى التي تطرح فيها سلطة قائمة سردية خاصة بها.

وبدت هذه المحاولات عاجزة عن التقليل من التأثيرات، لأنه ليس عملا دراميا تقليديا إنما مزج الدراما بالتسجيلات المصورة والمشاهد الحية، ما جعل الهجوم المضاد ومحاولات التشكيك ضعيفة وغير قادرة على الإقناع.

وتكرست بعد عرض الحلقة الأخيرة من الجزء الثالث لمسلسل "الاختيار" التي جاءت على شكل وثائقي صورة جماعة الإخوان في أذهان المنتسبين للتيار السلفي كجماعة انتهازية يتصف قادتها بالخبث والمكر والتآمر، ليس فقط على الخصوم من التيار العلماني، إنما أيضا على الفصائل والأجنحة الإسلامية، خاصة أن الخبرة المتراكمة تؤكد ذلك.

7