تونس تواجه خطر التغيّر المناخي بالإهمال واللامبالاة

البيئة والمحيط في تونس يدفعان ثمن الإهمال الحكومي المسجل خلال السنوات الماضية.
الخميس 2022/05/05
خطر الجفاف يخيم على تونس

تونس - تثير عدة تقارير محلية ودولية خشية لدى التونسيين من التغير المناخي وتداعياته خاصة في ظل غياب برامج حكومية رسمية قادرة على مواجهة ذلك.

وتحتاج تونس إلى اعتمادات مالية بقيمة 19.3 مليار دولار حتى عام 2030 لتنفيذ تعهداتها لحماية المناخ، وفق ما أكده المسؤول المكلف بملف تونس في اتفاقية الأمم المتحدة حول التغيرات المناخية محمد الزرلّي.

وأشار الزرلّي إلى أن التزامات تونس تقضي بضرورة تقليص 45 في المئة من انبعاثات الغازات الدفيئة بحلول عام 2030، بدل 41 في المئة محددة سابقا.

وركّزت النسخة المعدلة من مساهمة تونس المحددة وطنيا، والمقدمة إلى المنصة الأممية للاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ على مجالات عدة بينها الاقتصاد الدائري (تقليص النفايات وتكريرها)، والأمن الغذائي، والمائي، والتنمية الاجتماعية لخلق الثروة.

الحكومات المتعاقبة خلال السنوات العشرين الماضية لم تعط موضوع التغير المناخي الأهمية التي يستحقها

ويشير مراقبون محليون إلى أن البيئة والمحيط في تونس يدفعان ثمن الإهمال الحكومي المسجل خلال السنوات الماضية، وغياب استراتيجية وطنية فعلية لمواجهة خطر التغير المناخي، وهما من ضحايا الفساد المالي والإداري في القطاعات المتصلة بالبيئة، وفشل الوزارات والإدارات الحكومية المتخصصة ومنظومة الحكم المحلي في التعامل مع الوضع البيئي بالكثير من الحزم والجدية.

ويلفت هؤلاء إلى أن الحكومات التونسية المتعاقبة خلال السنوات العشرين الماضية على الأقل، لم تعط الموضوع الأهمية التي يستحقها ولم تخطط لمشاريع كبرى يمكن أن تساعد على تجاوز الأزمة العالمية.

وسجل المعهد الوطني للرصد الجوي في تونس زيادة في وتيرة موجات الحرارة الشديدة وهطول الأمطار خلال نفس الفترة، ما يجعل البلاد معرضة بشدة لتغير المناخ، وسيكون مناخها المستقبلي أكثر حرارة وجفافا، مع تغيرات في هطول الأمطار الموسمية الرئيسية.

ومن المتوقع أن يرتفع مستوى سطح البحر مع زيادة الملوحة والحموضة. وسيحدث هذا التعرّض جملة من المخاطر على الزراعة والصيد البحري والسياحة، مما يضاعف من المخاطر الحالية في هذه القطاعات.

التزامات تونس تقضي بضرورة تقليص 45 في المئة من انبعاثات الغازات الدفيئة بحلول عام 2030

وتميزت الفترة الماضية بجفاف في أغلب أنحاء البلاد مقابل الرياح العاصفة التي ساهمت في جفاف التربة، وشهد المحيط الريفي تلوثا كبيرا بالمواد المدمرة للبيئة ومنها النفايات البلاستيكية المحلية والمستوردة والتي لم تجد لها السلطات الحكومية حلا، ولا تزال إلى اليوم تمثل تهديدا واسعا للتربة والماء والهواء وصحة البشر والكائنات الحية الأخرى.

وإلى ذلك، بيّن تقرير محلي تم إنجازه من قبل مراكز أبحاث تابعة لوزارة البيئة بالاشتراك مع سفارة المملكة المتحدة أن قطاعات الزراعة والصيد البحري والسياحة في تونس ستتأثر بصفة كبيرة بالتغيرات المناخية، وهو ما أصبح ملحوظا بالفعل في الاقتصاد الوطني.

فما بين سنوات 1978 و2012 ارتفع متوسط درجات الحرارة السنوية بنحو 2.1 درجة مئوية في تونس. وقد أدى ذلك إلى تضاعف عدد الأيام الحارة تقريبا وانخفاض عدد الأيام الباردة إلى النصف حسب بيانات تخص تغير المناخ نشرت سنة 2019.

وينتظر أن تنخفض معدلات الأمطار السنوية بنسبة تتراوح بين 10 في المئة بالشمال الغربي و30 في المئة بأقصى جنوب البلاد مع حلول عام 2050.

Thumbnail

كما بات تأثير تغير المناخ على الموارد المائية أمرا متوقعا وفق وزارة البيئة التي كانت رجحت حسب دراسة لها عام 2015 تحول أرخبيل قرقنة من ولاية صفاقس إلى مجموعة أكبر من الجزر الصغيرة، أي أن قرابة 30 في المئة من المساحة الإجمالية للأرخبيل معرضة للانجراف البحري.

