الشاشات ملك لمن يشاهدها

البحث عن الجمهور واستقطابه لا يستقيم مع احتكاره وافتراض أنه سوف يقبل ويتسامح مع كل ما يشاهده.
الأحد 2022/04/10
الشاشة ملك للمشاهد ما دام الخطاب موجه له

ما تزال ثمة علاقة إشكالية بين الجمهور والشاشة وبين النقاد والعمل السينمائي والتلفزيوني، فمسألة قبول الفيلم السينمائي والرضا عنه والترويج له وعدم توجيه النقد له هو مطلب غالب على صعيد العديد من التجارب السينمائية العربية.

وينطلق أصحاب تلك المواقف من الخشية من تفشي الموقف السلبي تجاه الفيلم أو المسلسل بما يلحق ضررا بسمعة واسم الشركة المنتجة، وينال من الجهود المبذولة، ومن جهة أخرى يقلل من مساحة المشاهدة وصولا إلى المردود المادي.

كل هذه الاعتبارات تبقي الفيلم السينمائي والمسلسل بمثابة ملكية حصرية لمن أنتجه وهو معيار يفتقر إلى التوازن المنطقي المرتبط بعملية التلقي في حد ذاتها.

فمن البديهيات أن علاقة الجهة المنتجة وفريق العمل تنتهي بمجرد وصول الفيلم أو المسلسل إلى الجمهور العريض، بمعنى أن رد الفعل تجاهه سلبا أو إيجابا يصبح خارج السيطرة المباشرة وهو أمر ما يزال موضع أخذ ورد.

المؤسسات والشركات الإنتاجية تشعر بالضيق من النقد أيا كان وتعده في بعض الأحيان نوعا من التحريض وأنه نوع من بخس القائمين على ذلك العمل مجهودهم والأموال التي أنفقوها.

الشاشات مساحة مطلقة للتفاعل مع ما يعرض عليها والموقف والرأي تجاهه ليسا رهيني الرضا والقبول السلبي

نتفق جميعا أن إنتاج الفيلم السينمائي والمسلسل بجميع مراحلهما هي مهمة ليست سهلة وخاصة عندما تعتمد المعايير الصحيحة للإنتاج وما بعد ذلك يفترض بذلك العمل أن يستجيب لقناعات الجمهور العريض، وبمعنى آخر أن يلبي ما يتمنون مشاهدته من أعمال رصينة ابتداء من القصة السينمائية العميقة والمتماسكة وانتهاء بالاستخدام المتميز للأدوات الفنية وفي إدارة الممثلين وفي مجمل مفاصل العملية الإنتاجية برمتها بوصفها عملية إبداعية تنطوي على كثير من المهارات والحرفية العالية والحس الجمالي الرصين.

لكننا في المقابل صرنا نشاهد ركاما من الأفلام والمسلسلات التي يغلب عليها الطابع التجاري وعملية السلق السريع وبذلك تراكمت الأعمال السطحية التي لا تغني ولا تسمن، وهذا النوع من الأعمال لا يرضي الشريحتين لا الجمهور ولا النقاد ومع ذلك تفترض الجهة الإنتاجية أن على الجميع أن يتساهلوا ويدعو العمل أن يمر بسلام حاله حال الأعمال الأخرى.

من هذا كله تجد أنه بسبب قلة المنافسة والأعمال المعروضة يتحرج أصحاب الرأي في بعض الأحيان من الكتابة، مشخصين الإخفاقات والأخطاء لائذين بالصمت إزاء ما يشاهدونه، وتلك إشكالية أخرى لا تخدم صانعي تلك الأفلام السينمائية والتلفزيونية في إبقائهم غافلين عن الكثير من الجوانب الإيجابية والسلبية فضلا عن تقويم العمل نقديا.

واقعيا إن تلك العملية التكاملية ما بين عملية الإنتاج والتسويق والنقد هي أقصى ما يحتاجه المنتجون في التعرف على الأخطاء والسلبيات لتلافيها في المشاريع اللاحقة، وخلال ذلك سوف نؤجل الحديث عن التريند وأعلى نسبة مشاهدة وما إلى ذلك من اعتبارات لا علاقة لها بجوهر العمل المعروض على الشاشة.

العلاقة بين الجمهور والفيلم أو المسلسل سوف يختصرها ما يعرض على الشاشة، وهنا تصبح الشاشة ملكا للمشاهد ما دام الخطاب موجها له والعمل السينمائي والتلفزيوني منتجا من أجله.

البحث عن الجمهور واستقطابه لا يستقيم مع احتكاره وافتراض أنه سوف يقبل ويتسامح مع كل ما يشاهده، وكذلك الحال مع الناقد الذي يفترض أن يكون منبرا إعلاميا أو دعائيا لصالح المسلسل أيا كان، وهو افتراض بعيد عن الواقعية وعن المنطق وعن الاعتبارات الموضوعية المؤسسة لأصل وجوهر الفيلم أو المسلسل بوصفهما أعمالا إبداعية.

الشاشات هنا تصبح مساحة مطلقة للتفاعل مع ما يعرض عليها والموقف والرأي تجاهه وليس الرضا والقبول السلبي الذي لا يمكن أن يخدم ولا أن يطور العمل الإبداعي ولا يشخص مستوى وتأثير ما يعرض على الجمهور العريض.

14