إيران فشلت في نقل التصعيد إلى غزة

حماس فهمت أنها في موقف اقتصادي صعب للغاية لا يمكنها من صب المزيد من الرصيد على شعبيتها التي تتآكل يوما بعد يوم جراء قساوة الأوضاع الاقتصادية على الغزيين.
الثلاثاء 2022/04/26
الحركة في موقف لا تحسد عليه

قطع الاجتماع العربي الطارئ في الأردن والاتصالات الدبلوماسية الطريق أمام إيران لصب الزيت على النار وجر الفصائل المسلحة في غزة إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع الاحتلال تماما كالتي وقعت العام الماضي، وقد يتساءل البعض ما دخل إيران في فلسطين وما الذي يجعلها طرفا في المعادلة؟ ببساطة لأن إيران لا تدفع ملايين من الدولارات كمرتبات وأسلحة للفصائل لمجرد أنها تريد الحفاظ على حلفائها في غزة، بل لاستعمال تلك الأسلحة في حربها ضد العدو الذي تتقاسمه مع الفلسطينيين، وإلا فإنها ليست مجبرة على التمويل بلا نتيجة.

لم يكن بإمكان حماس هذه المرة أن تنساق إلى فتح جبهة أو أن تسمح للفصائل بفتح جبهة عسكرية ضد الاحتلال لأنها تدرك تماما نبض الشارع في غزة الرافض للتصعيد، ليس تهربا من نصرة الأقصى فلم يعهد على الغزيين ذلك، ولكن الأزمة الاقتصادية ومخلفات الحرب السابقة لا تزال تلقي بظلالها على الوضع داخل القطاع، ولهذا فإنه من غير العقلاني الدخول في مغامرة مجانية قد تقضي على ما تبقى من رصيد حماس الشعبي في غزة: لقد قرأت حماس وفهمت جيدا أوراق الاحتلال في أنه يريد جرها إلى جولة عسكرية جديدة قد تنتهي بالضربة القاضية فور نهايتها، لقد اختارت حماس التريث والسماع للدعوات العربية التي أطلقت من الأردن بضرورة وقف التصعيد، وكأن حماس تريد أن ترسل رسالة للدول العربية المقاطعة والمجتمعة لتباحث الوضع في فلسطين مفادها أنها أصبحت أعقل من ذي قبل، وأنها مستعدة للسمع والطاعة.

لم تتلق حماس والجهاد من حليفتهما إيران المكافأة اللازمة بعد معركة سيف القدس، بل تركت غزة تتخبط في العديد من الأزمات الداخلية الناتجة عن الدخول في مواجهة عسكرية أفضت بالمزيد من التضييق والخناق، كما أن التصريحات السابقة في سبتمبر الماضي والتي أطلقها أحد قادة الحرس الثوري حيث قال إن الفصائل الفلسطينية المسلحة متواجدة لحماية إيران في العمق الإسرائيلي، كشفت حقيقة نوايا إيران التي لا تتحرك في فلسطين نصرة للقضية الفلسطينية بل إزعاجا لإسرائيل وضمانا لبقاء عنصر تشويش يهدد عمقها باستمرار ويسمح لإيران بممارسة تهديد عن بعد.

لقد فهمت حماس أنها في موقف اقتصادي صعب للغاية لا يمكنها من صب المزيد من الرصيد على شعبيتها التي تتآكل يوما بعد يوم جراء قساوة الأوضاع الاقتصادية على الغزيين وباتت حماس تقرأ الوضع بنوع من العقلانية لا بالانسياق نحو الرغبات في خوض التصعيد الذي أصبح يهدد وجودها في غزة قبل أن يردع الاحتلال، ولهذا اختارت عدم الذهاب إلى الخيار العسكري الذي تحبذه إيران لأنه ينهك الاحتلال ويجعله يتلقى ضربات موجعة بأسلحة من صنعها، كما يوجه رسالة بأن إيران هي الأكثر تهديدا لإسرائيل وليس العكس.

لهذا لم يعد مهما لحماس الانسياق لتصعيد يخدم مصالح إيران ما دامت هذه الأخيرة لا تلبي رغباتها المادية وتسعى لاستعمالها في أجندتها، التي تحقق المنفعة الخاصة بها فقط، كما أن حماس بدأت تقتنع بأن أي رد عسكري من القطاع من دون قرار سياسي شامل قد يحملها مسؤولية فشله داخليا وتبعاته خارجيا، لقد تحولت نظرة حماس إلى أكثر واقعية من ذي قبل وأدركت أن الشعبية التي ستتحصل عليها بعد العملية العسكرية لن تكون كافية لردع الاحتلال وحل مشاكلها الداخلية التي تهدد كيانها ومستقبلها في القطاع.

حماس بحاجة إلى خفض التصعيد عكس ما تريده إيران ولكن هذا القرار ستكون له تبعات سلبية على خزائن الجهاد والفصائل الأخرى إذ أن إيران ليست مستعدة للدفع مجددا بدون مقابل.

9