وبحسب دراسة حديثة فإن أهم القطاعات الاقتصادية في البلاد ستواجه خطرا جديا خلال السنوات القادمة، فقطاع إنتاج الزيتون وزيت الزيتون مثلا سيتأثّر بتراجع نسبة المياه، وهو ما لوحظ خلال العامين الماضيين من اتساع ظاهرة الجفاف، حيث تعرضت بعض غابات الزيتون إلى تيبّس الأغصان أو ضعف الإنتاج، وقد يؤدي ذلك إلى خسائر في التصدير سنوية في حدود 228 مليون دولار بحلول سنة 2100.

ويشير معهد الموارد العالمي إلى أن تونس والمغرب وليبيا والجزائر تعتبر من بين الدول الثلاثين الأكثر تعرضا لشح المياه على كوكب الأرض.

وتونس مثال على ذلك إذ نضبت المياه من سدود عديدة، كما جفت أشجار الزيتون إلى درجة تهدد بحرمان المئات من المزارعين من مصدر رزقهم.

قطاع إنتاج الزيتون وزيت الزيتون مثلا سيتأثّر بتراجع نسبة المياه، وهو ما لوحظ خلال العامين الماضيين من اتساع ظاهرة الجفاف

وتوجد تونس تحت مستوى الشحّ المائي وهو ما يمثل معضلة حقيقية إذ لا تتجاوز حصة التونسي من المياه المتاحة 450 مترا مكعبا سنويا وستصل هذه الحصة إلى 350 مترا مكعبا سنة 2030. وتفسر ندرة المياه بعدم انتظام نزول الأمطار وتواتر فترات الجفاف التي تصل إلى ثلاث سنوات بفعل التغيرات المناخية، وتونس من بين البلدان العشر في العالم الأكثر تأثرا بانعكاسات التغيرات المناخية.

وقال كاتب عام حركة “الشبيبة من أجل المناخ” أحمد الحاج الطيب إن “التغيرات المناخية يمكن ملاحظتها من خلال ارتفاع درجات الحرارة التي تجاوزت المعدّلات العادية جرّاء انبعاثات الغازات”.

وأكد الحاج الطيب أن “تونس اليوم مصنفة تحت خط الفقر المائي، وضمن قائمة 33 دولة في العالم ستواجه في غضون 2044 شحّا مائيا حادا بسبب التغيّر المناخي”.

وستكون مناطق الوسط والجنوب في تونس مهددة بجفاف كلي إلى جانب نقص فادح في المياه الصالحة للاستهلاك مما ينذر بمواسم عطش، بينما سيتعرض إنتاج الحبوب بدوره الى أزمة كبيرة مع إمكانية تسجيل تراجع في مستوياته تتراوح بين 30 و50 في المئة من حيث المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي الزراعي بحلول عام 2100 وفقدان مواطن شغل بنسبة 30 في المئة بحلول سنة 2050.

وسيؤدي ذلك إلى عدم تحقيق الاكتفاء الذاتي وزيادة الاعتماد على الواردات.

تونس تحتل المركز 74 في ترتيب الدول وفقا لانبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون

وتم تصنيف قطاع التمور بدرجة أقل من حيث مخاطر التغيرات، ولكن تغير المناخ يمكن أن يزيد من الآفات والتغيرات في أوقات الإزهار والتلقيح الحرجة. ويمكن أن تكون الصادرات في حدود 20 إلى 26 مليون دولار معرضة للخطر في سنة 2050 و72 إلى 85 مليون دولار في سنة 2100.

وسيتسبب ارتفاع مستوى سطح البحر في تقليص مساحات الشواطئ وقد يؤدي إلى خسارة رأس المال المنتج في القطاع السياحي بحوالي 1.5 مليار دولار. وسيؤدي تغير المناخ إلى تغيير المواسم السياحية، مما يجعل فترات الذروة في الصيف أقل جاذبية، مع زيادة الإمكانات في الربيع والخريف.

ويشير المراقبون إلى أن الأوضاع السياسية والمالية والاقتصادية والاجتماعية المتردية ساهمت خلال الأعوام الماضية في تفاقم أزمة الاحتباس الحراري بعد أن اتسعت ظاهرة التلوث البيئي وغابت الرقابة العملية وعجزت الحكومات المتلاحقة عن تنفيذ القوانين والقرارات المتصلة بمسألة المناخ.

وتحتل تونس المركز 74 في ترتيب الدول وفقا لانبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون. وقد بلغت هذه الانبعاثات في عام 2011 حوالي 25643 كيلو طن أي ما يعادل 0.7 في المئة من الانبعاثات العالمية في نفس العام، أي أقل بكثير من دول مثل الصين أو الولايات المتحدة.

 كما كانت من أوائل الدول التي صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ عام 1993 وبروتوكول كيوتو عام 2002. واتخذت العديد من الإجراءات للحد من آثار هذه الظاهرة، حيث قامت وزارة البيئة بدعم ألماني بتكليف مجموعة من الخبراء والاستشاريين الوطنيين والدوليين بمهمة صياغة وإرساء استراتيجية وطنية قوية بشأن الاحتياجات اللازمة ونقاط الضعف وضرورة التكيف مع تغير المناخ.

7