ضبط الإعلام الرياضي في مصر يصطدم بتعصب مقدمي البرامج

مدونة سلوك فضفاضة أصدرها مجلس تنظيم الإعلام يصعب تطبيقها.
الأحد 2022/02/27
واقع صعب

ثمّن النقاد دور الإعلام الرياضي خلال جلسة حوارية بالمجلس الأعلى للإعلام حول القضايا المتعلقة بالإعلام الرياضي، وأكد الحضور ضرورة الاصطفاف خلف المنتخب والبعد عن التجريح الشخصي والانتقادات التي يتم توجيهها إلى الأشخاص ومواجهة الكتائب الإلكترونية، وذلك من خلال دورات تدريبية لجميع العاملين في الإعلام الرياضي.

القاهرة - تحرك المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر لضبط الانفلات الحاصل في المنابر الرياضية، واصطدم تدخله الأربعاء، بإصدار مدونة سلوك جديدة للإعلام الرياضي بتعصب الكثير من البرامج والمذيعين أنفسهم لارتباط بعضهم بمصالح متفرقة، تظهر في دفاعهم عن كيان رياضي بعينه مقابل التقليل من كيانات أخرى.

وطالبت مدونة مجلس تنظيم الإعلام بضرورة الحفاظ على حيوية الأحداث الرياضية، وعدم الانزلاق إلى إثارة التعصب أو دعم أي نعرات فئوية، أو تشجيع العنف، في ظل مساعي الحكومة إلى عودة الجمهور للملاعب الرياضية مرة أخرى، لكن الأجهزة الأمنية تتخوف من صدام يحدث في المدرجات فينفخ فيه الإعلام الرياضي.

وبلغت الفوضى الإعلامية في عدد من القنوات الرياضية في مصر مداها بعدما صارت أقرب إلى ساحات للمعارك الكلامية وتصفية الحسابات بين بعض الأندية.

وحاول مجلس تنظيم الإعلام ضبط المشهد أكثر من مرة عبر وقف برامج ومعاقبة مذيعين والتلويح بإلغاء تراخيص محطات تلفزيونية، لكن ذلك لم يفلح في القضاء على الانفلات الإعلامي وردع المنابر الرياضية المثيرة للفوضى.

وقررت نقابة الإعلاميين وقف المذيع الرياضي هاني حتحوت ومنعه من الظهور على أي وسيلة إعلامية لحين انتهاء التحقيق معه وتوفيق أوضاعه لكونه غير نقابي، وهي العقوبة التي أثارت الكثير من الجدل لتكتم نقابة الإعلاميين على السبب الحقيقي، أو الخطأ الذي ارتكبه حتحوت، وربط البعض معاقبته بدخوله في سجال كلامي مع مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك.

في كل مرة تعاقب الهيئات الإعلامية، مذيعا بسبب اتهامه بإثارة التعصب وزيادة الاحتقان الجماهيري وتصفية الحسابات يعود ليؤدي الدور نفسه حتى أصبحت الإثارة سمة في الكثير من البرامج الرياضية وخارجة عن السيطرة، ووصل البعض من مقدمي البرامج إلى كرسي المذيع بالشهرة السابقة وليس الخبرة والمهنية.

مدونة مثالية

ضبط المشهد ضروري
ضبط المشهد ضروري

وتبدو مدونة السلوك الرياضي التي أصدرها مجلس تنظيم الإعلام مثالية أكثر من اللازم وغير عملية، لأن بنودها إذا تم تطبيقها حرفيا فذلك يعني أن أغلب مقدمي البرامج الرياضية وعدد من المحررين بالصحف سيتم إقصاؤهم من المشهد كليا، ما يوحي بأن المجلس يفتقر للتفاصيل الدقيقة.

وأقرب مثال على ذلك أن المدونة حظرت على الإعلاميين الرياضيين المشاركة في أي أنشطة أو القيام بوظيفة يمكن أن تؤدي إلى تعارض المصالح أو تظهر شبهة سواء أكان هذا التعارض حقيقية أو من المحتمل حدوثه، في حين أن شريحة من أشهر مقدمي البرامج الرياضية والمحللين يعملون في أندية.

ويعمل مثلا الإعلامي الشهير أحمد شوبير نائب الرئيس نادي فيوتشر، والكثير من المذيعين تربطهم علاقات مصالح علنية وخفية بمسؤولين في أندية أخرى، وهناك صحافيون يعملون في الأجهزة الإعلامية للكيانات الرياضية بالإضافة إلى عملهم في صحف ومواقع إلكترونية مختلفة.

البعض من خبراء الإعلام يرى أن أزمات الصحف والبرامج الرياضية لن تحلها مدونة سلوك أغلب بنودها غير منطقية

وأشارت مدونة السلوك إلى ابتعاد الإعلاميين عن المشاركة بأي صورة من الصور في المنافسات الرياضية الرسمية أو إدارتها أو تنظيمها أو الإشراف عليها، مع أن اتحاد الكرة المصري يضم في عضويته نجمين كبيرين، أحدهما مقدم برامج (محمد بركات) في قناة النهار، والثاني محلل رئيسي في القناة الرياضية الأكبر “أون تايم سبورت” وعضو في مجلس النواب، وهو حازم إمام.

كما أن هناك إعلاميين اعتادوا المشاركة الرسمية في تقديم حفلات تنظمها أندية رياضية، مثل سيف زاهر المتخصص في تقديم مناسبات النادي الأهلي، وهو أهم مقدمي البرامج الرياضية في محطة “أون تايم سبورت”.

وتظل الأزمة الأكبر في الإعلام الرياضي المصري التي يصعب على مجلس تنظيم الإعلام وضع حلول جذرية لها تكمن في أن كل برنامج يتبنى وجهة نظر بعينها أو يتحدث بلسان نادي محدد.

ففضائية “الحدث اليوم”، بها برنامجان، أحدهما متخصص في الدفاع عن النادي الأهلي ولاعبيه وجمهوره ويتبنى الترويج لسياساته واستضافة مسؤوليه، وبرنامج آخر موجه لنادي الزمالك وجمهوره، ويطل من عليه رئيس النادي ليدافع عن الكيان، ويكيل الاتهامات لخصومه من دون رقابة أو محاسبة.

وتقوم القناتان المملوكتان لكل من النادي الأهلي والزمالك بالدفاع عن مصالح كل ناد، وتتبنى كلاهما وجهة نظر الكيان التابعة له وتوجه كلامها للقناة الأخرى، وصار التراشق اللفظي والسخرية والتهكم جزءا من منظومة الإعلام الرياضي لغياب الاستقلال عن المنابر وتحكم الجهة المالكة في السياسة التحريرية للبرامج.

فوضى متجذرة

التزاحم ليس بالعمل الحرفي
التزاحم ليس بالعمل الحرفي

ويرى متابعون للمشهد الإعلامي أن تحول بعض مقدمي البرامج الرياضية إلى متحدثين باسم أندية بعينها وتبني وجهات النظر التي تخدم مصلحة النادي الذي يشجعونه جعل الفوضى متجذرة.

وتزداد المعضلة عندما يكون مذيعو برامج أخرى غير رياضية يتحدثون في الشأن الرياضي وفق انتماءاتهم ويستغلون شعبية برامجهم للدفاع عن النادي الذي يشجعونه مقابل كيل الاتهامات والتقليل من شأن الكيان المنافس.

ومع كل تنافس بين الأهلي والزمالك، وهما أكثر الأندية شعبية في مصر، يتبرع المذيعون الذين يشجعون الفريق الأول، مثل أحمد موسى وتامر أمين وسيد علي بالدفاع عن موقفه، ما يستفز الجمهور المناصر للفريق الثاني، وظهر إعلامي مثل عمرو أديب للدفاع عنه، وهكذا صار الإعلام يتعامل مع القضايا الرياضية بما كرس التعصب والفوضى وغياب المهنية عن المنابر الرياضية.

المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر يتحرك لضبط الانفلات الحاصل في المنابر الرياضية من خلال إصدار مدونة سلوك جديدة

ويرى البعض من خبراء الإعلام أن أزمات الصحف والبرامج الرياضية لن تحلها مدونة سلوك أغلب بنودها غير منطقية، لأن استمرار سيطرة الانتماء الكروي على مقدمي البرامج العامة أو المتخصصة في شؤون الألعاب المختلفة يقود إلى المزيد من التعصب الجماهيري وغياب المصداقية في طرح القضايا الرياضية.

وأكدت ليلى عبدالمجيد عميدة كلية الإعلام بجامعة القاهرة سابقا أن غياب مهنية بعض البرامج الرياضية تسبب في حالة من الاحتقان، وصار الأمر بحاجة إلى تدخل صارم يعيد للمشهد انضباطه وتوازنه، والمشكلة أن الكثير من البرامج تعتمد على شهرة المذيع كأن يكون نجما كرويا ويفتقد للمهنية ولا يستطيع التخلي عن الانحياز.

وأضافت لـ”العرب” أن مدونة السلوك للإعلام الرياضي جزء من الحل، ومطلوب سياسة واضحة للصحف والقنوات للتعاطي باستقلالية مع القضايا الرياضية طالما أنها تؤثر في الجمهور، ولا يمكن التعويل على الإثارة لتوسيع قاعدته الجماهيرية لأن هذا خطر على المجتمع، والحكومة في النهاية تتعرض للوم مع أنها بريئة مما يحدث.

وهناك من يرون أن الحكومة مستفيدة من الفوضى في الإعلام بذريعة أن مناوشاته تلهي الناس عن التركيز في بعض المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وقد تكون هذه رؤية صحيحة نسبيا وتشكل خطرا على السلم المجتمعي مستقبلا، طالما أن التعصب الجماهيري أصبح خارجا عن السيطرة جراء ما يرتكبه الإعلام الرياضي من أخطاء مهنية فادحة.

18